المقاله تحت باب منتخبات في
07/07/2011 06:00 AM GMT
مخلّفات الأزمة الإقتصادية الطاحنة لا أثر لها في كارلوفي فاري ومهرجانها الشهير الذي يقدم هذه السنة دورته السادسة والأربعين: الامكانات لم تقلص ولا يزال الضيوف يتوافدون بأعداد كبيرة من بلدان الجوار والعالم، والأفلام كلها هنا في انتظار عيون المشاهدين. كل شيء على ما يرام ما دام الرعاة الذين يساندون هذا الحدث، طبعة بعد ثانية، لا يتخلفون في واجباتهم والدولة التشيكية لا تمانع في الوقوف الى جانب الادارة ايماناً منها بدور مهرجان مثل هذا. وبعد مرحلة جرى فيها الحديث عن نقله الى العاصمة براغ، من الواضح أن المهرجان وجد توازنه وصار الاعتماد عليه كبيراً في بث ثقافة المشاهدة. لا يقتصر الدعم المعنوي للسلطة التشيكية على الاجتماعيات البليدة وارسال المندوبين. فالرئيس فاتسلاف كلاوس حضر بنفسه حفل الافتتاح. عندما نقول "حضر" نعني انه لم يغادر بعدما تسلمت جودي دانتش الجائزة الفخرية كما كان مقرراً، انما جلس وزوجته مع الجمهور يشاهدان فيلم الافتتاح "جاين اير". كما جرت العادة، استجاب الجمهور لدعوة مئات الأفلام المعروضة. صالة "فيلكي" الكبيرة ممتلئة دائماً. وفي بعض العروض افترش المشاهدون أرضاً. يجذب كارلوفي فاري في كل عام نحو 150 ألف مشاهد. أي 40 في المئة مما يجذبه مهرجان مثل برلين أو روتردام. عدد سكان هاتين المدينتين أكبر من عدد سكان كارلوفي فاري بمئات المرات. ليست النجومية والبهرجة من أولويات المهرجان، لكن لا تمانع الادارة في تطعيم الحدث بأسماء براقة تساهم في جعل الموعد الأول للسينيفيلية في أوروبا الوسطى مناسبة لاحتفالية توقظ المدينة النائمة من أحلامها المتواضعة. طوال أيام المهرجان، يبدو المكان كأنه في عرس متواصل. الرواد ومعظمهم في عشريناتهم يتجمعون في بضع حانات ليلية يستمر فيها السهر حتى الصباحات المبكرة. المتفرجون من بعيد، الذين لا يرتادون الصالات ولا يهمهم ما يحصل على الشاشات البيضاء، يتجمهرون مساء، لمشاهدة بعض نجوم السينما الأميركية أو التشيكية او الأوروبية، وهم يسيرون على السجادة الحمراء ويلقون التحية. حفل الافتتاح باذخ الامكانات دائماً: وصلات راقصة واستعراض وانترتنمنت، على رغم الطابع الرصين لحدثٍ، هاجسه الأول سينما المؤلف. اذاً، كانت البداية مع "جان اير"، أفلمة جديدة لرواية شارلوت برونتي تحمل توقيع الأميركي كاري فوكاناغا. هذه ليست المرة الاولى تنكبّ السينما على الكتاب الشهير، بل هناك عشرات النسخ تتفاوت قيمتها بين واحدة وأخرى، ولا نعرف ماذا يضيف فوكاناغا إلى زملائه الذين سبقوه في نقل نصّ برونتي الى الشاشة. ربما لا شيء، سوى ان ماكينة الانتاج السينمائية عليها أن تواصل دورانها لأسباب لها علاقة بالتجارة والمال. هذه السنة، معظم الأفلام الـ12 المتسابقة لجائزة "كرة الكريستال" لأفضل روائي طويل، هي من أوروبا. دزينة من الأعمال الجديدة ستعاينها لجنة مؤلفة من سبعة أعضاء، هم ايضاً من الأوروبيين، ما عدا الناقدة الاسرائيلية المعروفة ايدنا فاينارو. الرئيس؟ ايتسفان تسابو، المخرج المجري الذي يحمل خلفه تاريخاً مجيداً لكنه بات مقلاً في المرحلة الأخيرة من مساره. لا نعرف كيف سيتلقى هذه الافلام التي فيها الكثير من التجارب الاولى والشابة. صنع الرجل بعض الأمجاد من خلال سينما نجد جذورها في تقلبات أوروبا الشرقية الملهمة، وخياراته ستنم ربما من هذا المنطلق. كارلوفي فاري منصة لأفلام أوروبا الشرقية التي تتيح لك ان تراها كجدارية كاملة متكاملة، مع نقاط ضعفها وهواجسها، ولكن أيضاً بأسماء جديدة واعدة. لذا، على المرء ان يكون مهيأ للاكتشاف وجاهزاً لنسيان كيف تُصنع السينما في بلدان تملك صناعة سينمائية. برغم من أن هناك فيلمين فقط في المسابقة الرسمية من تلك الأوروبا، واحداً من البلد المستضيف وآخر من بولونيا، فثمة قسم كامل لهذه المنطقة، تحت اسم "شرق الغرب"، حيث تتنافس أفلام من قازاقستان وجورجيا ومقدونيا، ويبلغ عددها في هذه الدورة 12 فيلماً، فيها الطالح والصالح. لكن المشكلة الكبرى في كارلوفي فاري تبقى الكيفية التي يتم فيها اختيار الأفلام، وهو انتقاء يخضع لإشكالية تاريخية دخلت ربما في لاوعي المهرجان. وإذا كانت الادارات المتعاقبة منذ سقوط الستار الحديد تجاوزت المعايير المزدوجة، فبعض الهواجس تعود الى الواجهة بين حين وآخر، محاولة افساد صدقية خيارات المنظمين، الذين، ليس هناك ادنى شكّ في انهم ضحايا منظومة مهرجانية حيث الكبير يأكل الصغير. من برنامج متنوع تتفرع منه اقسام كثيرة، يحار المرء ماذا يشاهد ووفق أي معطى يخطط ليومياته داخل الصالات المظلمة. وبرغم أن المسابقة هي المكان الذي من المفترض أن يحمل التجارب المثيرة، فمن الأكيد ان من "يضل" طريقه الى هوامش المهرجان، قد لا يتعرض للخذلان. اكتشاف سينمات جديدة، تلك التي تبقى أسيرة العتمة وقلة الاطلاع والفضول، شيء لا يعطيك اياه المهرجان بل تأخذه بالقوة. من بين اكتشافاتنا هذه السنة، في قسم "نظرة اخرى"، الفيلم الأول لرومان غافراس، ابن المخرج الفرنكو يوناني المعروف كوستا غافراس. في بدايته هذه، لا يختار غافراس السهولة: "يومنا آت" رحلة بسيكولوجية يقوم بها شخصان الى اقاصي العنف والمجون والحياة التي تنطوي على مقاربة نيهيلية. شابان أقل ما يمكن القول عنهما انهما غاضبان ويحملان في نفسيهما ضغينة ضد مجتمع كامل. وهذا كله لأنهما أصهبان. انها سينما تذكّر بالأفلام الاستفزازية التي نشأت في نهاية الستينات وبلورت نظرة فارغة من أي محتوى ايديولوجي، سوى المقاربة العدمية للحياة وما حولها واعتبارها همّاً لا بد من تجاوزه بالمخدرات والجنس السريع وخوض المغامرات الخطرة. أحد هذه الأفلام هو "الخصيتان" لبرنار بلييه الذي انطلق فيه كلٌّ من جيرار دوبارديو وباتريك دوفير. الإبحار في هذا الميدان ليس جديداً بالنسبة الى غافراس الذي سبق أن أنجز كليباً غنائياً لفرقة "جوستيس"، صوّر فيه مجموعة من شباب الضواحي، من ابناء المهاجرين، يقصدون باريس ويثيرون فيها الرعب والفوضى ويتحشرون بالناس ونلتقط في عيونهم الكره والفراغ. الفيديو، ذو الواقعية المقلقة والمتقنة الصنع، اسمه Stress وقد شاهده على موقع "يو تيوب" أكثر من مليون شخص واستفز كثيرين. لا تختلف باكورة غافراس عن هذا الكليب، مع فرق أساسي انه لا بدّ من أن نتعاطف هنا، ولو قليلاً، مع البطلين لأنهما ضحية التمييز الاجتماعي الصارخ، حتى لو بقي هذا التمييز خارج الاطار. لذا، يتحول الفيلم في ادارة غافراس وانتاج فنسان كاسيل (انتاجاً