عن اللاجئين العراقيين في الدول العربية

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
27/10/2010 06:00 AM
GMT



اللاجئون العراقيون في الأردن.. مجتمع منقسم بين الثراء وراحة البال وبين الفقر وانتظار المجهول
عمان: محمد الدعمه
تضاربت الإحصائيات حول أعداد العراقيين المقيمين في الأردن، فبعد أن كانت السلطات الأردنية تقول إن لديها 750 ألف عراقي مقيم على أراضيها جاءت منظمة فافو النرويجية لتعلن قبل عامين أن العدد يصل إلى 450 ألفا، لكن السفارة العراقية في عمان تقول إن العدد لا يتعدى 250 ألفا استنادا إلى جداول الناخبين العراقيين في الانتخابات النيابية التشريعية الأخيرة. ومهما كان الرقم الحقيقي للعراقيين الموجودين في الأردن الآن فإن السلطات بدأت تقنن من منح الإقامات الدائمة حفاظا على التوازن الديموغرافي في البلاد حيث إن الأردن لديه أكثر من نصف عدد السكان ممن قدموا إليه من فلسطين والدول المجاورة وإن استيعاب المزيد يؤثر على معادلة توزيع الخدمات اللوجستية من خدمات تعليم وصحة سكن وغيرها. لقد حاول الأردن في اجتماعات دول الجوار للعراق والمنظمات الإنسانية طرح مشكلة ازدياد العدد وطلب تقديم المساعدات المالية والعينية للعراقيين خاصة أنه بلد محدود الموارد الطبيعية ومن أفقر البلدان للمياه واقتصاده يرتكز على المساعدات والحالات الخارجية.
المجتمع العراقي في الأردن منقسم إلى فئتين إذا جاز التقسيم فهناك فئة من الطبقة الغنية من رجال الأعمال والمال الذين فروا من عهد النظام السابق منذ عام 1990 حيث استقروا مع عوائلهم في المناطق الراقية في عمان الغربية وهذه الفئة رتبت شؤون حياتها للعيش في الأردن وتدير أعمالها فيه وتتنقل من الأردن إلى العراق أو الدول الأخرى لإنجاز أو إدارة أعمالهما التجارية والاقتصادية وهذه الفئة يصل تعدادها إلى مائة ألف أو أكثر وقد لعبت دورا في تحسين الوضع الاقتصادي للأردن وحركت أسواق العقارات والأراضي ونشطت في الاستثمار في السوق المالي.
والزائر إلى المولات أو المراكز التجارية الكبيرة في عمان الغربية يسمع اللهجة العراقية في تبادل أطراف الحديث بين رواد هذه المولات ويرى بوضوح حجم الإنفاق الذي تقوم به هذه العوائل من الشراء أو ارتياد المطاعم السياحية الفاخرة أو المقاهي (الكوفي شوبات)، فهم يعيشون حياة بذخ وترف ومتوفر لهم كل شيء خاصة أنهم يملكون المال الوفير ولديهم القدرة الشرائية لارتياد جميع الأماكن والتي لا يستطيع بعض الأردنيين الوصول إليها إضافة إلى أن أبناء هذه الفئة يتلقون تعليمهم في أفضل المدارس الخاصة ذات الطابع الأوروبي أو الأميركي ويعالجون في أفضل المستشفيات والمراكز الطبية.
لقد ساهمت هذه الفئة في التأثير على نمط الحياة الليلية إذ أصبحت عمان لا تنام بعد أن كانت تغلق المحال والأسواق منتصف الليل وأصبحت حركة الليل مثل النهار إذ أشارت إحصائية لدائرة السير أن هناك 280 ألف سيارة تتجول في عمان خلال الساعات المتأخرة من الليل من أصل مليون و200 ألف سيارة في الأردن.
لقد قام رجال الأعمال بتشكيل مجلس للأعمال العراقيين ليكون بمثابة نقطة تجمع لهم ويتواصلون من خلاله مع السلطات الأردنية التي توفر التسهيلات لهذه الفئة من الإقامات أو استقدام زائرين وأحيانا تصدر لهم جوازات سفر مؤقتة على غرار الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية وذلك لتسهيل حركتهم بين الدول العربية والأجنبية.
وتنظر السلطات الأردنية إلى هذه الفئة على أنها الدجاجة التي تبيض ذهبا فهي تنفق الأموال وتحرك الأسواق وتنشطها وتستثمر في المجالات الاقتصادية وتحدث فرص عمل للأردنيين والعراقيين. وفي العادة لا يوجد منها إزعاج أمني حيث إن البنك المركزي الأردني يراقب هذه الفئة من حيث حركة الأموال والإيداعات والسحوبات من وإلى البنوك الأردنية خشية أن تكون هناك عمليات غسل للأموال أو عمليات احتيال ونصب لكن البنك المركزي لم يسجل منذ نحو عشرين سنة سوى قضيتين الأولى كما عرفت للشعب الأردني قضية بنك البتراء والذي كان يملكه السياسي العراقي البارز أحمد الجلبي وقضية بنك بيت المال حيث تدخل البنك بحل مجلس الإدارة الذي كان يرأسه غالب كبه عندما ساورته الشكوك في التحويلات الكبيرة من وإلى العراق.
وقد أوعز العاهل الأردني إلى الحكومات المتعاقبة بتقديم التسهيلات اللازمة لهذه الفئة وتوفير كل الرعاية لاستقطاب المزيد من رجال الأعمال.
كما نجد أعدادا كبيرة من المطاعم العراقية المشهورة والمنتشرة في مدن عمان، منطقة الرابية والتي تدعى مدينة العراقيين البرجوازية حيث يرتادها ويسكنها الأغنياء من العراقيين، وتشهد انتشار الكثير من المطاعم العراقية المشهورة مثل «مطعم قاسم أبو الكص»، «لحم بعجين الجندول» والكثير من المطاعم التي شغلت المحال والشوارع الرئيسية في منطقة الرابية وشميساني، ومن يذهب إلى هناك يعش في أجواء بغداد الأصيلة منذ أن تطأ قدماه باب المطعم لأن من يستقبلك يتكلم اللهجة العراقية، وأغلب من يعمل هناك هم من الجالية العراقية المقيمة في عمان، ومعظم الزبائن هم من العراقيين، أما بالنسبة إلى أنواع المأكولات فهي وجبة عراقية خالصة، والخبز المقدم يخبز في تنور صنع من الفخار.
