روبرت فسك :العراق أكثر أمنا.. لكن أبناءه فقدوا شعورهم بالانتماء |
المقاله تحت باب في السياسة رأى صحفي بريطاني ان ذكريات الحرب الطائفية والخطف وقتل الاطفال بدات تتلاشى، وصار الوضع اكثر امانا في العراق، الا ان تلك الايام افقدت بعض العراقيين احساسهم بالانتماء الى وطنهم. وروى الصحفي البريطاني روبرت فسك مشاهداته من الفلوجة مرورا ببغداد حتى اربيل على صفحات الاندبندنت اللندنية امس الثلاثاء قائلا ان احد رجال الشرطة العراقية في الفلوجة قال له ان "تنظيم القاعدة قتل اثنين من رجالنا هنا قبل يومين، ثم وجهوا لنا نداء يكشفون لنا فيه عن اسم عمليتهم ـ عبر جهاز اللاسلكي الخاص بالشرطة!". ويروي فسك "كنا نصطف في مكان في الفلوجة، وكان رجال الشرطة ينادون على كل اجنبي ان يذهب مع مرافق. فجاءنا ستة مرافقين، واحد منهم يغطي وجهه بقناع. وكما قال عقيد في الشرطة لاحقا ان "تنظيم القاعدة ما يزال موجودا هنا، وهم مصدر اذى، بالنسبة لي شخصيا عندما اقوم بجولة في المدينة. لكنهم لم يعودا كما كانوا". وتابع فسك قائلا "كنا نصطف في قاعدة قديمة للمارينز الاميركيين غير بعيدة كثيرا عن محطة القطار المبنية حديثا ـ طبعا، لا يوجد قطارات ـ وما تزال بقايا شعار المارينز على الجدار. الريح المتربة تهب في الساحة وهناك أكياس رمل ممزقة". وينقل فسك مشاهداته في طريق عودته الى بغداد "على طول طريق العودة إلى بغداد، تبدو القواعد القديمة الأميركية مهملة، وبعض جدرانها الخرسانية منهارة. مشهد يوحي لك بشعور عن امبراطورية غابرة ـ مثلما ولّى عهد بريطانيا العظمى وقد غبر قبله عهد الرومان". ويتابع الصحفي البريطاني قائلا ان "العراق لا يبدو خاليا من المشاكل. فنائب رئيس جمهوريته، طارق الهاشمي، فر من بغداد الى كردستان، ومنها طار الى قطر وبعدها الى المملكة العربية السعودية وراح يتجول في الخليج ـ نكاية بحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، التي اتهمته بقيادة فرق موت. ويدعي الهاشمي أن ثلاثة من حراسه تعرضوا للتعذيب حتى ماتوا في سجن ببغداد ـ فيما تقول ادارة المالكي ان واحدا فقط منهم مات، ولأسباب صحية". ويؤكد فسك ان "هذه ليست بالانباء الطيبة. بل ان الحكومة المركزية تريد تأديب السلطات في مطار أربيل، عاصمة كردستان، على سماحها للهاشمي بالسفر إلى قطر". ويضرب فسك مثلا "مع ان بريطانيا ليست جمهورية، الا ان الامر يشبه الى حد ما عندما يعمد [ديفيد] كاميرون الى وصف كليغ [الزعيم الليبرالي الديمقراطي البريطاني ونائب رئيس الوزراء البريطاني] بالخائن، فيهرب كليغ إلى اسكتلندا ويحتج كاميرون بان على مطار ادنبره الا يسمح له بالطيران أيرلندا". بهذا النحو، كما يقول فسك، اعلن متحدث باسم الحكومة العراقية ان "القانون العراقي واحد وينطبق على الكل، بما في ذلك إقليم كردستان". لكن الحال ليس بهذا النحو، كما يؤكد فسك، الذي يقول ان "كردستان العراق تكاد تكون دولة منفصلة ـ اذ لديها علمها الخاص، ولغتها الخاصة ـ على الرغم من ان لوحات السيارات على الاقل ما تزال عراقية". ويتابع فسك نقل مشاهد الطريق قائلا ان "على طول الطريق المؤدي لاربيل، تجد نقاط تفتيش للجيش والشرطة العراقية ـ وبعض افراد الشرطة يدورون في المنطقة بسياراتهم الشيفروليه المصبوغة بالاخضر والاصفر ـ وهم اكثر بشاشة وألفة من نقاط التفتيش الاميركية سابقا، حيث كان الجنود الاميركيون يصوبون بنادقهم عليك مخافة ان تكون انتحاريا". الا ان فسك يشير الى "منطقة تبلغ مسافتها حوالي 40 ميلا تعدّ غير امنة ـ تلك هي اراضي القاعدة، اذا كان يجوز استعمال هذه العبارة ـ وبعدها تدخل الى كردستان، والانهار تجري بمحاذاة الطريق وترى الجنود اكثر