حوار مع شلش العراقي : شلش اكثر نبلا وصفاء واخلاصا مني!

المقاله تحت باب  حوارات و لقاءات
في 
28/11/2012 06:00 AM
GMT



نص الحوار المباشر الذي اجرته مجموعة الانسان الكوني مؤخرا مع شلش العراقي ، اضعه بين ايدي الاصدقاء الذين لم يتسن لهم الحضور ، وبنفس الوقت ، اشكر بعمق اصدقائي الذين اعطوني من وقتهم الكثير وكانوا معي هناك بتعليقاتهم وارائهم السديدة والرائعة التي جعلت اول حوار لي مناسبة ساتذكرها طويلا ،، شكرا لكم ..
نص الحوار:
ادارة الموقع : نرحب بالكاتب شلش العراقي في مجوعة الانسان الكوني وستكون طريقة الحوار هي طرح الاسئلة الخاصة بمجوعة الانسان الكوني وعددها 13 سؤالا ثم يترك المجال لاسئلة الاصدقاء .
 شلش : مساء الخير اصدقائي ، شكرا لمجموعة الانسان الكوني على هذا اللقاء ، صراحة ان اي شخص يحترم العقل العراقي المركب سيرتبك في هذا الحوار ، تعودت ان اكتب على سجيتي ولكنني الان لست كذلك ، حيث هناك جواب ، جواب لكل سؤال ، وهذا ما لم آلفه في السابق، لذا اتمنى صبركم قليلا ، لانني احترم عقولكم الراقية فيجب ان اقدم اجابات تليق بكم ، شكرا مرة اخرى لمجموعة الانسان الكوني ، مجموعة النفوس والعقول النظيفة .
المحاور لنطرح الاسئلة ونبدأ السؤال الاول
 * المتن الحكائي الشعبي في العراق حتى على مستوى النكات و الاساطير المدنية هو متن طائفي و عرقي و قومي , برأيك هل هناك سلطة تتحكم بصياغة هذا المتن ؟
 ج : من قال ان هذا المتن طائفي وعرقي وقومي ، لم اسمع بهذا التصنيف من قبل ، نعم هناك مرويات من جنوب العراق واخريات من غربه وشرقه وشماله ، تنتمي الى بيئات ثقافية مختلفة نوع ما ، ولكنها ليست تمييزية . انا غير مختص بالموروث الشعبي لاقدم امثلة ، ولكني لم اطلع على حكاية شعبية الهدف منها النيل من مكانة طرف عراقي وتحقيره ، وهذا الموروث بجملته بحاجة الى علماء وباحثين في حقل الانثربولوجي لكي يقولوا كلمتهم فيه . إذا كان القصد هو النكات التي تتناول قومية او طائفة فهذا شائع عالميا ومتصالح عليه اجتماعيا . ليس هناك كردي عراقي يزعل من مزحة تبدأ (باكو فد كردي ) وكذلك الدليمي .. الخ . واخيرا اعتقد انه ليس هناك موجه فوقي او ايديولوجي للادب الشعبي . ليست هناك سلطة ( بكل اشكالها ) تتحكم في السرد الشعبي والا لما عاد شعبيا ..
 
* مفردة (شعبي) هل هي محاولة من محاولات اللا وعي لالصاق كل ما هو متدني بمفهوم الشعب؟
 
ج : لا اعتقد هذا ، لا على الاطلاق ، على مر التاريخ كان هناك خطان متوازيان لانتاج الخطاب في اي امة ، احدهما احتكر رمزية هذا الخطاب باسم الثقافة العالية بمعناها الاكاديمي ، والتي تنتجها طبقة الاكاديميين والمتخصصين والصحفيين والشعراء وكتاب المنتج الادبي بوجه عام ، وهناك الثقافة بمعناها الانثربولوجي والتي طالما ما توصف من خارجها ، كطرائق العيش من ملبس ومطبخ ومراسم احتفال والانتاج الشفوي من الحكايات ونظام علامات اخرى ينتبه اليها من هو خارج هذه الثقافة ، الثقافة بمعناها الاول والتي اصبحت وسيلة حضور وراسمال رمزي كما اشاع عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو ، احتكرت من قبل ( طبقة مثقفين ) يعتاشون عليها ويحققون حضورهم الاجتماعي داخلها ، لذلك عملوا عبر التاريخ على احاطة انفسهم بما يسميه بودلير بهالة الشاعر ، من هذه الهالة المتوهمة تم العمل على الحاق (تهمة ) الدونية الشعبية بكل منتوجات (قاع ) الشعوب الثقافية . إذن ما تفضلت به هو نوع من احابيل المثقفين انفسهم ، والثقافة الشعبية بتقديري هي الاكثر تعبيرا عن وجدان وروح شعب ما .