ولكن على الطرف المقابل هناك فئة محدودة الدخل وفقيرة تنتظر المساعدات من قريب في الخارج أو من منظمة إنسانية أو تنتظر تحسن الوضع الأمني للعودة إلى العراق وهذه الفئة من عوام الشعب تسكن في الأحياء الفقيرة أو العادية في مناطق عمان الشرقية ويحاولون الاندماج مع المجتمع الأردني بعاداتهم وتقاليدهم ومنهم من يعمل في مهن الإنشاءات أو البناء أو الزراعة لكنها تأبى أن تخرج وتمد يدها والبعض منهم يقوم بالبيع على الطرقات أو زوايا الأسواق في المدن الأردنية البعيدة عن أنظار الدوريات الأمنية والتي عادة ما تغض الطرف عنهم خاصة إذا كانوا من النساء المسنات أو غير قادرين على قوت أنفسهم.
والزائر إلى مناطق وسط البلد في عمان أو المدن الكبرى مثل اربد والزرقاء والرصيفة وغيرها يلاحظ النسوة العراقيات يفترشن الأرض بين المارة لبيع السجائر أو الأشياء البسيطة لكسب دراهم معدودة لسد عوزهن ويمكن تمييز العراقية عن الأردنية من خلال العباءة التي هي من سمات زي المرأة العراقية.
تقول أم جاسم: «لقد جئت إلى الأردن وسكنت عمان عام 1991 بعد غزو النظام السابق دولة الكويت وفرض الحصار الاقتصادي، كانت أوضاعنا الاقتصادية صعبة جدا ويكاد عملنا اليومي في مدينة الكوت، وهي منطقة سكناي، لا يسد رمق العيش ومصاريف أولادي الخمسة، فقررنا الرحيل واللجوء إلى عمان لعلنا نستطيع العيش برفاهية وسلام، لكنهم قتلوا زوجي وتركوا أولادي مشردين في الشوارع واستطعت الهرب لوحدي، لعلي أستطيع توفير المال وإرساله إلى أولادي في العراق، ومنذ ذلك الوقت وأنا أفترش هذا الرصيف ببسطة صغيرة لبيع السجائر».
وأم حيدر من البصرة أيضا انضمت إلينا وتكلمت عن معاناتها قائلة: «لماذا تركتنا الحكومة العراقية حتى الآن على هذه الحالة؟ هل نمثل نحن وجه المرأة العراقية أم وجه العراق؟ نقولها بكل صراحة إننا النساء الوحيدات في عمان اللواتي نبيع السجائر، لماذا لا يدرسون أو يناقشون أوضاعنا خصوصا أن أماكننا معروفة لكل من هب ودب، وحتى عندما يأتي مسؤول عراقي يمر علينا مرور الكرام ويقول: سوف نساعدكم. ويرحل ولا نراه!! نحن نسأل: ما العمل؟ هل نبقى بعيدين عن العراق؟ وطننا جنة والغربة صعبة. هنا كل واحد يقول: يا روحي». وأضافت: «قبل فترة تدهورت حالتي الصحية ما استدعى دخولي المستشفى الخاص، لأنهم لا يسمحون للعراقيين بالمعالجة في المستشفيات الحكومية الأردنية. وقد اضطررت إلى الاستدانة واستجداء المال أحيانا من بعض العراقيين».
وأوضحت أم حيدر: «أما ما نتسلمه من الأمم المتحدة فضئيل جدا مقارنة بأسعار السوق الأردنية، فسعر علبة الدواء الخاصة بارتفاع ضغط الدم يصل أحيانا إلى 70 دينارا أردنيا، وما نتقاضاه من مساعدات 160 دينارا أردنيا، ونبقى ندور في حلقة مليئة بالحيرة والتفكير في الأيام القادمة وما تحمله من مفاجآت». أما خليل، من سكان شارع حيفا ببغداد، فيعمل في محل صغير للإكسسوارات، في وسط مدينة عمان الأردنية فيقول: «أريد العودة إلى بغداد لكن كيف وأنا لا أستطيع دفع الغرامة المتراكمة بحقي للدولة الأردنية وما العمل؟ فمنذ عام 2004 وحتى هذا الوقت يترتب، دفع أجور غرامة تأخيرية عن كل يوم دينار ونصف أردني، وما أحصل عليه من أجور عملي اليومي ثلاثة دنانير أدفع منها إيجار غرفة صغيرة وأجور ماء وكهرباء وتوفير طعام لثلاثة أفراد، زوجتي وابنتي وأنا». وأضاف: «قدمنا عدة طلبات إلى مكتب منظمة الأمم المتحدة من أجل إدراج أسمائنا أسوة ببقية العراقيين اللاجئين هنا للحصول على راتب شهري مقداره 160 دينارا أردنيا، لكن لا نعلم لماذا التأخير ومن السبب والمتسبب في ذلك؟».
غرامات تأخيرية.. ولكن عندما سألناه لماذا لا تعود إلى العراق عندما أعلنت الداخلية الأردنية أنها ستعفي كل من يغادر الأردن إلى العراق من دون أن يدفع الغرامة؟ رد خليل قائلا: «صحيح أن الحكومة الأردنية أعفت العراقيين من الغرامات ولكن الوضع الأمني وقتها كان سيئا ولا نستطيع تامين أنفسنا في العراق وعندما لجأنا إلى السفارة قالت لنا: هذه إجراءات الدولة الأردنية ولا بد من تنفيذها».
أما ماجد فهو لا يقل ألما وشكوى من ضعف الحالة المادية، ويطلب من المسؤولين العراقيين النظر بواقع جدي وعملي لأوضاع اللاجئين لأن ظروفهم صعبة وبحاجة إلى المال، ليس فقط لتلبية متطلبات الحياة اليومية أو دفع إيجار مكان إيواء عوائلهم إنما النظر بعين الرأفة والاعتبار لحالة المرضى العراقيين وهم يبحثون عن دواء يحسب لهم بسعر تجاري فضلا عن أسعار الأطباء الخارجيين لأن الأردن لا يسمح للعراقي بمراجعة المراكز والمستشفيات الحكومية، خصوصا الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، وداء السكري الذي تصل تكلفة علاجه أحيانا إلى 60 دينارا أردنيا. وأضاف ماجد: «في أحيان كثيرة عندما نطلب المال من الأمم المتحدة تأتينا الإجابة بأن المبالغ المقررة والمحددة يجب ألا تتجاوز 160 دينارا أردنيا إضافة إلى أن المنظمة تؤكد بأنها غير مخولة بصرف المبالغ النقدية حتى إن كانت للعلاج». وقال مسؤول في السفارة العراقية فضل عدم كشف اسمه قال إن «السفارة لا تخصص مساعدات وتقدم مساعدات دورية وهذه المهمة موكلة بها منظمات إنسانية وعندما صرفت الحكومة العراقية العيدية ومقدارها 200 دولار استعنا بقوائم الأمم المتحدة لمن هو محتاج إذ يصل عدد الأسر المحتاجة إلى نحو 30 ألف أسرة».