الفة". خارج اربيل، كما تنقل لنا عيون فسك، "هناك محطة دخول كبيرة تبدو مثل نقطة جمركية. نعم، العراق اكثر امنا، على الرغم من ان (المقاومة) السنية القديمة ـ التي لم تعد تجد اعداء اميركيين تهاجمهم ـ اعلنت الان ان عدوها هو ايران. ولعل هذا امر حسن". في الطريق السريع المؤدي الى اربيل، كما يروي فسك، كانت مرافقته في رحلته "الدكتورة لبنى ناجي، 25 عاما، طبيبة ممارسة". هزت لبنى رأسها وقالت "لم يعد البلد حقيقيا. اتحدث مع اصدقائي، وغالبيتهم من الاطباء، عن الهجرة خارج العراق. كلهم يحلمون بالخروج. لان الوطن هو الذي تنتمي اليه ـ ويحتاج اليك. ونحن فقدنا الشعور بشيء ينتمي الينا، وطننا. فقدنا هويتنا الوطنية كعراقيين". ويقول فسك ان "مثل هذا الكلام تسمعه كثيرا. اذ يقولون لك في بغداد ان طائفية الحكومة مفضوحة، وهي حكومة فاسدة". الا ان الصحفي سعد طاهر حسين، الذي يملك شعورا بالاعتداد بالنفس، كما يصفه فسك يقول "بالنسبة لي، افضل الموت هنا مثل شجرة واقفة، ولا اتوارى عن الانظار". يقول فسك "ضحكت من استعارته الملتبسة هذه بينما راح هو يهز يده". واضاف سعد طاهر "هذا هو الفرق بين جيل الكبار والأجيال الشابة". ويتابع فسك "مررنا بالكثير من نقاط التفتيش وشعرت بدوار. مر الوقت ووجدت نفسي في اربيل، فقد كنت أحصيت 13 نوعا مختلفا من الازياء. فاللون الاسود حول بغداد يعود لحزب الدعوة الذي ينتمي اليه المالكي. وقيل لي في بلدة الهوايا ان جميع افراد الشرطة هم مليشيات". ويقول فسك "لكن هذا امر حسن، دعوهم يمتثلون للقانون. مرتبات الشرطة الشهرية تعادل 300 جنيه استرليني، وافراد الجيش يقبضون ما يعادل 500 جنيه استرليني. وهذا الرقم في العراق يستحق ان يخاطر المرء من اجله بحياته". وسأل فسك الدكتورة لبنى ناجي "لكن ماذا عن الايام السود؟ ما الذي حدث للعراق في تلك الايام السود من الحرب الطائفية والخطف وقتل الاطفال؟"، فاجابت الدكتورة وجلة "كنت في ذلك الحين طالبة في المرحلة الرابعة بكلية الطب بمعهد الطب العدلي مقابل مستودع الجثث ولا تصدق ماذا كنا نرى. اتذكر مرة رايت جثة كاملة مقطوعة الراس لكن احدا خاط راس كلب عليها. هل تتصور من يستطيع ان يفعل شيئا كهذا؟ لم يكن الراس مخاطا بنحو جيد. رجل تحول الى كلب. انه شيء كان يمكن ان يفعله الصفويون او المغول". وتعرب الدتورة لبنى عن اعتقادها "اننا نحتاج الى دراسة نفسية على العراق في 2005 حتى 2007". ويقول فسك ان "حكومة بغداد تزعم ان الاكراد يبيعون النفط بطريقة غير شرعية الى الايرانيين، ما يحرم الحكومة من مليارات الدولارات، وكأن السيادة ليست مشكلة". ويتابع ان "نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني ـ وهو من ضحايا تعذيب صدام ـ وكيف ننسى بسرعة عذابات ذلك الماضي، على الرغم من ان العراقيين لا ينسون ـ يقول ان المبالغ من الضخامة حدّ انها تسبب عجزا في الميزانية". ويشير فسك الى "مسؤول افغاني كبير كان قد اقر في تشرين الاول الماضي بان بلده تشتري النفط الكردي،" ويعلق ان "الطريق الذي تقطعه شاحنة نفط ليس بالقصير" ومع ذلك، كما يقول فسك، "ليس لدى الحكومة الا شرك واحد تحيط به الاكراد. فهي تدفع مرتبات البيشمركة، قوات امن كردستان". وقال فسك ان كرديا عراقيا في اربيل قال له ان "اذا توقفت المرتبات، سيكف البيشمركة عن الامتثال لقادتنا." واضاف الرجل "لدينا مشاكلنا هنا ـ بشان حرية الكلام والتظاهر ـ وعلينا حل هذه الامور قبل ان نبدأ الحديث عن تشكيل دولة مستقلة بنا. وعلى اية حال، تركيا الان شريكنا التجاري الاساسي. فما الذي سيقولونه في حال طالبنا باستقلال كردستان؟". ويختتم فسك مشاهداته بالقول "ليتخيل المرء هذا الحال!". |