 * الدين الشعبي هل هو عبء على الدين ام مسنده الوثير؟
 ج : هذا سؤال معقد حقا ، الاجابة عليه من قبل شخص غير متخصص مثلي تعد عدوانا صارخا على علماء الاديان وتاريخ الاديان وفلسفة الاديان وعلماء الاجتماع . ليس لدي جواب غير القول بفهمي المتواضع، ان الدين هو نتاج شعبي خالص تم الاعتداء عليه من الكهنوت . ولو بقي شعبيا لتحول الى فولكلور هائل الروعة والجمال ، كما اتوقع ، او كما اتخيله . الدين عامل مهم لضبط بوصلة اخلاق المجتمعات ، وعندما يتخلى عن هذه الوظيفة ، علينا ان نتخلى عنه فورا . اي دين يقول لك اقتل ، عليك ان تستدير وتصوب سلاحك نحو هذا الدين نفسه . يجب ان تضحي بمليون عقيدة راسخة في رأسك من اجل ان لاتقتل جارك . الله ليس محرضا على القتل وليس مساهما جنائيا في جرائم الاديان ، كما انه ليس مخرجا سينمائيا لفيلم الرعب الكبير الذي نعيشه . الله تركنا منذ زمن بعيد ، لقد تخلى عنا بالكامل عندما طردناه من ضمائرنا واخترعنا لصورته اصناما ادمية . واستطرادا اقول لك بنوع ما من الثقة ، ان الله موجود في موسيقى ڤاغنر وموزارت اكثر من وجوده في تلاوة قرآنية يرتلها بدموع وخشية شيخ يحرض على القتل ، وهو موجود في اعمال سيزان والانطباعيين اكثر من تجليه على يافطة مكتوبة بخط الثلث خلف خطيب مسجد يقول اقتلوهم . وحيث يوجد الجمال فثمة وجه الله ..
 * كيف يستطيع العراقي اليوم ان يصنع تصورا جديدا نحو عرق او مدينة محددة او فئة من الناس؟
 ج : عامر صديقي ممكن اعتذر عن اجابة هذا السؤال . انا لا افهم في هذا المجال . ارجو ان تعذرني صديقي الرائع وليعذرني الاخوة جميعهم .
 
* ما كتبته كانت بدايته متزامنة مع "الطائفية" كما يطلق العامة عليها , هل تملك مصطلحا خاصا لتلك الحقبة؟ وهل ساهمت بترسيخ شكل من اشكال الكوميديا السوداء المتعلقة بالانسان العراقي في العقود الاربعة الاخيرة؟
 ج : من المؤسف تذكر تلك الايام الشديدة الالم ، كما ليس من الجيد نسيانها ، ليست لدي تسمية لها غير غياب العقل وانفلات الجنون بنسخته الوحشية . انها حقبة اكبر هزيمة مجتمعية عرفها شعب معاصر ، تفاجأنا فيها بكمية بربريتنا ، هامش من الوحوشية اختطف المركز ، بدا المشهد كما لو اننا نقتل بعضنا بخسة وجبن ونذالة غير مسبوقة ، قدمنا اطول فيلم رعب عرفته البشرية ، تقيأنا تاريخا مرا يستحي منه اي كائن حي . لا اخفيك سرأ انني ارتجف رعبا من هول تلك الايام وكوابيسها التي استعمرتني طويلا . لا اعرف كيف كنت اكتب في تلك الايام ، لم اكن في الواقع افكر بانجاز نتاج ادبي ، كانت صراخات استغاثة ويأس حولها اهتمام القراء المفاجيء بالنسبة لي ، وتجاوبهم المفرط بالاهتمام والكرم الكبير الى كوة امل ، كتبت فيها بالعامية فتوهم البعض انها كتابات شعبية ، حتى انتقلت عدوى الكتابة العامية الى عدد ليس قليلا من الكتّاب . وجدت في العامية راحتي لانني كنت ارغب مخلصا في مخاطبة الناس ، الناس في الشارع وليس قراء الصحف . المهم ان الانتشار السريع لمقالاتي كان اسرع من قدرتي على التواكب ، لهثت وراء شلش الذي اصبح اكبر مني كثيرا ، تعبت وتوقفت . وعلى الجانب الشخصي ، فالحق انني تفاجأت بنفسي ايضا ، اصابني نوع من الزهو والغرور ، بخاصة عندما افتح ايملي واتلقى رسائل من مشاهير في السياسة والادب والفن والمجتمع ، كنت احلم بالتقاط صورة معهم بالاضافة الى رسائل من الصف الاول من السياسيين والحكوميين ، تضخمت اناي ولم اكن مستعدا من الناحية الذهنية لذلك ، تخيل ان يتلقى كاتب شبه مغمور عرضا من مجلة التايم ، لموضوع غلاف ويرفضه .. يا الهي ، كم كنت كذبة جميلة انذاك ، وها انت بسؤالك تجعلني مرة اخرى بطل ترسيخ الكوميديا السوداء لاربعة عقود ، وهذا ظلم ومناف للتاريخ ، لان مرحلة الدكتاتورية بحد ذاتها ليس فيها ابطال كوميديا بيضاء او سوداء كان الوطن كله مسرح كوميديات من الوان لم يعرفها الطيف الشمسي ، انها مرحلة تهديم كل ماهو انساني بداخلنا ، ولعل صرخة انضباط عسكري واحد خلفك (تعال يا ولد! ) كفيلة بان تحولك من كائن شبه بشري الى بعوضة . سؤالك يحتمل رواية .. رواية سريالية بامتياز ياصديقي . هل تسمح لي بالتوقف عند هذا الحد ، انا اخاف من الهذيان ،، لدي رعب حقيقي من تلك الايام السود .
 * تسمية الاشياء بمسمياتها بشكل جريء ومباشر صفة تلازم الذهن الشعبي و اللسان الشعبي , لماذا برأيك؟ وماذا يختفي خلف الذهن النخبوي ؟
 ج : الذهنية الشعبية كما اطلقت عليها جنابك هي برأيي اكثر شجاعة من ذهنية ما تسميه (النخبة) التي اتحفظ عليها ، الاولى لانها روح الشعب ، والثانية لانها روح الكتب ، والشعب دائما اصدق انباء من الكتب. وبالمناسبة ليست لدينا نخبة مثقفة بالمعنى الحرفي لهذه التسمية ، لدينا كتاب وشعراء وصحفيون واخرون يجلسون في المقهى يقرأون كتبا ويحاولون ان يبدوا بشأنها اراء يعتقدونها مهمة ، وسط مجزرة من المبالغات اللغوية . والغريب في الامر ان عددا غير قليل منهم يتبنون اراء طائفية ويدافعون عن مرجعيات دينية ظلامية ، ويخوضون في الخرافة ، ومثقف او بضع مثقفين مرموقين من مثل د. حيدر سعيد لوحدهم لا يشكلون نخبة ، النخبة المثقفة لشعب يجب ان تتكئ على حائط فلسفي رصين من نتاج هذا الشعب او تثاقفه مع الامم الاخرى ، وتضم علماء في مجالات العلوم الطبيعة والعلوم الانسانية. فنحن ولله الحمد ليس لدينا من الاولى شيء وفي الثانية ما زلنا نعتاش على مقولات العملاق علي الوردي الذي اخشى ان يكون الزمن قد تجاوز ثنائيته (البداوة والمدنية ) باتجاه ثنائيات جديدة ليس هنا محل ذكرها . انا لا اعتقد بوجود نخبة ثقافية ، هذه كلمة كبيرة علينا ، كلمة مخيفة ، يجب ان نخاف من استخدامها ، يجب ان نتردد عند تداولها .
