العلمانية والخلافة لرشيد الخيُّون: سلطة الرِّجال لا سلطة الله

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
08/01/2011 06:00 AM
GMT



صدر عن دار "مدارك" في بيروت كتاب "رسالة في العلمانية والخلافة"، سعى فيها رشيد الخيُّون الباحث والمؤرخ العراقي إلى تقصي النصوص والممارسات الدَّينية مدافعا عن نتيجة مفادها أنه "ليست هناك دولة دينية قامت في التَّاريخ".

يقول المؤلف ان الدول التي ظهرت تحت وصف "الدولة الدينية" المستخدم لدى احزاب الإسلام السياسي، لا ينسجم مع العديد من نصوص الدين الاسلامي واعرافه، "لأن هناك أكثر من مائة آية قرآنية تؤكد انه لا حكومة ولا سلطة في الدين"، وبالتالي تبدو العلمانية هي الفريدة في كل التاريخ، بمعنى ان السلطة هي سلطة الرجال لا سلطة الله.

ويقول الخيون ان هذا "ما أشارت اليه الأحاديث النبوية، وممارسة الخلفاء"، وهو رأي يجد المؤلف ان في ذلك "فائدة للدنيا والدين".

الكتاب، الذي جاء على شكل "رسالة" عدد صفحاتها 54 صفحة، اختار مدخلا تاريخيا لموضوعه، وحاول فهم شكل السلطة في الحضارات العراقية القديمة.

يقول الخيون: جاء في شريعة حمورابي (1792 - 1750 قبل الميلاد)، وتُعد شريعة هذا الملك الأولى في التاريخ، بهذا الشمول: «عندما حدد (آنو) المتعالي، ملك الأنوناكي، و(أنليل) سيد السماء والأرض ومقرر مصير البلاد لـ(مردوخ) الابن الأكبر لأيا، الحكم على جميع النَّاس، وجعلاه سيداً على الأجيمي، وأطلقا اسمه على بابل، وجعلاه أقوى ما في الجهات الأربع، وأقيمت له في وسطها ملكية خالدة بأسس راسخة، رسوخ السماء والأرض، في ذلك الوقت جعلاني.. أنا حمورابي.. الأمير الورع، خادم الآلهة، لأظهر الحق في البلاد». وبهذا كانت الشريعة الشهيرة شريعة الإله لا شريعة الملك الإنسان.

ويضيف: خشية وتحسباً من التكفير، وبالتالي القتل، حسب المنطق السالف، عندما أقَدم الشيخ علي عبد الرازق (ت 1964) على إصدار كتابه «الإسلام وأصول الحكم»(1925) استهله بالشهادتين، على غير ما جرت عليه العادة في كتابة خُطب الكتب والمصنفات، وتأكيد عبوديته لله وإيمانه بالرسالة والملائكة، على أمل قطع الطريق على مكفريه، وهو يتحدث عن عدم وجود أو وجوب الإمامة أو الخلافة، وبالتالي الدولة الدينية، ومع ذلك لم يعتقوه، فلم يرد عليه مجلس المحاكمة (كبار العلماء) التَّحية.

وفي المستهل أيضاً يقوم الخيون بالتذكير بمقولة للإمام علي بن أبي طالب قالها لابن عمَّه عبد الله بن عباس وهو يهم بإيفاده إلى الاجتماع بالخوارج ومفاتشتهم في أمر انشقاقهم عنه: «لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون. ولكن حاججهم بالسُنَّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً».

ويشرح ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) هذه الوصية بالقول: «ذلك أن القرآن كثير الاشتباه، فيه مواضع يُظن في الظاهر أنها متناقضة متنافية». وهناك مَنْ يعدُّ ذلك القول من الحديث النبوي: «القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه». وكلا الشارحين ابن أبي الحديد، والشيخ محمد عبده هما من أهل السُنَّة، فالأول، وإن كان هواه علوياً، إلا أنه كان معتزلي الأُصول شافعي الفروع. ويقول الخيون: حتى السُنَّة النبوية هي حمالة وجوه، فكل طائفة اختلقت، أو روت، الأحاديث التي تجابه بها الطائفة الأخرى، مستشهدا بالعديد من نصوص علماء الكلام والمحدثين الذين عالجوا ظاهرة الخلاف الكبير بين العلماء المسلمين في تأويل نصوص الشريعة.

ويخلص الخيون من هذا المستهل إلى القول: ليس من الحق الإنكار على العازفين عن الدولة العلمانية أو المدنية، والمعتقدين في قيام الدولة الدينية ما يستندون هم فيه أيضاً إلى آيات ومتون أحاديث مؤيدة لوجهة نظرهم، أو منافحتهم من أجل ذلك الهدف. لكنه ليس من الحق أيضاً أن ينكروا على القائلين بالدولة العلمانية أو المدنية، آيات وأحاديث وممارسات ليست بالقليلة.