وتمثيلاً، ولا ننسى انه ممثل فيلم "الكراهية" لماتيو كاسوفيتس)، الى نقد اجتماعي وتعليق سياسي لاذع يقفز خلالهما المخرج من التمييز الذي يتعرض له الأصهب، الى كل اشكال التمييز، في اطار استعارة لا تحمل أي خبث. لا يملك المخرج الشاب، أقله الى الآن، لا عظمة ليو كاراكس ولا جنون بلييه، لكنه على شجاعة تخوله الذهاب الى الآخر الى أن تصبح الفكرة عبارة عن قطعة قماش مهترئة في يده، فيمزقها ويرميها في وجه المشاهد. ليس في الفيلم مجانية العيش ولا التمرد اللذان يكمنان في بعض أفلام هذا الصنف، لكن راديكاليته تأخذه الى طرح خطاب فوقي أخاذ من وجهة نظر شخصين تجمعهما الضغينة ذاتها، المتكونة من جراء نظرة الناس اليهما. على مدار 90 دقيقة، يتشارك هذان اللذان يلتقيان بالمصادفة، نفقاً محفوفاً بعدائية مرضية، لن يلاقيهما الخلاص في نهايته، كما هي الحال في افلام أقل سوداوية وشؤماً من هذا. صوِّر العمل في العمق الفرنسي: أراض خالية من أي جمالية تولّد فيها كاميرا غافراس فتنة وخللاً، الى مساحات متروكة لمصيرها وشخوص مهملة. لا يوفر المخرج أياً ممن يلتقيهم على طريقه، من المهاجر العربي القبيح ومصدر الازدراء الى اليهودي المحاط بخطوط حمر، الى المثلي غير المرغوب به وصولاً الى فرنسا بأكملها، التي يجعل منها غافراس سجناً كبيراً على رغم الحرية الموقتة التي يمنحها لبطليه. اذا كانت كلمة "بطل" لا تليق كثيراً بما هو عليه وضع الشخصين اللذين يضعهما غافراس في مواجهة محيطهما، فتعبير "البطل المضاد" هو الأنسب لوصف الشاب مرتكان في فيلم المخرج التركي سيرين يوجيه (1975)، "الأكثرية"، الذي عُرض في قسم "آفاق". هذا الشاب الذي نراه منذ افتتاح الفيلم يمارس رياضة الركض مع والده في الغابة، لن نتأخر في اكتشافه شاباً كآلاف الشباب في المجتمعات الشرقية المحافظة حيث الاعتماد على الأهل. لا طموح لهذا الذي يتسكع مع أصحاب لن نعرف عنهم الكثير، سوى القبول بالمستقبل المرسوم أمامه سلفاً، وهو تسلم شركة والده للبناء. في البيت، لا يزال يعامله والداه على انه صبي لا يفقه شيئاً. لكن هذا كله لا يولد عند الشاب الأخرق وغير المتعلم أي احساس بالتمرد على سلطة الأب الذي لا يتوانى عن صفعه أو شتمه. أما الأمّ فلا تنفع أكثر من أن تكون طباخة المنزل، علماً انها تعاني من "رجل بلا احاسيس" (الوصف لها). هؤلاء من ذوي الطبقة الاجتماعية الوسطى في تركيا اليوم، حيث كل خطاب يلفلف ببعض الاجتهادات الخرقاء في حبّ الوطن. هذا ليس اسقاطاً نقدياً، بل خطاب واضح في نصّ يوجيه. فالعمل بأكلمه يدور على مرتكان واحتمال صراع ما إن يطلّ برأسه الخجول حتى يقمع نفسه بنفسه. اللحظة المفصلية التي يصوّرها المخرج هي لحظة انتقال الشاب من الضحية الى الجلاّد، هي اللحظة التي كان يمكن فيها بطلنا المضاد أن يفلت من سلطة العائلة والوطن (يهدده والده بإرساله الى الجيش ويريد اقناعه مستخدماً شعارات الوطنية)، لكن تربيته وتكوينه لا يؤهلانه لذلك. فهو يختار راحة الالتصاق بالعشّ العائلي على أن يحقق ذاته. كما كان يقول جان رونوار "أسوأ ما في الأمر أن الكل محقّ!". فكل من الأمّ والأبّ والإبن ضحية تربية ذكورية غير محببة تظهر الى العلن ما إن يقع مرتكان في غرام غول، فتاة بسيطة تعمل