 
* ما مدى مساهمة الآخر في صناعة المتن الشعبي المروي شفاهيا ؟ وهل نحن امام مجموعة اذهان شعبية متقاطعة فيما بينها ؟
 ج - من هو الاخر؟ هل الشريك في الوطن آخر؟
 المحاور : نعم
- حسنا ، اذا كانت قرية السادة البوهلالة في الناصرية مثلا ، تنظر لقرية في راوة في محافظة الانبار على انها آخر ، فان التقارب الثقافي في اطار جغرافية اسمها العراق تجعل التأثير المتبادل على الشفاهية امرا قائما ومؤثرا ، فالمرويات تكاد تكون متشابهة في اللغة الواحدة ، فما بالك في لغة وجغرافية ومنظومة قيمية واحدة . نعم هي واحدة من حيث اسطرة وجودها ، ومتقاطعة لناحية رؤيتها لهذا الوجود ، نحن في الكل المجزأ ، كما يحمل القطار المتجه الى البصرة مثلا احلام متقاطعة لركابه النائمين ولكنهم سيصحون صباحا في محطة بمدينة المعقل البصراوية . هذه هي حكايتنا المشتركة التي نرويها بطرق مختلفة ..
* متى نحتاج لجلد الذات علنا , اثناء الخطأ ام بعد الخطأ ؟ و ماذا يمكن للانسان الشعبي ان يحقق في ظل الرهان على تمدد النخبة السياسية الى كل مفاصل الحياة ؟
 ج - لماذا نحن بحاجة لجلد الذات؟ نحن لا نحتاج ذلك ، اطلاقا لسنا بحاجة لذلك ، نحن بحاجة قصوى لنقد الذات ، نقد ما استقرت عليه ذواتنا من بدهيات دينية وثقافية واسطورية وسياسية ، نحن بحاجة التي تعرية هذه الذات من اللبوسات التاريخية الغامضة ، بحاجة الى ثورة نقدية كبيرة ، ولكنها للاسف ليست قريبة المنال ، نحن شعب من ثلاثين مليون او اكثر ليس لدينا ناقد بالمعنى الكانتي للكلمة ، الا اذا استثيننا احمد القبانجي ، فهذا الرجل ناقد بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى ، لقد جاء بالنظريات الحديثة في مجال السيمياء والهرمونطيقيا والتفكيك ، وبمعرفة عملاقة باللاهوت الاسلامي والتاريخ والفلسفة على اختلاف مدارسها وراح يعري فضيحتنا المقدسة ويكشف عن عورتنا الاستسلامية للكهنوت . باعتقادي انا شخص محظوظ لانني عشت في زمن هذا الرجل وسمعت منه . ولكن هل يكفي احمد قبانجي واحد لامة حدثت على ترابها كل انشقاقات اخر الاديان السماوية واخطرها ؟ نحن بحاجة الى جيش من القبانيين الافذاذ ليكنسوا تراكمات الفكر الديني وامراضه المزمنة ، انني اتشوق الى ذلك اليوم الذي اجد فيه القبانجي وقد تحول الى مؤسسة بحثية عملاقة ، مؤسسة بحجم جامعة .
* افكر باللغة الشعبية واكتب بالفصحى , برأيك ما مدى خطورة هذا الامر؟
 ج - هذه مفارقة لغوية فحسب ، غير موجودة في الواقع ، انت عندما تفكر بمسألة معرفية كالديالكتيك والحتمية التاريخية فلا اظنك تستخدم الفاظا شعبية للتعبير عنهما . انت تعرفت عليهما في سياق ومتن لغوي وعندما تفكر بهما ليس بامكانك ازاحتهما عن هذا السياق . من ناحيتي انا اتنقل بين العامية والفصحى برشاقة لانني ( اسطة ) فيهما وبينهما اولا ، وثانيا انا لا اخوض في كتاباتي اليومية بماهو معرفي واكاديمي. انا اكتب للناس عن الناس ، لذلك لم اجرؤ سياقيا في هذا الحوار على استخدام العامية ، لان نسق الاسئلة لا يمنحني هذه الفرصة .
