حوار مع ماريو بارغاس يوسا

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
11/12/2011 06:00 AM
GMT



لم تغير نوبل للآداب أي شيء في حياة ماريو بارغاس يوسا، إذ ما زال الكاتب البيروفي، يجلس إلى طاولته كل يوم ليعمل. وآخر اصداراته «حلم السلتي» ليتابع فيها رحلته مع الكلمات ومع البحث عن تفنيد آليات الاستعمار والدفاع عن الحضارات «البدائية»
مجلة لوبوان، أجرت مع الكاتب، حوارا مطولا، هنا ترجمة لبرز ما جاء فيه

* في الخطاب الذي ألقيته خلال تسلمك جائزة نوبل، والذي نشرته بعنوان «مديح القراءة والمتخيل»، تروي كيف أن القراءة، ومنذ أن كنت في الخامسة من عمرك، قد حولت، بالنسبة إايك «الحلم إلى حياة والحياة إلى حلم». هل نصبح كتابا ونحن نقرأ؟ 
 - نعم، لأن القراءة توقظ الشهية للمتخيل، لعالم خيالي.

* هل ثمة لحظة «محررة»؟

- أفضل ذكرياتي في بوليفيا هي ذكريات القراءة وليس رفاقي في الصف. كان أبطالي يدعون دارتانيان، وبورتوس وأراميس والقبطان نيمو، والأحدب أو أيضا كوازيمودو. أخبرتني والدتي إني بدأت أكتب، حين كنت صغيرا جدا، كنت أكتب تكملة للقصص التي كنت أقرأها. حين لم أكن أحب خاتمة الكتاب كنت أعيد صوغها على طريقتي.

* ومن ثم جاء كل أساتذتك، بدءا من فلوبير، الذي علمك العمل والانتظام...

- كان اكتشاف فلوبير بالنسبة إليّ أمرا أساسيا. حين أتيت إلى باريس، خلال صيف 1959، اشتريت «مدام بوفاري» من مكتبة «فرح القراءة»، وهي مكتبة فرانسوا ماسبيرو، في شارع «سان سيفيرين، وخلال قراءتي لهذا الكتاب قررت أن أصبح كاتبا..

* لماذا؟

- ما أحببته فيه، الأسلوب الواقعي، لكن أيضا الأسلوب المعتنى به في الوقت عينه، حيث لا تجد شيئا عديم النفع، وحيث كل شيء يلتصق بالقصة. أمضى خمس سنوات وهو يكتب «مدام بوفاري». بعد ذلك قرأت أعمال فلوبير كلها. إنه حالة فريدة. كان في بدايته، كاتبا عديم الموهبة. كان ينقل، يقلد، ثمة رغو كلامي وبدون شخصية. لقد أبدع نفسه عبر الانتظام والعمل والتحفظ والتقشف والالتزام المتعصب وفي النهاية أصبح عبقريا. كان الأمر مشجعا كثيرا لشخص مثلي، كان يفكر بأنه غير عبقري. لذلك قلت: ها هو المثال أمامك.

* لكن المفارقة تكمن في أن «مدام بوفاري» هي قصة امرأة يقتلها الأدب؟

- أبدا. إنها قصة امرأة، يحيلها الأدب متمردة، امرأة غير راضية من الحياة والحب والشغف فتثور على التفاهة. ثمة استعارة مدهشة في شخصيتها: كانت ترغب في أن تصبح الحياة مثل الكتب التي قرأتها وقد أوجدت مساحة طلاق بينها وبين العالم المحيط بها.

* بالنسبة إليك، التخييل هو أكثر من عملية لهو: إنه حاجة لا غنى عنها. هل أن ذلك ضرورة مع ألكسندر دوماس على سبيل المثال؟

- بالطبع لأن هناك عند دوماس شيء أكثر من التسلية: الحب، المغامرة، الحياة. وفي الوقت عينه أعتقد أنه يمكن للأدب الكبير أن يكون مسليا. بالنسبة إليّ، رواية «الممسوسون» لدوستويفسكي هي كتاب مسل جدا.

* هل تعتبر أن الرواية هي نوع متفوق؟

- أجل، لأنها نوع مفترس: يمكنك أن تضع فيها كل شيء: الفلسفة والشعر والأقاصيص...

* قلت ذات يوم: طلا يختار الكاتب موضوعاته، بل هي الموضوعات التي تختاره». كيف تم اختيارك من قبل شخصية روجيه كازومان، المولود العام 1864 والذي مات شنقا العام 1916، والذي يشكل بطل روايتك الجديدة «حلم السلتي»؟

- إنها قصة حقيقية، قصة شاب مسحور بالمكتشفين الانكليز الكبار، رحل إلى إفريقيا، وهو على اقتناع بأن الاستعمار هو أداة التمدن والتحضر. في الكونغو، اكتشف بأن الاستعمار البلجيكي متوحش وأن الأمر ليس سوى نظام للقسوة لا يستطيع أحد أن يتخيله في أوروبا. حيث كانت كل شركة هناك عبارة عن مملكة اقطاعية، وحيث الأوروبيون الذين وصلوا إلى إفريقيا، المتمدنون بشكل كبير، أصبحوا هناك متوحشين.

