ربيع السلطة المنجز مزروع بجثث المغدورين .. وخريف شرقي المتوسط!

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
11/09/2011 06:00 AM
GMT



لمرتين اثنين على الاقل وردت كلمة ربيع على لسان السيد رئيس الوزراء ، مرة فيها خشية من تحول الربيع العربي الى خريف ، وأن هذا الربيع خدم اسرائيل . ومرة أشار فيها الى أن العراق انجز ربيعه. ومع اختلاف المضمونين ، في المرة الاولى سلبي وفي الثاني ايجابي ، فإن سياسي جدالي مثل رئيس الوزراء يدرك أنه لم يختر هذه الكلمة بل وجدها مشبعة باستخدامات الآخرين لها، وهو المنتفع منها ، المستأجر الجديد لها ، له الحق في أن يخترقها ويوظفها لمعنى آخر.. كرسالة بمضمون جديد .
إنه لا يشعر بالحرج ازاء الكلمات- الرسائل ،  الكلمات - الوظائف، فالمنتفع الجديد ليس مخترعا بل متمما للعبة اللغة التي هي اقدم منه ومنا. إنه مثلا في المعنى السلبي للربيع لم يشعر بالحرج من أن يكون في موقع الدفاع عن أنظمة القذافي ومبارك وعلي زين العابدين. حتى من دون أن يقدم توضيحا، فإن من سمعه لم يشعر أنه يدافع عن هذا الثلاثي ، لكن الجميع بالمقابل أدرك أن السيد رئيس الوزراء معني بما يحدث في سورية ، وأنه هو من هاجمها وطعنها واتهمها بايواء الارهابيين يمد لها يد العون الآن . إن ربيعا ينقلب خريفا ليس عملا من أعمال السحر بل هو وعي بأهمية التوزيعة الجيبولوتيكية الجديدة الواقعة شرقي المتوسط. في السياسة تمارس التوقيتات أهمية كبيرة في منح الكلمات الدلالة أو اعادة شحنها بها ، وما استنتجه الناس صحيح، فالمالكي يقصد أن ما يحدث في سوريا ليس ربيعا. لكن ضمن نفس السياق لم يستنتج أحد أن السيد رئيس الوزراء غير معني بالبحرين ، فأحداث البحرين جزءا من الربيع العربي- هذا ما فهمه الديمقراطيون العرب وليس الطائفيين الذين انسحبوا الى طوائفهم وتخلوا عن فكرة العدالة السياسية الشاملة. لكن في تلك اللحظة التي تحدث فيها السيد المالكي كانت البحرين هادئة بفضل الدبابات السعودية.
من السهولة  اكتشاف النيات من استخدام جديد لكلمات مشبعة بمعنى محدد ، والمكتشفون لن يكونوا هذه المرة متخصصين باللغة بل جميع الناس المنتفعين منها. يتضمن الاستخدام اللغوي وظائف الاستعارة والاختزال والتأويل وهي عناصر لا يمكن الخلاص منها كما يبدو، وهي تتجدد دائما، وفي الدول العربية هي (سولة). بيد أن الزمن سيمارس دور(هازم اللذات)، فالمُشبع يُستهلك ، وقبضات البلاغة لا تظل قوية بل تتراخى. إن وجه المالكي الذي لا ينفعل بالكلمات التي يستخدمها يساعد على امرار الكلمات المشبعة وغير المشبعة ضمن سياق سياسي يبحث عن مخرج فيما هو ينتفع منها بانتباه مرة وعدم انتباه مرتين ، وهو معدل مقبول على اية حال.
في المعنى الايجابي لكلمة (ربيع) ، صادر المالكي دلالات الربيع اللغوية وجيّرها الى النظام السياسي.. وكان في حالة نقاش شبه علني مع المتظاهرين.. هكذا: أنتم لستم بحاجة الى التظاهر لانتزاع حقوقكم ،فهي مصانة، وما دمتم احرار بالتظاهرات التي سنحرسها.. فلماذا تتظاهرون؟ هذا هو منطق سلطة تؤمن بالسياقات والآليات لا بالمضامين الحقيقية. إنها تعتقد أنها انجزت الديمقراطية ما دامت جاءت عن طريق الانتخابات وهكذا لا توجد مشكلة .. والعراق بخير.
كانت المصادفات (الموضوعية جدا) وليس سوء الاستخدام اللغوي يقف بالمرصاد هذه المرة. فقول المالكي إن العراق انجز ربيعه جاء بين اغتيالين، الاول لطبيب الاعصاب يلدرم عباس الداقوقي (كركوك) ، والثاني لمثقف وناشط سياسي - هادي مهدي (بغداد). الاغتيال الاول ألقى ضوءا على مدينة منقسمة ، والثاني ألقى ضوءا على أجهزة الحكومة السرية. الاغتيالان كشفا في ساعات نحس عراق تماثلت فيه الفصول وطُحنت بوجود سلطة لا تكتشف القتلة بل تضيّعهم ، لأنها (تبربع) بربيعها، مشغولة عن الوطن بتقاسم المغانم وعقد الصفقات المشبوهة وتبادل التفاهة وانعدام الاخلاق.
إذن هذا هو ربيع السلطة المنجز المزروع بجثث الابرياء!