* مصطلح " اللغة اليومية " تم استخدامه في الثقافة العراقية و تحديدا الشعر كمؤشر على اقتراب الادب من نبض الحياة , ان تكتب "اللغة اليومية" كما هي بدون تزويق و مكياج "و هو امر فعله شلش العراقي سابقا" هل هذا يعني انك تكتب الحياة ذاتها ؟
 ج - ساترك تعريف مصطلح اللغة اليومية لانه من اختصاص النقد الادبي ، ودعني اتساءل فيما اذا كان الله قد خاطب قبيلة قريش بلغتهم اليومية ام لا ، ولماذا لم يفعل ذلك اذا كانت تقربه من نبض حياتهم ، ام انه خاطبهم بها لذلك اضاعوا علينا فرصة التفسير المباشر من صاحب الدعوة نفسه؟ اللغة ياصديقي وكما تعرف ويعرف قراء صفحتكم الموقرين ، وعاء وجود ، كما يصفها هيدغر ، بمعنى انها لم تعد اداة تواصل كما كنا نظن بسذاجة ، انا اكتسب وجودي من لهجتي ، من شحنة ذاكرة مفرداتها ، من الطاقة الهائلة التي تنطوي عليها كل مفردة اكتسبتها عبر تاريخ من التدوال ، لم اكن اكتب لاخبر العراقيين عن ابطالي ، كنت اكتب ابطالي ، عشرات الاشخاص كتبوا لي ان خنجر جيرانهم ، وان نويرة مرة غراب معروفة لديهم ، واحدهم كتب لي هل كنت تقصدني بعباس السكران يا شلش؟ ولعلي اتذكر مرة كتبت ( مقالا ) بعنوان دردشة في سيارة كيا ، احدى القارئات كتبت لي عرفتك يا شلش انت الشاب الذي نزل في تقاطع شارع فلسطين . هل تسمي هذا لغة يومية ؟ انا من ناحيتي لا اعرف ، ما فعلته، وكل ماكنت افعله باعتقادي هو سرقة الافكار من راس الاخرين ، من وجدانهم ، اذهب الى صفحتي واقرأ تعليقات اصدقائي في الصفحة لطالما يعلقون : شلش والله كانك في قلبي ، (هسة جنت افكر بهذا الموضوع ). هذه هي طريقتي في الكتابة ، الكتابة بالنيابة عن الاخرين وليست لهم ، لم اشعر يوما بانني اكتب افضل منهم ، ولكني ربما اسرع في الالتفات الى الاشياء منهم ، التقط حجر الطريق قبل غيري وارميه في المكان الصحيح . قال الكاتب اللامع محمد غازي الاخرس قبل يومين في تعليق له عن بوست لي ، شلش توقعت هذا منك ، لقد استفزني الاخرس بذكائه ، وخفت على نفسي انني سقطت في دائرة التوقع ، والحكمة تقول ان الابداع هو ان لا نصيب الهدف مرتين من نفس الزاوية ، احيي بهذه المناسبة المبدع الاخرس واشير الى جهده الفردي المخلص في العمل على بث الروح في الشفاهي والمنسي من بديع قول اهل الجنوب وجماليات ادبهم وفنهم . ان الاخرس لطالما يدهشني .
* هل يرقى الذهن الشعبي و ما ينتجه الى مستوى الوثيقة التاريخية ؟ و هل ما كتبته في مرحلة "الطائفية" تنتمي الى هذا اللون من الوثائق ؟
 ج : ياصديقي انت تلقي اسئلة خطيرة ، اكبر مني كثيرا . ميشيل فوكو يقول ان جهده الاركولوجي ينصب على تصويت الوثائق الصامتة واستنطاقها ، بمعنى ان فاتورة الكهرباء التي صدرت قبل مئة عام بامكانها ان تقول لك اشياء كثيرة ، اولها ان هناك في مدينة ما ، وقبل مائة عام كانت هناك كهرباء وان سعر الكيلوفولت كان بسعر كذا ، وهذا يعني ان دخل العائلة كان جيدا او متواضعا لانهم يدفعون هذا المبلغ، ثم بالامكان ان تعرف عدد الاجهزة المستخدمة في البيت والتي تستهلك كذا كيلو فولت . هذا بخصوص ورقة جافة محايدة ، فما بالك بكتابة ترصد حياة الناس ومناخهم النفسي وحسهم السياسي ، ثم الانسقة التي يتحركون داخلها والنسق بالمعنى الذي يقترحه بول ريكور ، وحدة حياتية قابلة للفحص من ثلاثمائة وستين درجة . نعم ان ماكتب ورسم وما تم تلحينه من اغان وهتافات ستكون كتابا مفتوحا لكل من يريد ان يعرف ماذا جرى في ما تسميه انت مرحلة الطائفية واسميه انا سنوات غياب العقل . وبهذه المناسبة اشيرك الى قصيدة كتبها استاذي الشاعر المبدع حميد قاسم بعنوان : (هذا ايضا سيمر ) ومنها :
 لقد انتهت اسطورتك الكبرى ايتها المدينة
 مذ لم تعد هناك تنورات يرفعها الهواء بلطف
 لتعيدها أصابع الفتيات، وهي ترتعش، الى الأسفل
 هواؤك العاصف لم يعد قادرا على إزاحة الجبب والبنطلونات
 هواؤك لم يعد قادرا أن يرينا القليل من النعومة والبياض
 لا في ساحة الميدان، ولا غيرها
 اليست هذه وثيقة شعرية - تاريخية تشيرك الى تبدل المزاج الثقافي لشعب في مرحلة تحول هائلة شهدها الشاعر ؟  هل سيقرأ احفادنا هذه القصيدة مثلا ويمروا عليها مرور الكرام ؟ الجواب لا بالتاكيد . انهم سيقولون مسكين حميد قاسم لقد سرقت المدينة من امام عينيه ..