أغلب العراقيين يريدون العودة إلى ديارهم، نتيجة تحسن الأوضاع الأمنية وهذا السبب كان العامل الرئيسي لعودة الكثيرين بعد مبادرة الحكومة العراقية بنقل الراغبين بالعودة بواسطة شركة «الخطوط الجوية العراقية» وتقديم مكافأة مالية مقدارها مليون دينار عراقي، لكن السؤال الذي يطرحه الكثير من المغتربين العراقيين هل المليون دينار كاف لبدء حياة من جديد أم أنه يكفي لدفع إيجار منزل لمدة شهرين وبعد ذلك تبدأ رحلة البحث عن عمل لسد متطلبات العيش اليومية. ووافقت السلطات الأردنية على قبول الطلاب العراقيين في المدارس الحكومية للعام الدراسي الجديد من دون اشتراط الحصول على الإقامة.
ويقول الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم الأردنية أيمن بركات، إنه «يتم قبول الطلاب شريطة تقديم البيانات اللازمة مع تطبيق التعليمات الخاصة بقبولهم باستثناء الإقامة ويتم معاملتهم معاملة الطلاب الأردنيين من إعفاء الرسوم المدرسية وتوزيع الكتب وغيرها من الشؤون التعليمية». وكانت إحصائيات تشير إلى أن عدد الطلاب العراقيين في العام الدراسي الحالي بلغ أكثر من 30 ألف طالب وطالبة.
وفيما يتعلق بالخدمات الصحية المقدمة للعراقيين، قال السفير العراقي في عمان سعد الحياني: «إن العلاج في المستشفيات الخاصة مكلف جدا في الأردن، لكن المراكز الصحية الأردنية كانت تقدم خدماتها مجانا للعراقيين، والآن بعد عقد اجتماعات لجنة بحث أوضاع العراقيين تقرر أن تقدم المستشفيات الأردنية الحكومية خدماتها للعراقيين أسوة بالمواطنين الأردنيين، وذلك لأننا لا نستطيع إنشاء مؤسسات صحية موازية لما هي موجودة في البلد».
من جانبها، تنفي الحكومة الأردنية اعتماد سياسة تسفير العراقيين حيث أكد أكثر من مسؤول في الحكومة الأردنية أن بلاده ستبحث مع مسؤولين أميركيين ودوليين في خيارات عدة لتنظيم عملية دخول العراقيين لأراضي المملكة الأردنية والتعامل مع مئات الآلاف من الموجودين منهم في الأردن.
من جانبها، ترى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة الأردنية مخاوف الأردنيين حقيقية ومشروعة على الأمن في هذه البلاد، كما تخشى من احتمال انفراط لحمة المجتمع الأردني. فمن غير المقبول - لا في الأردن ولا في غيره - أن يسمح لهذا العدد الهائل من اللاجئين الذي يعادل 15 في المائة من مجموع سكان البلاد بالبقاء فيها بشكل دائم. ويؤكد عراقيو الأردن أنهم رغم مشكلاتهم يشعرون بالامتنان للملاذ الآمن الذي يوفره الأردن لهم. لكنه مع انعدام الأمل في تحسن الحالة في العراق على المدى المنظور يبدو أن اللاجئين العرقيين سيمكثون في الأردن لفترة قد تطول.
وتقول رنا سويس من مفوضية شؤون اللاجئين إن الكثير من العراقيين في عمان يعيشون حالة الخوف من إرجاعهم إلى بلادهم قسرا ولكن لا داعي لخوفهم هذا دائما. وتضيف: «في الواقع، الأردن بلد متسامح جدا ولم يشرع بعملية إعادة جماعية للعراقيين الذين يقيمون بشكل غير نظامي على أراضيه».


اللاجئون العراقيون في مصر يعملون في العقارات ومطاعم «المسكوف».. ويرددون: يا غريب اذكر أهلك

القاهرة: وليد عبد الرحمن
بعد أن فرقتهم الصراعات التي تمزق وطنهم، جمعتهم أوجاع الغربة التي يعيشونها.. إنهم آلاف العراقيين الذين تركوا بلدهم الذي مزقه الاحتلال والحرب ويعيشون في القاهرة، محاولين استعادة ملامح عراقهم الذي تركوه وأهلهم الذين غادروهم.
وعلى الرغم من الحفاوة والترحاب اللذين يتعامل بهما المصريون مع أشقائهم العراقيين المقيمين، فإن كثيرا منهم ما زالوا يعتبرون أن «الغربة كربة» محاولين تجميع أنفسهم لاستعادة الإحساس بدفء المجتمع الذي تركوه وراءهم.
وحسب دراسة حديثة لمركز دعم واتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء المصري، يتراوح عدد العراقيين في مصر بين 20 و30 ألف لاجئ عراقي، ونفت الدراسة العدد غير الرسمي الذي كان يقدر بنحو 150 ألف عراقي، وأشارت الدراسة إلى أن هذا العدد تم التوصل إليه من خلال عينة من ألف أسرة للاجئين عراقيين في القاهرة والإسكندرية. في حين كشف مصدر مسؤول في مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط» عن «استحالة تحديد أعدد العراقيين الحقيقية في مصر، نظرا لرحيل كثيرين، ووفود أعداد كبيرة يوميا على مصر، ويمكن القول إن 11 ألف عراقي بمصر حصلوا على صفة لاجئ رسمي»، مشيرا إلى أن هناك العشرات من طلبات اللجوء اليومية تقدم إلى المكتب.
يفضل العراقيون في مصر السكنى في تجمعات بعينها في عدة مناطق منها مدينة الرحاب (30 كيلومترا شمال القاهرة)، والحي السابع بمحافظة 6 أكتوبر (20 كيلومترا جنوب القاهرة)، والحي السابع بضاحية مدينة نصر (شمال شرقي القاهرة)، والمعادي (جنوب القاهرة).
وتستطيع بسهولة أن تميز مناطق تجمع العراقيين وذلك عن طريق المقاهي التي تحمل أسماء عراقية، أو المطاعم والمخابز التي تقدم الأطعمة والمخبوزات العراقية وأشهرها خبز الصمون الحجري والسمك المسكوف.
وعلى الرغم من الحفاوة والترحاب، فإن العراقيين يعانون في مصر من عدة مشكلات؛ أهمها أن أغلبهم دخل إلى مصر بتأشيرة سياحية محددة المدة، وعقب انتهائها إما يغادرون مصر إلى مكان آخر، سواء كان العراق أو أي بلد آخر، أو يقيمون في مصر بشكل غير شرعي.
ولعل أكبر المشكلات بعد الإقامة هي إلحاق الأبناء بالمدارس والجامعات، خاصة في ظل عدم وجود تأشيرة إقامة قانونية، بالإضافة إلى البحث عن فرص عمل وارتفاع أسعار العقارات.
