علي عبد الأمير يستعيد (بغداده) الشخصية في عمان: حنين بغدادي!

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
23/12/2012 06:00 AM
GMT



سميرة عوض 
عمان ـ 'القدس العربي' من سميرة عوض: وسط حضور عراقي لافت، وقع الشاعر والاعلامي علي عبد الأمير عجام، كتابه المعنون: 'حنين بغدادي'، من بين الحضور كان السفير العراقي'في عمّان الدكتور جواد هادي عباس، وعدد كبيرمن الفنانيين والكتاب، وسط حضور عدة فضائيات تلفزيونية، عراقية في معظمها، شهدت حفل التوقيع الذي جاء كاحتفالية عراقية في الكاتب صاحب الشعبية، والكتاب الذي يأتي ضمن سلسلة من الاصدارات العراقية التي تريد اعادة الاعتبار إلى المدينة المنتهكة، بل البلاد التي تناهبتها عواصف من الخراب والتخلف ولم تترك شيئاً إلا وضربته.
الحفل الذي أقيم في غاليري الأورفلي، اداره الشاعر عبود الجابري، شارك فيه الدكتور حيدر سعيد بورقة عنوانها: تقريظ (حنين بغدادي)، فيما حملت ورقة الشاعر عبدالخالق كيطان (حنين بغدادي: رحلة عمادها التسامح في الزمان والمكان العراقي)، كما قرأ الزميل علي عبدالأمير فقرات من'مقدمة الكتاب وبعض فصوله، موجها الشكر لرفيقة دربه إخلاص الطياب، التي حثته لتخصيص جزءمن وقته لكتابته الخاصة، فكان 'كتاب حنين بغدادي'، كما وجه شكره لدار الأديب التي تولت نشر الكتاب.

حيـدر سعيـد: حين تختلط السايكولوجيا بالسياسة

ويبين الدكتور حيدر سعيد أن صدور 'علي عبد الأمير عجام، يحاول في كتابه (حنين بغدادي)، الصادر حديثاً عن دار الأديب في عمّان، أن يدافع عن فكرة أساسية، وهي أن هذا الكتاب ليس مجرد نوستالجيا وحنين شخصي، لمكان بدأ يتهدم، ويتهدم، بل هو دفاع عن مساحات الجمال في الذاكرة العراقية. ولعل هذا التمييز هو واحد من التفسيرات النادرة لتيار جارف، شغل الكتابةَ العراقية طويلاً، منذ نحو ربع القرن، في الأقل، وهو التيار الذي يستعيد المكان العراقي، بشكل نوستالجي، أو افتراضي، متخيّل'.
ويعتبر سعيد أن كتاب (حنين بغدادي) 'نقطة متقدمة في هذه الكتابة، تجمع بين الأدب، والاستعارة، والصورة، والسيرة، والوثيقة، والريبورتاج.
غير أن الماضي، الذي تعيد نصوصُ المكان إنتاجَه، هو ماض مؤمثل، مشذّب، ومهذّب، ومنقّى، حُذفت منه المساحاتُ السود، ليقدَّم أبيضَ ناصعاً.
ومَن يقرأ (حنين بغدادي)، يجد أن الألم، والدم، والعذاب، والقهر، يتخلل كل صور علي عجام، وكلماته، ووثائقه، . . يتخلل مساحات الجمال هذه.
ولذلك، ليست النوستالجيا، هنا، دفاعاً عن ذاكرة حسب، بل هي دفاع عن حلم،. . عن مستقبل لا يُراد له أن يُخلق، وينبثق.
النوستالجيا، هنا، هي فكرة سياسية، بامتياز، هي رفض للحاضر، بكناية الماضي، على ما فيه من ألم، وعذاب.
لقد كان علي عجام، منذ أواسط التسعينيات في الأقل، أحدَ الذين تعاطوا وتداولوا حلماً سياسياً لعراق ما بعد الدكتاتورية. وقد عمل، منذ ذاك، في المعارضة السياسية والثقافية، وكان أحدَ أبرز الأسماء فيها. وحين سقطت الدكتاتورية، عاد إلى البلاد سريعاً، ولكن البلاد ـ سريعاً أيضاً ـ لم تستطع أن تحتضنه، فوجد نفسَه، ثانية، خارجها، كما كان في عهد الدكتاتورية.
والحلم بدأ يهتز، ويتلاشى، بإزاء هجمة وحشية، يختلط فيها العنفُ بالهوية، والدينُ بالظلامية، والدولة بالاستبداد، وكأن العراق لم يغادر بيئةَ الخيبة بعد.
النوستالجيا معطى نفسي. ولكن، حين تختلط السايكولوجيا بالسياسة، تنتج وثيقة كهذه، فيها من الحنين والوجد، بقدر ما فيها من الرفض والعصيان.