 * هل ما حدث و سيحدث في العراق ينطوي على صراع ام تصارع ؟ و كيف تجد الفرق بين المصطلحين؟
 ج - يبدو ان هناك صراعا خفيا بين الاطراف (الطائفية) المسيسة في العراق ، انا شخصيا لم اكن استشعره من قبل لان ذلك ليس في وارد اهتماماتي . عشت حياتي كعراقي تقليدي في وسط عائلة غير منفعلة ولا متفاعلة طائفيا ، وغير متدينة بالمعنى المتزمت للدين . كنا نصوم رمضان كعادة على الارجح وكنا نعيش محرم بوصفه دشداشة سوداء (وعيب تكرز حب واحنا بعاشور) ، وحتى صلاة والدتي كانت من نوع دين العجائز وسرير " الله كريم " المريح . ولكنني صدمت ، حقيقة صدمت مرة من صديق على مستوى عال من التعليم ولديه مؤلفات وترجم عن اللغة الانكليزية عدة كتب مهمة ، قال لي لماذا انت منزعج من سلوك القاتل فلان ، انه يقتل من اجل حماية المذهب!  كانت جملة مروعة ومخيفة وسوداء ان يبرر القتل باسم المذهب وكأن المذهب اغلى من الانسان نفسه . وصدمت مرة اخرى من حديث وزير تكنوقراط درس في ارقى جامعة في العالم وعاش في دولة هي حديقة الحرية وحقوق الانسان عندما التقيته مع صديق اخروقلنا له ، كيف نتخلص من الشحن الطائفي ، قال انا معكما ، يجب ان نتخلص لاننا لا نستطيع ان نحكم الاخرين بهذا المنطق ، نريد ان نحكمهم اولا وبعد ذلك نتخلص من هذا الشحن عندما يرضخوا للامر . صراحة صعقت ايضا لهذا التفكير القاصر والمريض لانني اعتقد اننا جميعا يجب ان نحكم انفسنا ، ولكن يبدو ان القاعدة والعصابات الاجرامية والبيوت والحواضن التي فتحت لها ووحشية جرائمهم الحقيرة ، قد اوجدت نهرا ثالثا من نار بعد ان كان نهرا من الحبر العتيق، فانتقل الصراع الخفي الى تصارع لحظوي على القوة ، على السلطة بمعنى ادق . فالصراع هو ما كان في بطون الكتب والتصارع هو ما جرى على الارض وترك بقع الدم التي لم تجف حتى يومنا هذا . هل نعود الى عقلنا كعراقيين نتقاسم المكان الجميل ونجفف الدماء ونضحك على جنونا؟
* انت كتبت عن استخدام الرموز بطريقة شعبية و سلطة هذا الاستخدام على الواقع , من اين تأتي هذه السلطة ؟ ألا تفقد الرموز قدسيتها عبر كثرة التداول ؟
 - هل تقصد الرموز الدينية يا صديقي؟
  المحاور : نعم
ج - طبعا ومثلما قلنا في جواب سابق ، وكما ان هناك راسمالا ثقافيا بحسب بيير بورديو ، فهناك راسمال ديني ، وهو اكثر تعقيدا وتشابكا وغموضا من الاول . الكهنوت اقدم المناصب البشرية التي تبيع الوهم للناس ، وهذه سلطة خطيرة تعتاش كثيرا على غريزة التعصب والعصبية بالمعنى الخلدوني لها ، وهي موجودة في كل الديانات السماوية منها والارضية ولكنها في العراق الان باعتقادي هي الاكثر تعقيدا من اي مكان في العالم ، لانها قابلة للانتقال بالوراثة