ولجأ عدد من العراقيين في مصر إلى الاتجار في العقارات في «الرحاب» و«6 أكتوبر»، فبعد أن كانوا يستأجرون شققا للإقامة فيها، أصبحوا يشترون تلك الشقق لتأجيرها أو الاتجار فيها، الأمر الذي ساهم في رفع أسعار العقارات في تلك الأماكن.
«أشتاق إلى العراق وإلى العودة إليه وأحن إلى أهلي، وأحاول في مدينة السادس من أكتوبر أن أعوض نفسي من خلال العراقيين الذين يعيشون فيها وجاءوا إلى مصر مثلي».. هكذا عبر عبد العزيز عساف، عراقي مقيم بمدينة السادس من أكتوبر عن ما يجيش في صدره، في مصر التي يقيم فيها منذ فترة، وقال: «نحن العراقيين نحرص على اللقاء في كل مناسبة ونتجمع على المقاهي لنشاهد القنوات العراقية ونتابع أخبار الوطن، لعل الخير يصيبه»، وأضاف عساف: «نشعر في مصر وكأننا بين أهلنا ويستطيع أي عراقي أن يأمن على حياته وحياة أسرته، إلى جانب حرية العقيدة فلا يوجد أي تهديد لمن يتبع مذهبا دون غيره من المذاهب، إلى جانب إمكانية إقامة مشاريع توفر الحياة الكريمة».
وقال عبد الرحمن محمد، وهو عراقي مقيم بمدينة السادس من أكتوبر: «حاولت مرات كثيرة أن أعمل في إحدى الشركات المصرية لكن بلا جدوى حتى وجدت عملا في أحد مكاتب العقارات، ولم أستمر فيه طويلا لأستقر بعد ذلك في العمل بأحد المطاعم العراقية». وأضاف: «جئت إلى مصر بعد أن أصابني الجنون من هول ما جرى في العراق، وأبيع الآن الفلافل العراقية والشامية والدجاج، وزبائني يأتون إلي من خارج مدينة السادس من أكتوبر».
وعن ما إذا كان ينوي العودة إلى العراق في يوم ما، قال: «أعود إليها ولو سيرا على الأقدام ثم أموت على حدودها، فأنا لا أتخيل نفسي مدفونا خارج أرضها».
ويشكو بسام فهد، وهو عراقي مقيم في حي مدينة نصر من معاناة الأسر العراقية من إلحاق أبنائها بمراحل التعليم المختلفة نتيجة رفض السلطات المصرية تسجيل أي طالب لا يحمل هو وذووه تأشيرات إقامة قانونية. ويقول فهد: «مستقبل أبنائنا معرض للضياع لأننا نعامل معاملة الأجانب في مصر»، معربا عن أمله «في إعفاء العراقيين من رسوم الجامعات والمدارس كما فعلت مصر من قبل مع اليمنيين والسودانيين، لا سيما أن الطلبة العراقيين لو تم توزيعهم على الجامعات المصرية فلن يزيد نصيب كل جامعة على 10 طلاب».
من جهته، لفت على كردي، وهو عراقي مقيم بحي مدينة نصر، أن كثيرا من الأسر العراقية قررت العودة الطوعية إلى العراق، خاصة بعد تحسن الأحوال الأمنية هناك بشكل نسبي في بعض المناطق، بالإضافة إلى ازدياد الضغط المعيشي عليهم من تكاليف إيجار المسكن ومتطلبات المعيشة ومصاريف التعليم لمن لديه أطفال وشباب في مراحل التعليم المختلفة، وفي ظل نفاد مدخراتهم التي جلبوها معهم.
وطالب كردي منظمات المجتمع المدني في مصر بالالتفات إلى الحالات الإنسانية للاجئي العراق وتقديم المعونة المادية لهم، مشيرا إلى أن المنظمات الإنسانية الدولية قررت منح العراقيين في مصر أجورا رمزية لمدة ثلاثة أشهر فقط ثم امتنعت عن تقديمها بعد ذلك، على الرغم من أنها تساعد باقي لاجئي العالم بصفة مستمرة، على حد قوله.
وقال ظافر عبد الله، مقيم بمدينة الرحاب، إن أي طالب عراقي يواجه مشكلات كثيرة في الالتحاق بالجامعات المصرية، معتبرا أن عدم منح الإقامة السنوية ليس المشكلة الكبرى التي تواجه العراقيين، إنما تتمثل في أن من يخرج من مصر لأسباب تجارية مثلا لا يستطيع العودة إليها مرة ثانية، الأمر الذي يهدد مصالح كثيرين منهم، خاصة الذين يعملون في التجارة، لعدم الحصول على التأشيرة التي أصبحت مشكلة معقدة ومن الصعب جدا أن يحصل العراقيون عليها.
وطالب عبد الله الجهات المصرية المسؤولة بتسهيل منح التأشيرة والإقامة للعراقيين لتخفيف معاناتهم. وقال عبد الله: «أي لاجئ عراقي لا يستطيع أن يعمل في مهنته بمصر التي كان يمتهنها في العراق، ويضطر إلى العمل في مهنة أخرى هي أبعد ما تكون عن اختصاصه، وغالبا ما تكون هذه المهنة عاملا في أحد المحال».
وذكر إياد صالح، مقيم بحي المعادي: «على الرغم من امتلاكي منزلا في مصر، وأعمل مديرا في أحد المطاعم، فإنني لم أتمكن من الحصول على الإقامة السنوية، فتم منحي أنا وأولادي إقامة تجدد كل ثلاثة أشهر، على الرغم من أن أولادي طلاب في مدارس خاصة بالقاهرة»، وأضاف: «أشعر بأنني مهدد في عملي وأخاف من طردي بسبب الإقامة التي لا تؤرقني وحدي، بل تؤرق آلاف العراقيين في مصر»، مشيرا إلى أن جميع اللاجئين العراقيين تركوا بلادهم بحثا عن ملاذ آمن في مصر، والآن يفكرون في الهجرة منها بحثا عن الأمان في بلاد أخرى حتى لو كانت ممن اعتدت على العراق. وقال صالح: «ناشدنا كثيرا من المسؤولين في السفارة العراقية لمطالبة الحكومة المصرية بالتخفيف عنا، والتنازل عن بعض قوانينها القاسية الخاصة باللاجئين، ولكن لم يستجب أحد».
وأشار صالح إلى أن كثيرا من العراقيين فكروا أيضا في العودة إلى العراق على الرغم من عدم ملائمة الظروف، وبالفعل شرع عدد كبير في الخروج من مصر، عن طريق مكتب للهجرة في مصر، ولكن توقف هذا المكتب عن توفير تذاكر السفر للعراقيين من دون أيه أسباب.