* كيف اكتشفت شخصية روجيه كازومان، المجهول من قبل الجمهور الكبير؟

- عبر قراءتي لسيرة حول جوزيف كونراد. اكتشفت بأن كازومان هو من جعل كونراد ينتبه حين ذهب هذا الأخير إلى الكونغو.

* هل تريد القول إننا ندين لكازومان بكتابة كونراد لرواية «في قلب الظلمات»؟

- تماما. إن النظام الذي أوجده ليوبولد الثاني نشر الجشع عبر استغلاله، بأقصى طريقة، لغنى تلك البلاد، ابتداء من الكاوتشوك. بعد أن أصبح دبلوماسيا بريطانيا، أي مستعمرا رسميا، قام كازومان بعمل بطولي وسري عبر تقصيه، بدقة غير متناهية، لجميع الانتهاكات التي ارتكبت، والتي نقل أخبارها لتلك المجموعات الصغيرة التي كانت تناضل في انكلترا وبلجيكا ضد الاستعمار. لقد أتم عمله هذا بأقصى سرية ليتجاوز نفسه وليتخلى عن كل ما كان يؤمن به. في الواقع كان ايرلنديا مرتبطا ببريطانيا، وفي إفريقيا، وبعد عودة آسرة إلى بلاده، اعتنق الانفصالية الايرلندية. اضف إلى ذلك كان مثليا. ففي عصر كانت فيه الأخلاق الفيكتورية قوية جدا، كان عليه أن يخفي ذلك. انتهى به الأمر بأن أصبح وجها شهيرا، عدوا للعنف الاستعماري والمدافع الأكبر عن الشعوب البدائية. ذهبت إلى الكونغو التي ناضل من أجلها خلال عشرين سنة. تقريبا نسيه الجميع، في حين لم يدع نفسه تصاب بهذه العدوى، عودة اللامبالاة التي كانت موجودة عند كل الاستعماريين. أمر محزن.

* تحدثت عن حياة الدكتاتور تروخيو في رواية «عرس التيس»، وعن حياة فلورا تريستان في كتاب «الجنة أبعد قليلا». ما الذي دفعك إلى الإبحار في رواية مع كازومان؟

- السبب حين اكتشفت بأنه ذهب أيضا إلى البيرو، وبان ما قام به في الكونغو، قام به أيضا في «الأمازون». ولأنه كان يتمتع بشجاعة نادرة في عصره على الرغم من أنه كان رجلا ضعيفا، في الوقت عينه، مليئا بالتناقضات. تناقضات شلت حركته. ومع ذلك، وحتى النهاية، كان يتمتع بشجاعة قصوى في مواجهة مجتمعه، لكن في مواجهة نفسه بشكل خاص. ربما كان أصيب بالجنون، انتحر، إلا أنه لم يفعل، بل صمد. هذا النوع من المتمردين، هذه الطريقة في الإبحار عكس التيار، أبجلها كثيرا.

* لكن هناك العديد من الشخصيات الثائرة، من التي تقول لا، لماذا اخترت هذا الشخص بالذات؟

- لأه دافع عن أشياء مهمة جدا بالنسبة إليّ. إنه واحد من أوائل الأوروبيين الذين دافعوا عن الحضارات البدائية بوصفها ثقافات لها الحق في الوجود، حتى وإن كانت مختلفة. في عصر كازومان، كان من الطبيعي الاعتقاد بأن شخصا افريقيا أو هندا من الأمازون كان شخصا بربريا، نصف انسان تقريبا. لقد عاش مع أولئك الناس، نام معهم. حتى وان عظم الأمور على هذا الصعيد.

* ما تقصد بهذا القول؟

- كل الشهادات تقول إن كازومان كان الرجل الأكثر تهذيبا في العالم. كان يتضايق حين يلفظون أمامه كلمات نابية. هناك ديبلوماسي عمل معه في الكونغو، وأصبح فيما بعد أحد أهم سفراء الامبراطورية البريطانية، تحدث عن رهافة كلامه، عن طريقة تصرفه في المجتمع ليعلن أنه من المستحيل أن يكون هو الذي كتب هذه الترهات التي نقرأها في يومياته الحميمة، حيث نجد فيها صفحات من السوقية غير المعقولة. ربما ليس هو الشخص نفسه. تبدو هذه اليوميات «مفبركة» من قبل التاج البريطاني لكي يفقد حظوته.

* «الكتابة تجعل من الموت عرضا عابرا»، هذا ما تكتبه في خطاب نوبل...

- بالطبع، لأن الموت في الأدب ليس مخيفا البتة. إذ انه يبقى عرضا دائما. ندافع عن أنفسنا تجاهه لأننا خارجه. لنأخذ كتاب «موت إيفان إيليتش» لتولستوي، إنه مئة مقطع عن الموت ومع ذلك نشعر بالسعادة لأنها مروية بطريقة مدهشة. أن نروي الموت، هو أيضا طريقة لنحذر أنفسنا من الخوف الذي يوحي به.

* هل غيرت جائزة نوبل أي شيء في علاقتك بالكتابة...

- أبدا، الكتابة نشاط وحداني، حميمي، وما من جائزة يمكن أن تغير ذلك...
ترجمة: اسكندر حبش