عبد الخالق كيطان:
رحلة عمادها التسامح

ويرى الشاعر عبد الخالق كيطان في شهادته المقدمة حول كتاب 'حنين بغدادي'، أن الكتاب يمثل رحلة عمادها التسامح في الزمان والمكان العراقي، ذاهبا للقول أن كتاب الشاعر والاعلامي علي عبد الأمير عجام، يندرج ضمن سلسلة من الاصدارات العراقية التي تريد اعادة الاعتبار إلى المدينة المنتهكة، بل البلاد التي تناهبتها عواصف من الخراب والتخلف ولم تترك شيئاً إلا وضربته.
وميزة هذا النوع من الكتب- كما يقول كيطان- أنها كتب استرجاعية كتبت على الأغلب بلحظات صفاء، أنها تقذف قارئها في متن سردي قصصي صار اليوم نائياً حتى وإن كان عمر الحدث البطل لا يتجاوز عشرين عاماً.
ويستند كيطان إلى ما يقوله مؤلف كتاب حنين بغدادي، 'ليس بكائية لوطن يكاد ينتزع منا... انه الدفاع عن جرح غائر لا يندمل اسمه العراق الجميل'، وعبر هذه الجملة المفتتح، يضع القارئ على 'عقدة' الكتاب، ثيمه الأساس، بلغة الدراما. أنه رحلة، رحلة في الزمان والمكان، يأخذك المؤلف فيها، بلغة أقرب ما تكون إلى بوح مجروح، إلى قصص شكلت إرث أجيال عراقية عريضة، كانت الفنون والآداب فيها تتصاهر مع بعضها البعض وهي تنتج انساناً متحضراً لم تكبله الشعارات الحزبية، ولا الضغائن المجتمعية ولا الخلافات الدينية أو القومية... رحلة تمتد على طول وعرض خريطة البلاد أسهم في صنعها كون المؤلف عمل في أكثر من مكان سواء أكان عمله مدنياً أو عسكرياً. وعبر هذه الرحلة نمر على بيوت، وشوارع، ومقاهي وبارات وجبال ومعسكرات وساحات قتال.. أشخاص يمرون في ذاكرة الواحد منا فيتركوا بصمة الأبدية وراءهم.
ويشير كيطان أن 'علي عبد الأمير عجام لا يترك شاردة أو واردة في ذاكرته إلا ودونها في كتاب الرحلة هذا. ويدعم تفاصيل الرحلة بصور فوتوغرافية التقطتها عدسته في أحيان وفي أحيان أخرى كانت الصورة من خزين تاريخ البلاد المعروف.
وإذ تتقافز الحيوات في ثنايا الكتاب، فأنها تنبض ببهاء يحيل إلى مرحلة من عمر بغداد، صارت اليوم مجرد ذكرى لجهة تطورها العمراني والمدني.
وكتاب علي عبد الأمير عجام يثير عدداً من النقاط الجوهرية في فن السيرة، وأول تلك النقاط ما خص الأخلاق. فنحن، وإذ نوجه كشافات الاضاءة على حقبة من حياة مجتمعنا البغدادي، والعراقي، بحاجة إلى تكون تلك الاضاءة منصفة، وأخلاقية، ومعبرة بحق عن شجون ومسرات تلك الحقبة. سهل أن ترمي الجميع بالتهم وتجعل من نفسك البريء الوحيد في جريمة صنعناها جميعاً، ولكن الفروسية في أن تكون رحلتك أخلاقية لدرجة نكتشف معها علامات مضيئة أسهمت بتحويل الجريمة إلى ملاذ للأمل.
ومن الاخلاق إلى الصدق، وربما يقود الصدق إلى الأخلاق أو العكس. فصدق الكتاب هنا هو الذي يدفعنا دفعاً لنكون مشاركين في صياغة أحداث الرحلة لا مجرد متلقين، وهذا ما شعرت به على الأقل. الشخصيات، والأمكنة التي يتحدث عنها الكتاب صارت شيئاً فشيئاً شخصياتي أنا وأمكنتي أنا. صرت أعرفها جيداً، وأتفاعل معها ومع خيباتها، وذلك لم يكن ليتحقق لولا توفر شرط المصداقية في الكتابة. والمصداقية أمر تتلمسه، تشعر به على الأغلب، وهو يجرك إلى مكامنه فتستشعر معه خلجات الكاتب وهو يدون سطوره على الورق.
ثم، وما زلنا في حديث شروط السيرة، فأنت بحاجة إلى لغة تشير إليك بالدرجة الأساس. ويمتاز صاحب 'يدان تشيران لفكرة الألم'، بلغة شعرية كان دشنها في عدد من مجاميعه الشعرية بالاضافة إلى ما عرف عنه من ولع بالموسيقى، ذلك الولع الذي دفع بنصه إلى ثراء لغوي وايقاعي شكل تنويعات لغوية قادرة على مد خطوط من العلاقة مع المتلقي أفضل ما يمكن وصفها بالايجابية.
كتاب 'حنين بغدادي' لا يكتفي بإعادة قارئه إلى زمن يوصف بالمدنية فقط بل يوغل عبر لغته وصدقه وأخلاقه في تنوير مساحات عامرة بالحب والتسامح في بلاد يتفق الجميع بحاجتها اليوم إلى شيء من ذلك البهاء والثراء الروحي.