من جانبه، أكد الدكتور فهمي القيسي، وهو دبلوماسي عراقي سابق، وحاليا يشغل منصب عميد كلية الحقوق والتجارة في جامعة السلام الدولية بصنعاء، ويقيم مع أسرته وأولاده في حي مدينة نصر، أن العراقيين لجأوا إلى مصر نتيجة أعمال العنف والقتل والدمار الشامل التي شهدها العراق بعد الاحتلال، وأضاف: «كان عدد العراقيين في مصر بداية الأمر 100 ألف عراقي دخلوا مصر رسميا عبر جوازات، وتركزوا في القاهرة والإسكندرية والمنصورة وصعيد مصر، واستقبلهم المصريون بالترحاب ووفروا لهم فرص عمل ومساكن مناسبة نتيجة وجود علاقة عمل وصداقة قوية بينهم أثناء عمل بعض المصريين في العراق في السبعينات والثمانينات». وتابع: «ظل العراقيون على حالهم في مصر إلى أن حدثت الأزمة العالمية التي ضربت دول العالم أجمع، وقرر بعضهم الهجرة من مصر برغبتهم الشخصية، حيث لم تطردهم مصر، نتيجة صعوبة انضمام أبناء الجالية العراقية إلى المدارس الحكومية في مصر». وقال القيسي إن «العراقيين الموجودين في مصر مقسمون إلى طبقة غنية، وهي التي قدمت إلى مصر في الثمانينات والتسعينيات واشتغلوا بالتجارة، وأقاموا مصانع وشركات، وعددهم لا يتجاوز الـ100 عراقي، أما بقية العراقيين، فهم إما عمال حرفيون أو أصحاب مطاعم ومخابز ومقاه أو صيادلة وأطباء».
وحول الاستثمارات العراقية في السوق المصرية، قال القيسي: «إنها ما زالت تحبو في خطواتها الأولى، ويتجه رجال أعمال عراقيون للاستثمار الآن في الأراضي الزراعية والعقارات، لأن الزراعة والعقارات هي المجال المناسب لهم على عكس الصناعة التي تحتاج إلى استقرارهم في مصر».
وأشار القيسي إلى أن معظم العراقيين الموجودين في مصر لديهم أمل في العودة إلى بلادهم، لأنهم يعتبرون أنفسهم مهاجرين، ويغلب عليهم بين الحين والآخر الحنين للوطن والأرض والذكريات والطفولة والأجداد.
من جانبه، أوضح أحمد الحبوبي، وهو وزير عراقي سابق مقيم حاليا بمدينة الرحاب، أن الوجود العراقي في مصر تم على مرحلتين؛ الأولى في عهد الرئيس صدام حسين قبل عام 2003، وشهدت هجرة كثير من المدنيين والعسكريين والسياسيين الذين لهم مواقف معادية لنظام صدام، والثانية بعد عام 2003 بعد سقوط نظام صدام حسين والاحتلال الأميركي.
وقال الحبوبي: «إن مصر فتحت ذراعيها لمختلف التوجهات في أحياء مدينة نصر والسادس من أكتوبر وغيرها التي تقيم فيها غالبية العراقيين حيث توجد كثير من الجامعات والمعاهد الخاصة إلى جانب المصانع والشركات التي قد يجد فيها العراقيون فرصا للعمل».
وأكد الحبوبي أنه طوال الـ7 سنوات الماضية والعراقيون يعانون من الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر، لذا قرروا الذهاب إلى أميركا، وأكد أن عددهم الآن لا يتعدى الـ30 ألف عراقي في مصر. وأوضح أن المثل العراقي: «يا غريب اذكر أهلك» ما زال عالقا في أذهان جميع العراقيين، ويعتبرون «الغربة كربة»، لكن ما يمنعهم من الرجوع إلى العراق هو الوضع الأمني المتردي، ولكن عقب استقرار الأوضاع سوف يعودون.
وذكر الحبوبي أن هجرة العراقيين من العراق إلى مصر تعد الرابعة في تاريخ العراقيين الذين باتوا لا يجدون سوى النزوح في ظل الأزمات، وحدثت الموجة الأولى عقب قيام الثورة العراقية عام 1958 وكان من أشهر اللاجئين إلى مصر الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي سكن القاهرة ضمن عدد كبير من العراقيين المنتمين إلى حزب البعث الذين فروا إليها، وبقي صدام في مصر حتى عام 1963 عندما عاد إلى العراق، أما موجة الهجرة الثانية فحدثت خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية في الفترة من 1980 - 1988 التي عرفت بـ«حرب الخليج الأولى»، وتذكر التقارير أن إيران كانت قبلة العراقيين الذين فروا من العراق في تلك الفترة، حيث هاجر إليها حسب الإحصاءات الرسمية نحو 200 ألف عراقي من المعارضين لسياسة صدام حسين. وقال إن موجة الهجرة الثالثة كانت بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، خاصة في ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العراق بعد فرض العقوبات الدولية عليها من قبل الأمم المتحدة.
من جهته، كشف حازم العبيدي الباحث العراقي في المعهد الديمقراطي العربي بالقاهرة، مقيم في حي المعادي، أن أعداد العراقيين بدأت تزداد بشكل مخيف في بداية عام 2007 وبلغ عدد العراقيين الذين نزحوا إلى مصر حسب إحصاءات الحكومة المصرية وإحصاءات الأمم المتحدة 120 ألف عراقي، وتقلص العدد الآن حتى بلغ 20 ألف عراقي، وقال العبيدي: «في عام 2007 وما بعده كان المتجول في محافظة السادس من أكتوبر يشعر أنه يتجول في مدينة عراقية، ولكن بعد رفض مصر منح العراقيين إقامات، وبعد قرار هيئة الأمم المتحدة بإعادة توطين اللاجئين العراقيين، اتجهوا إلى أميركا وكندا وأستراليا»، وأضاف: «تشير البيانات إلى أن هناك 3 طائرات شهريا تنقل اللاجئين العراقيين من مصر إلى الدول الأوروبية، بعد أن وفرت لهم هذه الدول ضمانات صحية واجتماعية واقتصادية لم توفرها مصر ولا الدول العربية».
من جهته، قال السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق إن «معظم اللاجئين العراقيين في مصر من السنة أنصار الرئيس العراقي صدام حسين وليسوا من الشيعة، ومصر تضع عليهم قيودا وإجراءات شديدة خاصة في مسألة التأشيرات، لأن مصر ليست معلنة كدولة إعادة توطين للاجئين من أي مكان بالعالم وليس هذا إجراء موجها ضد العرب أو العراقيين، فالدول المستقبلة للاجئين بالعالم معروفة مثل أميركا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وبعض دول غرب أوروبا، وهي (أي مصر) فقط دولة مضيفة للمقر، أي الدولة التي يوجد بها مقر لمفوضية اللاجئين، وبحكم مكانها الجغرافي فهي أيضا دولة عبور للاجئين وغالبيتهم من فلسطين والسودان ثم الصومال والعراق».
