بعد حقول الخاتون صدور حارس السلالة لحمزة الحسن : عن المهمشين والمنفيين ..

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
18/07/2010 06:00 AM
GMT



عمان - يلجأ الروائي العراقي حمزة الحسن المقيم في النرويج الى رواية حكايات العراق المعاصر من خلال مقاربات تبدأ من شاحنة لنقل الغجر وصولا الى مآسي الحروب والصراعات التي ميزت البلد خلال نصف قرن.

في "حقول الخاتون"، الرواية التي صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الاردن، يحكي الحسن عن ثورات الكرد فيما يبدو انها الرواية الأولى على مستوى العراق والدول العربية تتطرق الى هذا الموضوع.

وتتناول هذه الرواية تاريخ العراق من خلال ثلاثة اجيال تعيش في شاحنة غجر( كاولية بالعامية) مع صحافي يساري هارب بشبهة شيوعي، وهي تهمة غير صحيحة، وكردي هارب من السلطة ومن الحركة المسلحة الكردية: من السلطة بتهمة العمل المسلح، ومن البيشمركة بشبهة العمل مع السلطة. اليساري والكردي كانا يقفان في مكانين متعاكسين في حرب الجبل، وفي النهاية يلتقيان في محنة واحدة وموقف واحد وشاحنة واحدة، ويواجهان مصيرا مشتركا أواخر سبعينيات القرن العشرين (زمن الرواية) "لان الرابح لا يأخذ شيئا" بتعبير همنغواي.

تبدو الرواية لأول وهلة وكأنها سيرة تاريخية للغجر، وهو مظهر مموه رغم ان النص يتضمن الكثير من سيرة الغجر، لكنها في الجوهر تروي التاريخ من خلال المهمشين والمنفيين داخل الوطن الحقيقي، خاصة بعد أن روى الجميع حكاياتهم، وآن الأوان للضحية أن تروى حكايتهم، فليس من المعقول ولا من اللامعقول ان تُحرم من حق الحياة ومن حق روايتها.

وتعتمد الرواية اللعب السردي والوثيقة، وتزاوج بين الاشكال، ولم يكن من الممكن تجنب السياسة التي هي أمر فظ في عمل ادبي "كطلقة مسدس في حفل موسيقي" بتعبير ستاندل، لكن تم تجنب الخطاب السياسي، وفي بعض الحالات تم التخفيف من ضراوته الى اقصى حد.

رحلة الشاحنة من الجنوب (البصرة) الى اقصى الشمال في اربيل ـ بلدة ديانا المحطة الأخيرة ـ هي في الجوهر رحلة في التاريخ المسكوت عنه، والمصادر التاريخية التي يتم التناص معها هي في أغلبها مجهولة أو منسية عمدا أو سهوا أو جهلا، والمدن التي تجتازها ليست محطات وأمكنة بل محمولات لرموز وأساطير ومنظومات قيم وهوية وذاكرة.

و"حقول الخاتون" ليست رواية عن التاريخ بل فتح سجلات المسكوت عنه، اي التاريخ غير المروي، وهي ليست تاريخا ماضيا، بل الماضي المستمر، وربما الماضي القادم.

وتحاول الرواية ان تقول إن ما نعيشه اليوم هو انفجار التراكم لان هذا الاحتلال قديم، بل اقدم من تاريخه العلني، وبدأ منذ أن جُرّد الانسان من آدميته وذاكرته، منذ افراغه من المعنى وحشوه بالعطب. فالمخلوقات المهانة لا تخرج لصد غزو ولو كان غزو جراد: جملة تترد في الرواية كما ترددت في روايات سابقة لحمزة الحسن (مثل "صرخة البطريق("

وتحاول الرواية قراءة الاحداث من زاوية مختلفة، وتقدم تفسيرا للخراب، بما في ذلك خراب اليوم، من منطقة سرد ورؤية ونظرة روائية غير معهودة في الادب الروائي العراقي.  والنص في حالات واضحة يخضع نفسه للسؤال والفحص والكشف، ولا يخفي كونه يسرد ويقترح ولا يتوقع شيئا، وهو اذ يمارس أحيانا أشكال السرد التقليدي، لكن من الواضح ان عناصر كثيرة من السرد الحديث متوفرة فيه مثل الحلم والشطح واللامتوقع ولامركزية الشخصية وتعدد بؤر السرد والصدمة والدهشة وتداخل الازمنة في الحدث، أو الأحداث وغياب الملامح المحددة المجهرية للشخصيات.

والسقف الزمني للرواية هو عام 1979 وحتى منتصف عام 1980، لكن العمق الزمني يعود الى تاريخ العراق القديم من خلال سرد روائي متداخل.

"حقول الخاتون" هي محاولة الحسن الروائية الثالثة منذ الاحتلال في سرد جذور الاحتلال (الاولى "صرخة البطريق"، والثانية "حفرة فيراب") التي تغرد من خارج منطق الخطاب السياسي الدعووي التبريري الذي لا يفسر شيئا، ووسائل الاعلام وسرديات الايديولوجيا.