ومحروسة بشبكة مالية ضخمة وحس شعبي عاطفي لم يخضع للفحص العلمي جيدا ، واستطاعت هذه المؤسسة بذكاء ان تقتطع لها رقعة من ثوب قداسة الله ، ولديها ميكانزمات انتاج الهالات القدسية التي لم يستطع محمد نفسه الحيازة عليها الا بمعاونة النص ، فكان اصحابه ينادونه يا محمد اخرج علينا وهو في حضن احدى ازواجه حتى نزلت الاية ( والذين ينادونك من وراء الحجرات ) من يجرؤ اليوم ان يقف بباب مرجع دين ويقول له ياسيد فلان اخرج الي ، انا محتاجك ؟ كانت الناس تسمي زوجات النبي وتنال منهن ، اتحداك أن تغامر و تسأل شخصا من اتباع المراجع عن اسم زوجة او ابنة المرجع الذي يقدسه . هذه الرموز لن تفقد قدسيتها على الاقل في الزمن المنظور ، لديها آليات بقاء لا تتمتع بها اي بكتيريا حيوية في الوجود . لقد اقامت هذه الرموز اخطر دولتين في عصرنا الحالي واقصد السعودية وايران ولسوء الحظ انهما اكبر جارين لنا . هل اجبتك ام انك مصر ان تورطني اكثر؟
* هل اختفيت خلف اسم "شلش العراقي" ام اردت يافطة عريضة تخفي انحداراتك و تكوينك الانثروبولجي كي تكون مستساغا لدى الجميع ام كل هذا ؟
 ج - ساكذب عليك ان لم اعترف بانني اختفيت وراء هذا الكائن الجميل شلش العراقي ، نعم اختفيت ولكن ليس لاخفي اي انحدار ، فقط لاخفي رأسي لانني احب الحياة واعشقها بجنون ، ولا افضل الموت بطلقة جبانة وعاهرة . لدي حبيبة رائعة ، واهل يستحقون ان اعيش من اجلهم ، وحتى لو كتبت باسمي الحقيقي ساكون مقبولا من ( الجميع ) الا من اولئك الذين يفضلون الحديث بالعبوات والكواتم ، ليس في تاريخي وانحداري ما هو غير مستساغ ، وبالمعنى الشعبي انا ابن عشيرة يحسب لها الناس حسابها ، عشيرة واهل هم جزء طبيعي من هذا الشعب والبيئة التي نعيش فيها ، ولكنني وعلى محبة اهلي وعشيرتي لي وتقديرهم العالي افردت افراد البعير المعبد كما يقول طرفة بن العبد . انا اخترت عراقيتي والحقت لقب العراقي وراء اسم شلش . اخترت العراق عشيرة واخترت المواطنة تعريفا . اردت من هذا الاسترسال فقط لابين لك ان تكويني وانحداري لا يستحق (الاخفاء والتخفي) ، انه تكوين وانحدار تقليدي وطبيعي وربما اكثر من طبيعي. وفي الوقت الذي سيكف شلش عن الكتابة ساقول لك ولكل الاصدقاء من هو شلش العراقي ، هذا الكائن العراقي الجميل الذي يشبهني قليلا ، هذا الطفل الذي يمسك شيف الرقي ويغازل الحلوات بكل ثقة كما لو انه الاكثر وسامة من جورج كلوني ، شلش اكثر نبلا وصفاء واخلاصا مني ، انه اكثر عراقية وانسانية مني ، شلش لا ينام ليله عندما اضع كذبة على لسانه ، شلش طفل طيب القلب والسريرة ، اما انا فبشر ، لدي عقدي ومتاعبي النفسية ، باختصار كأي عراقي مرت عليه كل هذه الكوارث .