وذكر الأشعل أن مصر تشددت مع العراقيين الوافدين في البداية، ولكن بعد فترة أبدت تفاهما، مشيرا إلى أن مصر تعد ثالث دولة عربية بعد سورية التي يقدر عدد العراقيين فيها بمليوني عراقي، ثم الأردن، وأضاف أنه على الرغم من إعلان الأمم المتحدة عودة العراقيين للعراق بعد أن قلت حدة الانقسام الطائفي، والعمليات الأميركية في العراق، لإعادة بناء العراق، فإنه لم يستجب لذلك إلا 10% فقط ورجعوا إلى العراق. وقال الأشعل: «أقيس عدد من رحلوا من مصر وفقا لعدد من أقوم بالتدريس لهم في معهد الدراسات العربية، الذي يدرس به كثير من العسكريين العراقيين للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه».
وأشار الأشعل إلى أن العراقيين اللاجئين في مصر قدموا إليها عندما سقط نظام صدام حسين بعد مطاردات أميركية، وقد رحلوا تحت ضغط الحياة نفسها، وأن معظم العراقيين الموجودين في مصر يتعاملون مع السفارة العراقية في القاهرة. وأكد الأشعل أن العلاقة الطيبة مع السفارة العراقية لدى مصر ترجع لوجود بعض العاملين بالسفارة من نظام صدام حسين، من أجل التواصل مع العراقيين الموجودين في مصر، مشيرا إلى أنه روعي في جميع الدول العربية أن يكون السفير سنيا وله علاقة طيبة بالجالية العراقية الموجودة في تلك البلاد.


اللاجئون العراقيون في لبنان.. وضعهم القانوني أساس مشكلاتهم وتعرضهم للاستغلال
بيروت: ليال أبو رحال
استكمالا لحلقات اللاجئين العراقيين، فأن ظروفا معيشية صعبة يعيشها العراقيون في لبنان، الذي لا يوافق على إعادة التوطين، إذ إنه ليس عضوا في اتفاقية جنيف لعام 1951، والخاصة بوضع اللاجئين أو بروتوكول عام 1967 المرفق بها. ونتيجة عدم انضمام لبنان إلى هذه الاتفاقية، فإنه لا تشريعات أو ممارسات إدارية من شأنها تلبية الاحتياجات المحددة للاجئين وطالبي اللجوء في لبنان، ومن بينهم العراقيون.
وبذلك، ينظر لبنان إلى من يدخل حدوده خلسة أو من يبقى فيه بعد انتهاء المدة القانونية المحددة في تأشيرة دخوله بمثابة مقيم غير شرعي، ما لم يلجأ إلى تسوية وضعه القانوني أسوة بباقي الأجانب. ولا يحول ذلك دون تعرضه للملاحقة بسبب دخوله أو بقائه في البلد بطريقة غير شرعية.
وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، فإن العراقيين يدخلون إلى لبنان بطريقة شرعية عبر المطار أو غير شرعية عبر الحدود مع سورية، ومن يدخل بطريقة شرعية يصبح وجوده بعد انتهاء مدة تأشيرته غير شرعي. وأوضحت لور شدراوي، من المكتب الإعلامي للمفوضية، في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «لا إطار قانونيا في لبنان يتطرق لهذه الحالات من الناحية القانونية، وتتدخل المفوضية لدى السلطات لمعالجة كل حالة على حدة».
وشددت على أن «معظم مشكلات العراقيين في لبنان ناتجة عن وضعهم غير القانوني، وما يتفرع عن هذا الوضع من مشكلات تتعلق بالتعليم والعمل واستغلالهم من قبل أرباب العمل لوجودهم بصورة غير شرعية وتهديدهم الدائم بإمكانية التبليغ عنهم».
وفي حين تلفت إلى أن «بقاءهم مؤقت لأن لبنان ليس دولة لجوء ونحن نلتزم بهذه المعادلة ونحاول إيجاد حلول للاجئين العراقيين خارج لبنان»، أوضحت برنا حبيب من جمعية رواد فرونتيرز - وهي جمعية تعنى بمتابعة الوضع القانوني للحالات الفردية عن طريق محامين ومتخصصين في قانون اللجوء أمام مفوضية شؤون اللاجئين وأمام السلطات اللبنانية المعنية حسب الحالة - أنه «لا يجوز القول بأن لبنان ليس بلد لجوء». وتستند في ذلك إلى أن «مقدمة الدستور اللبناني التي هي جزء لا يتجزأ من الدستور أقرت حق اللجوء، حيث أدخل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الدستور وهذا الإعلان ينص في المادة 14 منه على حق التماس اللجوء هربا من الاضطهاد، كما أن القوانين اللبنانية تقر هذا الحق في المواد 26 - 31 من قانون 1962 الخاص بالدخول والخروج من لبنان».
ومع استنفاد كل الموارد التي يحملونها من العراق، يجد عراقيو لبنان أنفسهم في حالة قلق دائم من الغد، ولا يجدون حلا لبقائهم في لبنان سوى العمل بطريقة غير شرعية، مع صعوبة إيجاد كفيل يضمنهم عبر المصارف اللبنانية. ويبقى قبول طلب إعادة التوطين في بلد ثالث الحل الأمثل.
بناء على إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن قرابة 7878 شخصا هو إجمالي عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية، قدمت طلبات 2100 لاجئ منهم من أجل إعادة التوطين في بلد ثالث. وحتى أواخر أغسطس (آب) الفائت، ساعدت المفوضية 1308 على مغادرة لبنان إلى بلد ثالث، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى، إذ وصل إليها 1172 لاجئا.
وعلى الرغم من عودة الهدوء النسبي إلى العراق، فإن شدراوي توضح أن معظم العراقيين في لبنان ليسوا في وضع يسمح لهم بالعودة لأسباب أمنية، من جهة وخوفا من انتهاكات حقوق الإنسان، من جهة ثانية. وتلفت إلى أن «معظم الموجودين في لبنان هم من بغداد وجوارها، وأوضاعهم النفسية والاجتماعية لا تسمح بعودتهم أو حتى ببقائهم في لبنان، وتشكل إعادة التوطين في بلد ثالث الحل الوحيد أو خشبة الخلاص لهم».
وترد المتحدثة باسم جمعية «رواد فرونتيرز» الوضع الاجتماعي والنفسي للاجئين العراقيين في لبنان، إلى المعاناة جراء انعدام وضعهم القانوني، في غياب أي إطار قانوني شامل وفاعل ينظم عملية اللجوء في لبنان بشكل يتطابق مع المعايير الدولية.
