(أنطولوجيا الشعر الهولندي المعاصر) - تيارات عديدة وقصيدة واحدة

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
18/09/2011 06:00 AM
GMT



صفوان حيدر

لعل صعوبة اللغة الهولندية ومحدودية انتشارها واقتصار اسم هولندا على أزهار التوليب، الأبقار، لاعبي كرة القدم، المخدرات والحرية الجنسية، والدراجات الهوائية، جعلت الاهتمام بالأدب الهولندي عموماً وبالشعر خصوصاً، ضئيلا، فلم يترجم إلا القليل من الشعر الهولندي المعاصر الذي يندرج ضمن أربع مراحل هي: الشعراء الخمسينيون/ التجريبيون، والواقعية الجديدة، والتجريبيون الجدد، وشعراء ما بعد الحداثة. وهذه المراحل تغطيها «انطولوجيا الشعر الهولندي المعاصر» الكتاب الصادر عن دار الفارابي، مؤخراً والذي قام بترجمة نصوصه الشعرية صلاح حسن. لكن هذه التغطية الأنطولوجية لم تنجح في تجنب الوقوع في عيوب عدة منها: النمطية الأحادية في لغة الترجمة التي لم تنقل لنا التباينات والاختلافات اللغوية بين المدارس والاتجاهات الشعرية الهولندية، والانتقائية في اختيار الشعراء حسب قربهم او علاقتهم بمجموعة من الشعراء العرب المقيمين في هولندا. لقد جاءت الترجمات الشعرية، في معظمها، كأنها قصيدة واحدة لشاعر واحد، سواء على مستوى اللغة أم على مستوى البناء والتركيب المعماري لبنى القصائد.

نوافذ جديدة

رغم ذلك، تفتح هذه الانطولوجيا النوافذ على شعراء هولندا بعد الحرب العالمية الثانية وحتى أيامنا الراهنة. وتعرفنا الى شعراء عرب يقيمون في هولندا ويكتبون بالهولندية. والواقع ان الشعر الهولندي المعاصر يتأرجح بين قطبين، الأول ينطلق من التجربة الذاتية حيث تعتبر Anna Enquit ممثلته الأولى خصوصاً في ديوانها «أغاني الجنود» (1991). والثاني يرى في القصيدة استقلالية تامة وهذا ما نشاهده لدى هـ. هافيريري وكاوينار الأب الروحي لهذا الفهم وعابر الأجيال والأساليب.
ومن خلال القراءة لهذه الانطولوجيا نرى ان الشعر الهولندي قد وصل إلى مرحلة فادحة من التشظي والتجريب بين عدة تيارات: التيار التأملي ويمثله: برنلف، جيرلاخ، اوتن، وكوبلاند. والتيار المجتمعي ويمثله هـ. هـ. تير بالكت. والتيار التقليدي: كويبر وكومريج. والتيار الذاتي: إيكل بوم وليفلانغ. والتيار الواقعي الحميمي: ر. آنكر. وأخيراً التيار النقدي الذي يمثله بيتر فيرهلست، روجي فيغ، المافاهارن، ون.م. فيجنبرغ. ولقد وحّد بين هذه التيارات الاعتبار النقدي الذي يرى ضرورة ان تستجيب القصيدة لصور لم تخطر على بال أحد، وان تعبر عن المشاعر الإنسانية من غير إسفاف، وان تكون اللغة الشعرية قادرة على نقل شحنة المشاعر في قصيدة مفتوحة على التأويلات المختلفة. وهذا ما نجده متوفراً في بعض القصائد وما نراه غائباً عن بعض القصائد الاخرى. والجديد في هذه الأنطولوجيا أنها تعرفنا الى أسماء شعراء عرب مقيمين في هولندا ويكتبون لغتها. فهناك مصطفى ستيتي الشاعر الهولندي من أصل مغربي والشاعران العراقيان علي البزاز وروضان الخالدي والشاعر الكردي العراقي إبراهيم سلمان وأخيراً رمزي نصر من أصل فلسطيني. وها هو روضان الخالدي يصف لنا هولندا مصغرة في قصيدة واحدة. ربما كانت من القصائد القليلة الناجحة في ترجمتها وفي تميزها:
/أول ما يتعلمه الهولندي/ هو المشي/ فركوب الدراجة/ ثم اضاعتها/ في هولندا/ دراجتي/ ليست لي/ وزوجتي/ ليست زوجتي/ أحياناً يجيء الحب/ بدون إمرأة/ أما في هولندا/ فالمرأة لن تأتي/ بدون دراجة/ الدراجات في هولندا/ كالنساء/ لا تنتظر/ المرأة على ظهرك/ تصعد الجبال بها/ أما عند الهبوط/ فعليك بالدراجة!/.