اذا كانت أحداث الرواية تنتهي في النصف الاول من عام 1980، فانها تتضمن كل الاحداث اللاحقة، كما لو ان الاحداث سلسلة تناصات، وكل نص ينتج نصا اخر، مع ان الكاتب يأتي في العادة الى الاحداث من النهايات كما لو انها بلا جذور، او تحال الاسباب الى الغيب، وهذه خاصية مشرقية وعربية معروفة.

ويحاول الروائي في هذا النص تحقيق الأمل الشخصي في سرديات تنتقل من التاريخ الى الحب، ويتوضح هذا في نهاية النص.

حمزة الحسن روائي عراقي متميز يلج عوالم التجريب غير هياب، في محاولة منه للوصول الى رواية حداثية قادرة على خلق بنى سردية أكثر ديناميكية. عمل في الصحافة فترة قصيرة في العراق، ثم هرب الى الخارج عام 1988، وسجن في كل من ايران وباكستان لعبوره الحدود (غير الشرعي) على الاقدام، وحررته الامم المتحدة عام 1991 من سجن كويتة الباكستاني، ورُحّل الى النرويج حيث يعيش اليوم.

صدرت للكاتب الروايات الآتية: سنوات الحريق ـ 2000، دار الكنوز (بيروت)؛ عزلة أورستا، وعنوانها الفرعي: سرقوا الوطن، سرقوا المنفى ـ 2001، دار الكنوز؛ المختفي:دار الواح (اسبانيا)، عام 2000؛ الأعزل-2000: سيرة ذاتية روائية، دار بيرغمان،)النرويج) ، ومؤسسة الانتشار العربي 2006، طبعة ثانية؛ صرخة البطريق- 2007، دار أزمنة (عمان)؛ حفرة فيراب- 2008، دار الناقد الثقافي (دمشق) مع أربع روايات جديدة بعضها تحت الطبع.

ذكرت دار فضاءات للنشر والتوزيع انها  اصدرت هذا الاسبوع رواية "حارس السلالة" لحمزة الحسن والتي تبدأ من حدث استثنائي في حياتنا هي لقطة منسية للرئيس العراقي السابق  بعد اعدامه وهو ينُقل بطائرة مروحية الى سيارة بيك اب صغيرة بيضاء لنقل الاغنام والخضروات والى المقبرة ومن خلال هذا المشهد العبثي والمفرط في الغرابة يجري استعراض وتفكيك ظاهرة الدكتاتورية وهي ظاهرة تاريخية اجتماعية ثقافية.

 في الروايات التي صدرت للروائي بعد الاحتلال هناك تكرار لمقولة مقصودة في كون هذا الاحتلال ليس جديدا وانه حدث قبل هذا التاريخ منذ أن تم تحويل الانسان الى حشرة وأفرغ من آدميته وذاكرته والانسان المهان لا يخرج لصد غزو حتى لو كان غزو جراد وبهذا الربط أقام الروائي جسرا بين الدكتاتورية والتاريخ والتخلف والاحتلال عكس السائد من أعمال روائية تراوح بين شتم الدكتاتورية أو سب الاحتلال واستعراض المساوئ التي يعرف الانسان العراقي اليوم الكثير والمفزع منها ولكنه بحاجة الى خلخلة وعيه وصدمه بقناعات ويقينيات خاطئة ومقدسة احيانا حتى لو كان يؤدي الى ذلك الى غضب الجمهور لأن هذا هو آخر ما يفكر فيه الروائي ومهمته الاشتغال على ما يهمله الاخرون من تفاصيل منسية ومسكوت عنها ومهمشة لأن التاريخ الحقيقي يصنعه المهمشون خارج التاريخ المروي من السلطة، اية سلطة.

 المهمشون عنصر رئيس في اعمال الحسن: سيرته الذاتية الروائية "الأعزل" تناولت تاريخ العراق مروي من قبل عالم المعدان، وفي رواية" صرخة البطريق" تطرق لتاريخ العراق مروي من قبل مشردين وضائعين ومهمشين يعيشون في " خان" وتحكي انعكاس احداث كبرى عليهم، وفي رواية" حفرة فيراب" تروي من خلال أخرس ـ لأول مرة يروي أخرس حكاية التاريخ ـ  ومشرد ومجهول الاصل والاسم حكاية التاريخ في حرب الخليج الاولى الى الاحتلال مرورا بتاريخ العراق القديم من خلال علاقة انسانية مع صاحب المقهى الأرمني يوسف وتتعرض لتاريخ الأرمن في العراق، ورواية" حقول الخاتون" هي ايضا التاريخ العراقي القديم والحديث مروي هذه المرة من قبل كاولية ـ غجر.

 والروائي يكرر القول: ان الجميع روى حكاية السلطة من الدكتاتور الى الجنرال ومن الخائن الى السفير والانقلابي وزعيم الحزب والتاجر والطبال والسياسي والفاجر والدعي والفقيه وان الأوان  لسرد هذا التاريخ من قبل الضحايا والمهمشين والمنبوذين والمطرودين من الفرح والمسرة والأمل والنوم السعيد والخبز والكرامة.