وأشارت إلى أن مذكرة التفاهم التي وقعها لبنان مع مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين من أجل تنظيم كيفية تقديم طلبات اللجوء إلى المفوضية، قاصرة عن توفير الحماية وفق المعايير الدولية، خصوصا أنها لا تتضمن مبدأ عدم الإبعاد القسري ولا تحمي من الاحتجاز بسبب الدخول خلسة إلى البلاد.
ويضاف إلى ذلك، غياب أي نظام لدى الدولة اللبنانية لاستقبال طالبي اللجوء على الحدود، حيث تغيب مفوضية الأمم المتحدة عنها، الأمر الذي لا يوفر للأشخاص الفارين من بلدانهم إلى لبنان طلبا للحماية الدولية أي فرصة لتقديم أنفسهم وأسباب لجوئهم فور وصولهم إلى لبنان، ويعرضهم ذلك لإمكانية إعادتهم عبر الحدود.
وتشرح حبيب نطاق عمل جمعيتها، فتشير إلى «أننا نقوم بمتابعة حالات المحتجزين بسبب الدخول خلسة من اللاجئين وطالبي اللجوء، ونعمل على توكيل محامين للدفاع عنهم أو للطعن باحتجازهم التعسفي، كما نرفع حالاتهم إلى السلطات اللبنانية من وزارة الداخلية بصفتها المشرفة اليوم على السجون وعلى نظارات قوى الأمن الداخلي والأمن العام لوضع حد ممارسة الاحتجاز التعسفي الذي لا يهدف إلا للضغط عليهم ليوافقوا على ترحيلهم، والنيابة العامة التمييزية بوصفها حامي الحريات وممثل المجتمع».
يقدر المجلس الدانمركي للاجئين، وفق آخر دراسة له في يناير (كانون الأول) 2009، عدد اللاجئين العراقيين في لبنان بين 14 و21 ألفا، في غياب إحصاءات لبنانية رسمية. وهم يتوزعون في مناطق عدة، وبشكل خاص في محافظة جبل لبنان وتحديدا في الضاحية الجنوبية وفي شرق بيروت، في السبتية وسد البوشرية والنبعا.
في محلة السبتية، تكتظ الأحياء الشعبية فوق بعضها البعض. وعلى الرغم من أن قسما كبيرا من سكان المحلتين هم من اللبنانيين، فإن نسبة كبيرة من العراقيين، لا سيما المسيحيين منهم، يقصدونهما للسكن والبحث في أحياء محددة، بحثا عن فرصة عمل في المحلات التجارية المنتشرة وفي المدينة الصناعية القريبة. وقرب الكنيسة الآشورية في السبتية، يستوطن العراقيون حيا بأكمله. عائلات تتقاسم منازل ضيقة بهدف تخفيف كلفة الإيجار، ينتظرون مساعدات تعينهم على متابعة حياتهم من مفوضية الأمم المتحدة أو من جمعيات المجتمع المدني في لبنان ومن كنائسهم. خلال شهر أغسطس الفائت، ساهمت الولايات المتحدة بمنحة مالية بقيمة نصف مليون دولار أميركي لمساعدة العراقيين في لبنان، كما قدمت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية حزمة مساعدات نقدية عبارة عن 200 دولار إلى نحو 800 أسرة محتاجة.
لا يمكن لهذه الإعانات وحدها أن تسد حاجات اللاجئين العراقيين اليومية في لبنان. ويجمع الناشطون في إطار رعاية اللاجئين في لبنان على أن المشكلة تكمن في اعتبار الدولة اللبنانية اللاجئين العراقيين وكافة اللاجئين غير الفلسطينيين في حكم غير الموجودين، ومن شأن كل ذلك أن ينعكس سلبا على كافة جوانب حياتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
 

لاجئون عراقيون عادوا إلى بلدهم : الحكومة وعدتنا بحياة جديدة.. لكن ليس كل ما يقال ينفذ
بغداد: نصير العلي
على الرغم من كل الألم الذي عاناه كثير من العراقيين وكان سببا في رحيلهم عن بلادهم، فإن غالبيتهم تحلم بالعودة، ومنهم من عاد فعلا لكنه عاد ليجد أن العراق ما زال يحتاج إلى كثير من الوقت ليعود آمنا معافى من جراحه ويستطيع أن يضم جميع أبنائه من دون أن يوجه لهم أحد سلاحه في غفلة من الزمن ويرديه هو أو أحد أفراد عائلته قتيلا بسلاح مجهولة هوية صاحبه. في هذه الحلقة الأخيرة من سلسلة الحلقات عن أزمة اللاجئين العراقيين تسلط «الشرق الأوسط» الأضواء على العائدين منهم إلى ديارهم وكيف وجدوها.
قدمت الحكومة العراقية الإغراءات والوعود والضمانات لإقناع اللاجئين بالعودة، بل منحت البعض منهم تسهيلات للعودة الطوعية كما حصل للعائدين من مصر والأردن عندما خصصت الحكومة طائرات وعلى حسابها الخاص لإعادتهم مع مخصصات مالية تسلمها بعض العائدين بداية هذا العام، بينما أكد آخرون أنهم لم يتسلموا سوى مبلغ 200 ألف دينار عند هبوط الطائرة في مطار بغداد.
«أم ولاء»، من أهالي البصرة عادت إلى العراق قبل عامين بعد أن فرت وعائلتها إثر دخول القوات الأميركية إلى البلاد وكان زوجها أحد الضباط الكبار من منتسبي الجيش العراقي السابق وقد وجد ورقة ملفوفة على رصاصة أمام بيته وهي العلامة التي ألفها ضباط الجيش بعد سقوط النظام تحذيرا لهم من أنهم على قائمة من سيكون في عداد الموتى ما لم يغادروا. وتؤكد أم ولاء أنها قررت العودة من إحدى دول الجوار بعدما وجدت أن الأوضاع قد استقرت في البلاد لكن زوجها ما زال يقيم في تلك البلاد ولم يعد مع أفراد عائلته. وتضيف: «قررت العودة بسبب صعوبة العيش في الخارج فلدينا خمسة أولاد جميعهم يحتاج إلى الدعم المالي لإكمال دراسته، وقد عدنا بالفعل ووجدنا بيتنا قد نهب بالكامل ولم نجد من يساعدنا وقد تسلمنا فقط مليون دينار (نحو 900 دولار) دعما من الحكومة». وأكدت أن «هذا المبلغ سرعان ما نفد أمام الاحتياجات الكثيرة للأبناء، وكان لزاما علينا أيضا التواصل مع زوجي». وتقول إن حياتهم غير مستقرة وتأمل في أن تعود إلى سابق عهدها، مشيرة إلى أن أهلها وأهل زوجها هم من يقومون بمساعدتهم ماديا ومعنويا لأن المعونات أو الوعود التي قطعتها الحكومة بتخصيص أراض ومبالغ شهرية لم تتسلم منها شيئا.