كتاب 'حنين بغدادي'

يستعيد الشاعر والناقد الفني العراقي علي عبد الامير في كتابه 'حنين بغدادي' الذي وقعه في 'غاليري الاورفلي' مساء الاربعاء، والصادر حديثا بعمّان عن 'دار الاديب' العراقية يستعيد 'بغداده' الشخصية فتبدو مدينة خيالية او اقرب الى ذلك، وتختلط فيها تجارب عاشها مع امكنة تاريخية ومعاصرة، موسيقى ودور سينما، وحفلات راقصة وشوارع مكتظة بالمكتبات والنساء الجميلات، محلات ازياء وحكايات مع شعراء ومثقفين عراقيين جمعته اليهم جولات من حياة كانت مفتوحة على كثير من الاحتمالات والامال ورغم الكثير من رعب الحروب والقمع السياسي والفكري والاجتماعي.
وفي مقدمة كتابه الذي جاء في 190 صفحة من القطع الكبير، يقول صاحب ديوان 'بلاد تتوارى' والمقيم حاليا في العاصمة الاردنية وعمل في صحافتها محررا ثقافيا لنحو عشر سنوات، ان الكتاب 'ليس حنينا شخصيا.. هو دفاع عن ذاكرة عراقية وعن مساحات مضيئة، وان كانت محاطة بظلال الماضي، دفاع عن ذاكرة عراقية ما، يراد لها اليوم ان لا تبدو حاضرة وبغير لمسة انسانية، كي يكون ممكنا وهيّنا أمر تمرير الرداءات الحياتية والفكرية، انطلاقا من فكرة تحاول أن تجعل تاريخ العراق المعاصر قرين تلك الرداءات ونتاجها، كما يحلو لأصحاب قلوب غليظة وعقول انتعشت في مراحل الكراهية ان يقولوا ذلك'.
انه دفاع عن ذاكرة المدينة وحكاياتها الغنية حياتيا ومعماريا يوم كانت مدينة مفتوحة للجديد والمؤثر والعميق والحضاري، حتى وان جاء في سياق حكايات شخصية حين بدأت معرفة عجام بها منذ اوائل ستينيات القرن الماضي قادما اليها من مدينة صغيرة تغفو على نهر الفرات، دفاع عن فكرتها التي خنقتها موجات الارهاب والكراهية وعزلتها جدران الفصل الطائفية اليوم، دفاع عن موسيقاها وثقافة انسانها الذي كان مجبولا على المعرفة والاكتشاف، قبل ان تنهكه انظمة القمع والحروب والحصارات وحملات الكراهية، وتصيب في روحه مكامن الأمل والتفتح، لتوصله اليوم الى قناعة بأن مكانه هذا لا يمكن ان يكون الا مدارا مفتوحا للظلم واليأس والتعب.
انه حنين الى مكان او امكنة علي عبد الامير الشخصية، مثلما هو حنين الى مكان عراقي مشع بالأمل، بالفكرة الانسانية الصافية الخلاّقة، وحين يستعيده إنما يستعيد ما كان فيه من احتمالات نمو وتطور كانت ستشع لولا بشاعات سياسية، ولولا أمراض اجتماعية.
انه حنين للجمال الذي مع تصاعد البشاعات السياسية والامراض الاجتماعية اليوم، لن يكون الا أثرا بعد عين، في بلاد كانت الى نحو خمسين عاما خلت، تشع بالجمال الطبيعي والانساني.
ويقول عبد الامير عن كتابه 'انه ليس كتابا في الحسرة على الماضي او التّرحم عليه، وليس مجرد الحنين الى ايام الشباب الاولى ومحاولة استعادتها، لكنه كتاب الحنو والتلطف على المشهد الذي نما فيها أول حب، وكتاب إزجاء التحية والاحترام لأهل ومعلمين وبناة ومربين ومريدي أفكار ومعماريين وكتاب وحالمين وأناس بسطاء عاديين، وجنود وغرباء وحراس أمل عرفتهم عن قرب وجعلوا الحياة أكثر نضارة وشبابا، وما انفكوا، عبر استمرار فكرتهم اليوم وغدا حتى وإن بمستويات نادرة، يجعلونها أوسع من توقيتات للقفز بين حقول الألغام التي اتسعت منذ نحو ثلاثين عاما حتى غطت البلاد بأكملها أو كادت'.
ويضيف انه ليس حنينا لهندسة بناء وتقاليد اجتماعية عراقية قاربت الرفعة في الملبس وتذوق الثقافة، بل هو 'دفاع عن تلك اللمسات الانسانية الراقية لابن بلادي، كي يستعيد العراقي اليوم بعض ملامحها ويقارنها بما اوصلت اليه الحروب والقمع والحصارات والافكار المطلقة والمحرمات، 'وطنية' كانت أم دولية'.