قراءة جديدة للملحمة السومرية : جلجامش

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
05/09/2010 06:00 AM
GMT



لندن: عبد الرزاق الصافي
تعتبر ملحمة «جلجامش» السومرية الأكدية، كما هي في الواقع، وكما يقول المؤلف د.حسين علوان حسين «أقدم كنز من كنوز الأدب الملحمي في تاريخ البشرية. فهي أقدم من (الإلياذة) بما ينيف على ألف وخمسمائة عام، كما تؤكد عالمة الآثار البريطانية (نانسي ساندرز) وعالم السومريات الأميركي (صموئيل نوح كريمر)».
وقد شغلت، منذ اكتشافها وترجمتها إلى اللغات الحية، الباحثين في الأدب العالمي وكبار الأثريين والمعنيين بالبحث عن سعي الإنسان نحو الخلود. وكانت ولا تزال مادة للدراسات الأدبية واللغوية والتاريخية والأنثروبولوجية.
وقد تصدى المؤلف الدكتور حسين علوان حسين في دراسته عنها للبحث عن تعدد وتداخل أنواع الصراع التي تعرضت لها الملحمة، من وجهة نظر مادية تاريخية، وربطها بتعدد وتداخل التشكيلات الاجتماعية - الاقتصادية في العراق القديم وبالفكر السياسي - الديني - الاجتماعي للعراق القديم، وتجليات هذا الفكر التطبيقية. وحاول تحليل شخصيات أبطاله، معتمدا على الترجمة الإنجليزية للملحمة التي نشرها عالم الآشوريات البريطاني أندرو جورج في عام 1999، مكملا إياها في بعض المواضع بترجمة العلامة طه باقر العربية للملحمة، وكذلك ترجمة ساندرز لها المنشورة في عام 1970.
وكانت الفرضية الأساسية التي انطلق منها المؤلف في دراسته هي أن «أوجه الصراع في الملحمة هي انعكاس للوعي الجمعي لتداخل وتعدد أنماط التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أرض العراق القديم» الذي يحدده بالبلد «المحصور بين أحواض نهري دجلة والفرات وروافدهما من جبال زاغروس وطوروس إلى سواحل الخليج العربي. هذا العراق الذي كان مسرحا رياديا لأول انتقال للإنسان على وجه الأرض من مرحلة جمع القوت إلى مرحلة إنتاج القوت، ومن سكن الكهوف إلى بناء أولى المستوطنات الزراعية في تاريخ البشرية، إلى نشوء أولى القرى والأسواق الحرفية والتجارية في العالم القديم، التي تطورت لتكوّن أولى المدن ودويلاتها والدولة الموحدة».
ومن طريف ما يذكره المؤلف أن أول أداة إنتاج عرفها التاريخ، التي مكنت الإنسان الأول من إنتاج القوت الذي يزيد على حاجة عائلته، هي المسحاة، التي اخترعها إنسان العراق القديم.. تلك الأداة، التي يسميها المؤلف «ذكورية»، والتي أسبغ عليها إنسان العراق القديم صفة القداسة بجعلها رمزا لرئيس مجمع الآلهة البابلي، الإله الذكر مردوخ.
وانطلق المؤلف في دراسته من افتراضات ثلاثة هي أن «للملحمة انعكاساتها القابلة للتشخيص للذاكرة الشعبية والوعي الجمعي العراقي القديم.. وأن شخصيات الملحمة هي أيضا تبلورات مركزة لجماعات اقتصادية اجتماعية عميقة الجذور.. وأن المعاني والإشارات إلى تطور صراع التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية السياسية كثيرا ما يعبر عنها في الملحمة باعتبارها مظهرا من المظاهر الفكرية لهذا التطور».
وقسم المؤلف بحثه الغني تحت العناوين التالية:
«أوجه الصراع في الملحمة».. وجعل هذه الأوجه نوعين أساسيين: الصراع الأول التناحري طورا والتكاملي أطوارا، بين الإرادات والآيديولوجيات. والنوع الثاني من الصراع، وهو الصراع النفسي داخل شخصية الإنسان. وتحت هذا العنوان أورد عناوين فرعية هي: أولا «انكيدو والراعي الصياد». ثانيا «انكيدو وشمخة». ثالثا «جلجامش وانكيدو»: 1- «التناحر».. 2- «الغربة».. 3- «التكامل». رابعا «جلجامش وانكيدو ضد خمبابا». خامسا «جلجامش وانكيدو إزاء عشتار وثور السماء». سادسا «انكيدو والموت». سابعا «جلجامش والبحث عن الخلود».
وأرفق المؤلف الدكتور حسين علوان حسين كل عنوان من هذه العناوين بشرح غني ونصوص الملحمة كاملة.
يقع الكتاب في 111 صفحة من القطع الكبير، وأربع عشرة صفحة من الملاحظات والهوامش والمصادر التي أغنت البحث القيم.
ولا يخلو الكتاب من اجتهادات جديرة بالمناقشة، كونها، في حدود ما أعرف، جديدة في هذا المجال من البحث في هذا الأثر الأدبي الإنساني العميق، الذي كان له تأثيره الكبير على الكثير من الآثار والملاحم الأدبية التي أعقبته في تاريخ الأدب والفكر الإنساني العالمي على مدى العصور.