محسن جبار، 38 عاما، غادر بغداد مجبرا بعد تلقيه تهديدات كثيرة، خاصة أنه يسكن إحدى أكثر المناطق سخونة، ألا وهي منطقة الزعفرانية في جانب الرصافة ببغداد تاركا بيته بكامل أثاثه، ولم يتمكن إلا من حمل بعض ملابس عائلته التي تتكون من عمته وزوجته وأطفاله الاثنين. وقال محسن: «حدث ذلك في منتصف عام 2004 حينها لم أفكر مطلقا بالذهاب لأهلي القاطنين في محافظة قريبة، بل قررت السفر إلى سورية حيث بقيت فيها ما يقرب من ستة أشهر ثم السفر لبلد أوروبي والعودة لسورية». وأضاف محسن عن عودته للعراق، أن أغلب من يغادرون العراق «لديهم أسباب محددة وأهداف أيضا واضحة؛ فهناك من يريد النجاة بروحه والحفاظ على أرواح عائلته، وآخرون يريدون العمل، وآخرون الحصول على هجرة والعيش في الخارج بقية حياتهم». وأضاف أنه كان دوما يتابع الأوضاع العراقية بتفاصيلها كافة؛ الأمنية والسياسية والاقتصادية، وبعد مناقشات كثيرة مع العائلة، كان القرار هو المخاطرة بالعودة إلى بغداد مهما كانت النتائج، مضيفا: «عند عودتنا لم نجد الامتيازات نفسها التي كنا نسمعها من المسؤولين العراقيين فلم يطرق بابنا أحد ليقول لنا: ما الأضرار التي لحقت بكم؟ هل تريدون دعما لإعادة ترميم بيتكم الذي سكنته عائلة أخرى بشكل غير قانوني وتصرفت في أثاثنا وألحقت أضرارا كبيرة به ولم يتركوا البيت إلا بعد دفع مبلغ مالي كبير لهم؟ وهنا اضطررنا للسكن مع أبي لحين عودة الاستقرار وتمكني من تأمين مبلغ لإعادة ترتيب وضعي في البيت من أثاث وترميم وغيرها».
أما حامد النعيمي، 45 عاما، فكانت له وجهة نظر تختلف تماما عن محسن؛ فبين أنه ناضل طويلا للحصول على تأشيرة والإقامة في أستراليا، فهو اضطر للسفر من بغداد بسبب أعمال العنف التي شهدتها البلاد بعد سقوط النظام، وتوجه للأردن، ومن ثم العمل هناك وتأمين تأشيرة إلى اليمن ومن هناك إلى ليبيا ومن ليبيا إلى إيطاليا، وأخيرا قبلته أستراليا، وكل هذا جرى بعيدا عن عائلته التي قال إنه أمنها عند ذويه في محافظة بابل لأنها أكثر أمانا من العاصمة، وبعد السفر إلى أستراليا تقدم لبرنامج يسمى «لم الشمل» فانضم إليه باقي أفراد عائلته المكونة من زوجة وابنتين وثلاثة أبناء. وأضاف النعيمي أن حادثا وقع في أستراليا جعله يفكر في العودة إلى العراق، وبين أنه أقنع الجميع بتحمل مدة إقامة قانونية لأجل الحصول على إقامة ثابتة بعدها عدنا لبغداد، ويقول بعد عودته للعراق: «عقبات كثيرة واجهتنا بعد العودة، فوجدنا أن أسعار العقارات في بغداد غالية جدا وتفوق حتى أسعار العقارات في أستراليا أو بلدان أوروبية، كما أن هناك مشكلة الحصول على عمل لائق يؤمن عائدا ماديا يمكنني من تأمين مستوى معيشي مناسب أو مماثل لما كنا نعيشه في أستراليا، لكن لم نستطع التأقلم، كما أن أبنائي يريدون العودة لأجل إكمال دراستهم في جامعات جيدة والحصول على تخصصات مميزة، وكل هذا يدفعني للعودة إلى أستراليا، وما يزيد اندفاعي هو أن الأوضاع في بلدي لم تصل لحد الاستقرار الكامل، فما زال يعيش حالة من التذبذب في كل المفاصل ويحتاج لوقت طويل قبل أن يقال إنه آمن».
عراقي آخر اسمه طارق الزبيدي غادر بغداد بداية عام 2005 وتمكن من الحصول على تأشيرة لإحدى الدول لكن مشكلات كثيرة صادفته ففضل العودة إلى العراق، مؤكدا أن الأوضاع في العراق اختلفت وهناك فرص عيش يتصورها أفضل بكثير من أي بلد آخر. وبين الزبيدي أنه قرر البقاء في العراق والبدء من جديد.
من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة المهجرين والمهاجرين حيدر الموسوي لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة «سبق أن تبنت استراتيجية العودة الطوعية التي تشمل فئات المهجرين والمهاجرين والنازحين كافة، وتتم هذه الاستراتيجية عبر آليات كثيرة؛ تبدأ من دعمهم بالخارج، وتسهيل مهمة إعادتهم على حساب الحكومة، ووصولا إلى تأمين مناطقهم وإخلاء دورهم وإعطاء منح لترميمها وإعادتهم للوظائف وأبنائهم للمدارس ومنحهم قطع أراض، وفعلا تحقق كثير خلال السنتين الماضيتين. ولو نظرنا لآخر إحصائية، وهي المسجلة فقط في دوائر وزاراتنا المنتشرة في عموم مناطق العراق، لوجدنا استمرار عودة العائلات العراقية إلى أماكن سكنها الأصلية وفي جميع المحافظات، وأن أعداد العائدين المسجلين في الوزارة بلغت حتى 15 سبتمبر (أيلول) 75180 ألف عائلة؛ 8423 منها من النزوح الخارجي، و45035 من النزوح الداخلي، و1882 من الأسر المسفرة، و19822 من المهاجرين».
وبشأن العراقيين الذين ما زالوا يرغبون في البقاء بدول الجوار، بين الموسوي: «إننا يجب أن نفرق بين عراقي سافر للخارج لأجل العمل أو الهجرة واللجوء، وبين من هجر قسرا، ونحن نظمنا زيارات كثيرة لهذه الدول ووجدنا أن أعداد الفئة الأولى أقل بكثير مما تعلن عنه المنظمات العالمية. والأمر الثاني هو أن عدد المهجرين بينهم قليل؛ فقسم مقيم ولديه أعماله واستثماراته، وآخر سافر للعلاج، وآخر للسياحة.