في مطعم، فنكتشف ان أكثر ما يُشعره بالسعادة هو تمضية لحظات حميمية ملهمة برفقة انثى هي دائماً في دائرة الاقصاء والابعاد (الأمّ، الخادمة، الحبيبة). هذا اللقاء مناسبة لنا لنكتشف شاباً غير قادر على أن يسلم نفسه لأحاسيسه. وهو، على كل حال، لا يملك أي سلطة لتقرير مصيره، اذ ما ان يكتشف والده أنها كردية (الفيلم يعرّفها كـ"غجرية"، نظراً الى حساسية تناول شخصية كردية في افلام تركية)، حتى يطلب من ابنه أن يتخلى عن هذه العلاقة. يقدم "الأكثرية" ربّ العائلة في قالب رجل ظالم لا يُهزم. وحش يفسد ابنه معتقداً انه يبني له مستقبلاً. زوج غير حنون ورجل أعمال لا يتأخر عن غش سائق سيارة أجرة يصدمه ابنه بسيارته. شخصية الأب هذا، لا تتحول في اي لحظة من اللحظات الى كاريكاتور للأب الظالم والمستبدّ، لأن يوجيه يعرف كيف يلعب مع توازناته. كل تركيا في هذا العمل الذي ينتهج اسلوب المعالجة الهادئة ويحمل قدراً معيناً من الجرأة لا سيما في مشهد المضاجعة الذي لا يمكن ايجاد مثله في أفلام تركية كثيرة. على رغم رتابة ايقاعه المشغول بعناية وذوق، يفلح الفيلم في الخروج على نفسه واشاعة جوّ من القلق والانغلاق في الجزء الأخير منه. على خلفية التراكمات (موت، انفصال، خوف...)، يعود الشاب الى المنزل، بعد أن يسلّمه والده احدى الورش في منطقة نائية، اي بعد أن يكون قد انقذ نفسه من أي احتمال للتغيير. "لا للبيع ولا للإيجار"، وهو ثالث أفلام الرسام الفرنسي باسكال راباتيه (عُرض في المسابقة الرسمية الخاصة بالأفلام الروائية الطويلة)، يختلف، نهجاً وفكراً، عن معظم ما شاهدناه في المهرجان. هنا، ايمان حقيقي بالصورة كوسيط وحيد لإخبار قصة ونقل معلومات. التحدي ليس سهلاً ولا سيما أن راباتيه يطمح الى أن يكون جاك تاتي آخر، ولا يخشى التقاط المشاهد في منطقة قريبة من سان مارك حيث جرى تصوير "عطلة السيد أولو" لتاتي. الفيلم طريف جداً بشخصياته الغريبة ومواقف متكررة نخرج منها في كلّ مرة بنتيجة مختلفة. لكن الخفة التي يقتفي راباتيه أثرها، تمنعه من تعميق خطابه والتحليق عالياً في سماء الفنّ السابع، على الرغم من براعته في توليد الضحك من اللاشيء، وانتهاج السخرية من هؤلاء المصطافين الذين يضعهم قبالة عدسته. السيناريو يعمل وفق منطق السرد المتوازي، أي اننا نرافق شخصيات عدة نتركها ثم نعود الى كلٍّ منها. النصّ مشيّد على عاهات كلاسيكية في الكوميديا. في حين يكون ملهماً في اطلاق نكتة معينة، لا يسعفه خياله المحدود في اطلاق نكتة اخرى، لذا يظلّ الفيلم أسيراً للتفاوت الدائم. يبقى أن هناك لمسة سحرية، ضوءا مبهرا، مواقع خلابة تحرسها الشمس والسماء الفاقعة، سينماسكوب "أعرض" من الحياة نفسها، ومشروع مخرج لم يقل كل شيء بعد. هناك فيلمان على قدر من الأهمية عُرضا ايضاً في المسابقة الرسمية: "شروخ في القوقعة" للالماني كريستيان شواشو و"ترميم" للاسرائيلي جوزف مادموني. في الأول، ذي العنوان الذي يختصر ما هي عليه السينما في كارلوفي فاري، نتابع حكاية ممثلة شابة تدعى فينه تقع في شباك تجسيد دور مسرحي يتطلب منها التورط الكامل في المستلزمات النفسية لذلك الدور. على الرغم من أن المحيطين بها لا يؤمنون بموهبتها، تأتيها الثقة من مخرج يعرض عليها الاضطلاع بدور كاميّ بعد أن يجد فيها المواصفات المطلوبة. لكن عالم المسرح لا يرحم والعمل مع المخرج قاس. فما بالك اذا كانت فينه تعاني ايضا من عدم استقرار، وعليها معاونة شقيقتها المريضة؟ النتيحة: دراما بسيكولوجية تحملها شتين فيشر كريستنسن على كتفيها النحيلتين، وتقنعنا بما تقدمه، على أمل أن تقتنص جائزة أفضل ممثلة مساء السبت المقبل. أما شواشو فيعرف كيف يلتقط النبض المسرحي، من خلال النحو الذي يحرك به الكاميرا، والتقنية المونتاجية التي تجعلك تعتقد انك أمام المرحلة الدوغمائية للارس فون ترير. خيبات الأمل، العلاقات المكلومة، تعرّفها إلى شاب ومن ثم الانفصال، هذا كله يصنع منها الممثلة التي تعتلي الخشبة في المشهد الأخير بعد أن تكون قد نجت من الموت. كما كتب نيتشيه ذات يوم: ما لا يقتلك، لا بدّ من أن يجعلك أقوى. أما الفيلم الثاني، فهو "ترميم" الذي يتبع طريقة كلاسيكية جداً في الصناعة، ليقول لنا ما لا نتوقعه عموماً من فيلم اسرائيلي. فالعمل أولاً خال من أي مقاربة سياسة، الا اذا رأينا في بعض جوانبه "لطشات" خاطفة لا يملك الفكر الوقت الكافي لإدراكها. يبدأ كل شيء عندما يموت مالامود بسكتة قلبية وهو على أبواب السبعين. للرجل شريك هو ياكوف فيلدمان (الممثل ساسون غاباي الذي لعب في "زيارة الجوقة") يقع تدريجاً في فخّ مساءلة الذات واعادة النظر في جدوى الوجود وسط قول الجميع له إنه لا يصلح لشيء في غياب شريكه الراحل. يترجح الفيلم بين النوستالجيا لزمن غابر (البيانو الألماني رمزاً)، يقطن في ياكوف أكثر مما هو يقطنه. المهرجان لا يكتفي بعرض الجديد. هناك حيز كبير للاستعادات والقراءات المستحدثة لأعمال طبعت زمنها في ظل المعطيات الاجتماعية والسياسية الجديدة. فالدورة الحالية تشهد تكريم صامويل فوللر وجون تورتورو. يُعرَض للمخرج 11 فيلماً من بينها "رواق الصدمة" (1963) و"القبلة العارية" (1964) و"كلب أبيض" (1982). هناك تكريم موجه أيضاً الى دوني فيلنوف، الكندي الذي أخرج "حرائق" مستوحياً من الحرب اللبنانية ذلك الفصل الدموي الذي يقود امرأة (لبنى أزابال) الى تراجيديا عائلية مؤثرة. من قسم "خيارات مجلة فرايتي"، الى الفسحة المعطاة الى جيل جديد من السينمائيين اليونانيين في مرحلة أوروبا قلقة على ما ستؤول اليه الاحوال الاقتصادية في اثنيا، يحار المرء ماذا يشاهد وأي صالة يدخل. الى هذا كله، عشرات الأفلام التي سبق لها أن عرضت في كل من كانّ وبرلين والبندقية: من الفيلم الفائز بـ"سعفة" كانّ، "شجرة الحياة" لتيرينس ماليك، الى "ذات مرة في الاناضول" لنوري بيلغي جيلان وصولاً الى "نادر وسيمين: الانفصال" لأصغر فرهادي (الدبّ الذهبي في برلين 2011) مروراً بآخر أفلام كل من ميشال أوسلو والأخوين داردين وناني موريتي وأكي كوريسماكي وبدرو ألمودوفار وبيلا تار. وأخيراً عملان بديعان كانا في الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية: "بوست مورتم" لبابلو لارين، و"فينوس سوداء" لعبد اللطيف كشاش، وهو العربي الثالث المشارك في كارلوفي فاري بعد اللبنانية رانية عطية التي يُعرض لها "طيب، خلص، يللا" وسامح الزعبي الذي قدّم فيلمه الركيك "بدون موبايل"...
كارلوفي فاري - هوفيك حبشيان ( hauvick.habechian@annahar.com.lb)
|