(إنقاذ النزعة الإنسانية للدين) جديد المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي |
المقاله تحت باب أخبار و متابعات بغداد – منتظر ناصر يفتتح المؤلف كتابه بسياحة روحية وفلسفية رائعة قام بها عند مرقد الصوفي الكبير جلال الدين الرومي الملقب بـ"مولانا"، والمدفون في قونية بتركيا، حيث يصف حلقات الذكر وحالات الرقص الروحي المفعمة بالمعنى والمشبعة بالتصوف، وصفا روحيا دقيقا. ثم يتطرق خلاله الى ذكر المذهب الذي اشتقه "مولانا" في تأويل النصوص، والقائم على تغليب الروح على القانون، ويسعى لتحرير البشرية من العدوان والتعصب، ويتأسس على الحب والعشق والجمال. ويخوض في حوار له مع إحدى الدوريات في رسم حدود المقدس والديني ووظيفتهما وعلاقتهما في سيرورة المجتمعات الحديثة، متطرقا في حوار آخر الى ماهية المؤسسة الدينية وعلاقتها بالاجتماع البشري ووظائفها داخل المجتمع، إذ يرى أن أي تحديث داخل المجتمعات التقليدية، لا يمكن نجاحه دون التحديث داخل المؤسسة الدينية، معتبرا أن تحقيق ذلك يتم عن طريق التنمية الشاملة لكل أبعاد الحياة التربوية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مشددا على ضرورة الإصلاح من داخل المؤسسة الدينية بسبب الحساسية من النماذج المستعارة. ويفرد فصلا عن رائدين من رواد التحديث في الفكر الديني، وهما محمد عبده ومحمد اقبال، حيث تحدث عن تأثير المقولات السياسية في شبه القارة الهندية على الاسلام السياسي في مصر، ثم تطرق الى خصائص الاصلاح لدى الامام عبده في مصر، فقد قدم مجموعة فتاوى جريئة أباحت ايداع الاموال في صناديق التوفير واخذ الفائدة عليها، وحلية ذبائح اهل الكتاب، وجواز ارتداء ملابسهم، أما محمد اقبال في برنامجه الاصلاحي، فإنه قد تجاوز المسائل الفقهية الى السعي الى بناء فلسفة بديلة للدين. ثم تحدث في الفصل الآخر عن "جدل العلاقة بين الاستبداد والعبودية الطوعية"، مبينا الجوانب السوسيولوجية والثقافية التي تقف وراء الطغاة والمستبدين، متعرضا لمقولة الكواكبي "المستبدون يتولاهم مستبد، والاحرار يتولاهم حر"، والتي ينطلق منها الى ايضاح فكرة ترسيخ النظام الاجتماعي لهذا النوع من النظم السياسية القامعة بفعل القيم الأبوية التي تنهجها العائلة. أما الفصل الآخر فقد تعرض المؤلف الى موضوع في غاية الاهمية وهو "اسلامية المعرفة"، إذ بدأ بتاريخ المعرفة لدى الاسلاميين منذ بزوغ فجر الدين الحنيف، وحتى ربع القرن الاخير، عارضا للقارئ موقفين متناقضين منها، الاول يؤيد الاستمرار بهذا المشروع بغية توطين وتبيئة علوم خاصة بالمجتمعات الاسلامية، والآخر يحذر من ذلك ويعتبره ضربا من ضروب التعبئة الايديولوجية. ثم يطرح عدة افكار وتساؤلات حول أمام القارئ قبل أن يؤيد أو يعارض الفكرة. وفي الفصل الذي يليه، عقد المؤلف مقارنة بين اثنين من أهم منظري الحركة الاسلامية العقلانية في ايران ومصر، وهما علي شريعتي، وحسن حنفي، حيث يتطرق الى البيئة التاريخية التي نشأ فيها الأول، إضافة الى العلاقة التاريخية التي تربطه بالثاني، وتأثره به، مسجلا بعض الانتقادات على منهجيهما في تثوير المجتمعات الاسلامية. ولخبرته الكبيرة في المجالين الفقهي والكلامي، يكرس الرفاعي الفصل الآخر، للمرجعيات الكلامية للفقهاء، متطرقا الى تغلغل المسائل العقائدية التي أبدعها عدد من الفلاسفة والمتكلمين داخل عملية استنباط الاحكام الشرعية، إذ لا يصح برأيه فصل المتراكم من القواعد الاصولية والفقهية عن السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية.وفي الفصل الذي أفرده لمصادر اشتقاق الكراهية لا يخفي المؤلف مخاوفه من وجود العبارات والجمل المثيرة للعنف، ويدعو الى تطهير اللغة منها، منتقدا التفسير الساذج ذا الفهم الواحد، والقراءة السلفية للنصوص الدينية، فضلا عن الدعوات لتعزيز الهوية بفعل حجبها للاخر، وقد استند الى الكثير من الايات القرانية التي تهدف الى اشاعة السلام والتسامح، ونبذ العنف. وفي الفصل الذي حمل عنوان الكتاب ذاته "إنقاذ النزعة الانسانية للدين"، يحمل الرفاعي على القراءة الحرفية القمعية للنصوص الدينية، من دون أي مراعاة للمقاصد الحقيقية وراء الدين نفسه، والتي أدت الى طغيان صفة العنف والتشدد، بسبب الهروب الى الماضي، والاقتصار على اسلام جيل الصحابة، ومحاربة كل أشكال الحياة الأخرى كالفنون الجميلة والموسيقى وغيرها. وتطرق الى مجموعة من المفكرين الذين برهنوا على تجذر النزعة الانسانية في الدين الاسلامي، داعيا الى إحياء التجارب الإيمانية الشفيفة من خلال استيعاب الحياة الروحية الخصبة في الدين، والتي تمنح أصحابها رؤية مثقلة بالمعنى، مدعما رأيه بالعديد من المصاديق والشواهد التي تزخر بها النصوص الاسلامية. وكرس المؤلف ثلاثة فصول عن التجربة الدينية المعاصرة في إيران، عبر سياحة سوسيوتاريخية فريدة، تضيء للقارئ العربي الطريق لمعرفة رموز وشخصيات الحركة الفكرية الدينية الإصلاحية، مرورا بجدلية الثورة التي تجاوز عمرها 3 عقود. إذ يقسم أزمنة التحديث في ايران بحسب رأيه الى 5 أزمنة، ابتداء من بداية القرن التاسع عشر، وحتى صعود أيديولوجيا الثورة أواسط القرن العشرين، مرورا بمناهضة الاستبداد، والمشروطة والدستورية، والمحاكاة الشكلية للغرب. أما النجف، وهي المكان الأول الذي تفتحت فيه رؤاه المعرفية، فيفرد لها الرفاعي فصلين، يتطرق فيهما الى تاريخ المدينة المعرفي والديني، وتأثيرها في الوضع السياسي سواء في العراق أو ايران، بدءا من رصيدها الرمزي بسبب مدفن الامام علي فيها، الى تحولها الى حاضنة لدراسة الفقه الشيعي عبر تاريخ طويل من ظهور رموز وأسماء شكلت مرجعيتها الدينية، قبل ضمور دورها التاريخي بفعل الأحداث السياسية المختلفة. إذ تطرق أيضا الى دورها السياسي في بلورة عدد من المواقف من قبيل انتفاضة التبغ التي حدثت عقب فتوى المرجع الشيرازي، الى ثورة المرشد الأعلى الخميني ابان تواجده في المدينة، مرورا بحركة المشروطة، وصياغة الرؤى النظرية والدستورية التي قام عليها النظام الاسلامي الايراني الحالي، بعد صياغتها على يد المرجع الشهيد محمد باقر الصدر. ثم تطرق لاحقا الى تطور فكرة الدولة في النجف، عبر ثلاث مراحل: الأولى: انبثاق الدعوة للدستور عقب حقبة الاستبداد السياسي الذي أجل ظهور الفقه السياسي الشيعي، حيث ذكر بالتفصيل التطور الزمني لهذه الدعوة. الثانية: التفكير بالدولة داخل المدونة الفقهية في مدرسة النجف، والتي بدأت منتصف القرن العشرين، على يد الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والشهيد محمد باقر الصدر، في حقبة بدأ التأثر فيها واضحا بشعارات الإخوان المسلمين، وحزب التحرير، وكتابات سيد قطب. الثالثة: التفكير بالدولة من جديد خارج المدونة الفقهية في مدرسة النجف، على يد كتاب مثل الراحل محمد جواد مغنية، مختتما حديثه عن النجف بالعصر الحالي الذي يشهد رجوع المدينة الى ألقها، فهي لم تنقطع عن حج السياسيين إضافة الى عرضه آراء للسيد السيستاني تتبنى العدالة والمساواة وضرورة الحفاظ على الحقوق والواجبات، واعتماد الانتخابات كآلية لتداول السلطة، وهي دليل على تطور تفكير النجف بالدولة. |