مختارات من قصائد ترانسترومر

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
08/10/2011 06:00 AM
GMT



       يحدثُ في منتصف الحياة أن يأخذ الموت مقاساتنا لكن الثوب يُخاط بلا علم منّا

كان يستحق الشعر أن يفوز بالجائزة اخيراً بعد غياب، وكانت تستحق نوبل الآداب أن تفوز هذه السنة بتوماس ترانسترومر، وهو المرشح القديم الجديد لها، ذاك الذي اعترف جوزف برودسكي نفسه بأنه "سرق" منه أكثر من استعارة. رؤيوي جريء، يُظهر العالم في ضوء جديد ومفاجىء ومختلف، يحتجزه بين اسلاك حقل كهربائي، حقل اللغة، لغته. قصائده تلعب في المساحة الزرقاء بين اليقظة والمنام. توتره فيّاض لكنه يسيطر عليه جيدا، وله حدّة عين النسر، الذي يرصد اشارات يعجز الانسان العادي عن التقاطها. توماس ترانسترومر، هو، يقبض عليها ويصنعها شعرا من أجلنا.
ترانسترومر يعيش في بيت هادىء مع زوجته مونيكا، ولا أظن أن الجائزة ستغيّر الكثير في نمط حياته. يحلو لي أن أفكّر أنّه بيتٌ في ليلٍ فوق غابةٍ داخل بلادٍ على كوكبٍ ليس كوكبنا، لكنه يشبه كوكبنا حدّ الالتباس. يحلو لي أن افكّر أن الشاعر هناك، فوق، أو في الأسفل، لا فرق، "يحلب الكون سرّا" ويشرب لبنه لكي يظل - ونظلّ - على قيد الحياة. 

الحجارة

الحجارة التي رميناها، أسمعها
تقع، بلوريةً، عبر السنوات. أفعال
اللحظة المشوّشة تحلّق
في الوادي، تعوي من رأس شجرة
الى أخرى، تهدأ
في هواء أكثر ندرةً من هواء الحاضر، تنزلق
مثل سنونوات من قمّة جبل
الى ثانية، حتى
تدرك آخر الهضاب العالية
عند حدود الوجود: هناك حيث
أفعالنا لا تقع
بلوريةً
في أعماق أخرى
سوى أعماقنا.

الشجرة والسماء

ثمة شجرةٌ تمشي تحت المطر،
تمرّ بمحاذاتنا في الاكفهرار السائل.
لديها مهمّة: هي تسلب المطر حياته
مثلما يسلب شحرورٌ بستاناً.
عندما يتوقف المطر، تتوقف الشجرة.
تلمع، وديعةً ومستقيمة في الليل البرّاق
منتظرةً، على غرارنا، اللحظة
التي ستتفتّح فيها نديفات الثلج في العالم.

مساءٌ من كانون الأول 1972

ها أنذا، الرجل الخفيّ، المستخدَم ربما
من جانب الذاكرة العظمى لكي اعيش في هذه اللحظة.
أحاذي الكنيسة البيضاء المقفلة- حيث يبتسم قدّيس خشبي
واقفا، حائرا، كما لو ان أحدهم نزع نظارتيه عن عينيه.
وحيدٌ هو. وكل ما تبقى هنا، هنا، هنا: الجاذبية التي تدفعنا
الى العمل نهارا والى السرير ليلا. الحرب.

مرثية

أفتح الباب الأول.
إنها غرفة واسعة مغمورة بالشمس. 
سيارة ثقيلة تعبر الشارع
فيرتجف الخزف.

أفتح الباب رقم اثنين.
أيها الاصدقاء! لقد شربتم ظلالا
لكي تصبحوا مرئيين.

الباب الثالث: غرفة فندق ضيّقة
تطلّ على زقاق.
مصباحٌ يلمع فوق الاسفلت.
حمم التجربة الجميلة.

جبالٌ سوداء

عند المنعطف التالي، انفصل الباص عن ظل الجبل البارد،
أدار خطمه نحو الشمس وزحف صوب الممرّ صائحا.
كنا نتدافع فيه، وتمثال الديكتاتور معنا،
ملفوفا بورق الجرائد، والقنينة تمرّ من فم الى آخر.
الموت، شامة الولادة هذه، كانت تكبر بسرعات متفاوتة
في كلّ منا.
وهناك، فوق، عند الجبال، أدركت زرقة البحر السماء.

في آذار 1979
متعباً من جميع الذين يجيئون بالكلمات،
كلماتٌ كثيرة وما من لغة،
ذهبتُ الى الجزيرة المكسوّة بالثلج.
ما لا يروَّض ليس عنده كلمات.
صفحاته البيضاء تتمدد في كل الاتجاهات!
أقع على آثار قوائم أيّل في الثلج:
أخيرا!
ما من كلمات، بل لغة.

الذكريات تراقبني

في أحد صباحات حزيران، عندما يكون الوقت مبكرا
لكي استيقظ ومتأخرا لكي اعاود النوم،

أخرج الى الاخضرار المشبع
بالذكريات، فتلاحقني نظراتها.

تظل خفيّة، تذوب
في الكلّ، حرباء كاملة.

قريبة هي حدّ اني اسمع انفاسها،
رغم ان نشيد العصافير مصمّ.

بطاقات بريدية سوداوية
1
جدول الاعمال مترع، والمستقبل غير أكيد.
السلك يدندن لازمة مشرّدة.
ثلوجٌ تتساقط في المحيط الرصاصي.
ظلالٌ تتعارك على الرصيف.

2
يحدث في منتصف الحياة أن يأتي الموت
ليأخذ مقاساتنا. هذه الزيارة تُنسى
وتستمر الحياة. لكن الثوب
يُُخاط بلا علمٍ منّا.


شطوب النار

خلال هذه الأشهر المعتمة، لم تلمع حياتي إلا عندما كنتُ امارس الحبّ معكِ
على غرار القطرب الذي يضيء وينطفىء، يضيء وينطفىء- يمكننا أحيانا أن نقتفي طريقه
في الليل بين أشجار الزيتون.

خلال هذه الأشهر المعتمة، ظلّت حياتي متهالكة وجامدة
فيما كان جسدي يذهب مباشرة اليكِ.
في الليل كانت السماء تعوي
وكنّا سرّا نحلب الكون، لكي نظل على قيد الحياة.


نيسان وصمت

الربيع خالٍ.
حفرة مخملية معتمة
تزحف قربي
من دون ان تحدّق فيّ.

جلّ ما يلمع
هو هذي الازهار الصفراء.

ظلي يحملني
مثل كمانٍ
في علبته السوداء.

كلّ ما أريد قوله
يلمع خارج المنال
مثل الفضيّة
لدى المرابي.

تواقيع

يجب أن اجتاز
العتبة المظلمة.
قاعةٌ.
الوثيقة تشعّ، بيضاء.
ظلال كثيرة تتنقّل فوقها.
الجميع يريد توقيعها.
الى أن يدركني النور
ويطوي الزمن.
 
الترجمة والتقديم: جمانة حداد