المفكر الاسلامي عبد الجبار الرفاعي يتحرى بدايات التحديث الكلامي في النجف وقم

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
31/03/2010 06:00 AM
GMT



صدر للباحث في مجال نقد الفكر الديني عبد الجبار الرفاعي، كتاب "تحديث الدرس الكلامي والفلسفي في الحوزة العلمية" متناولاً نموذجين بارزين في هذا الإطار لمدرستي النجف العراقية وقم الإيرانية.
الكتاب الذي صدر عن دار المدى يقع في 300 صفحة وهو جزء من أطروحة دكتوراه نوقشت قبل خمسة أعوام في جامعة المصطفى، كما أنه حلقة أخرى من اهتمامات الرفاعي الذي يتولى منذ نحو 15 عاماً التعريف باتجاهات النقد والتطوير داخل الفكر الديني عبر مجلته "قضايا إسلامية معاصرة" التي قامت على نحو خاص، بالتعريف بجهود مفكرين ونقاد إيرانيين بارزين مثل عبد الكريم سروش وداريوش شايغان ومصطفى ملكيان وغيرهم، ممن حاولوا تقديم قراءات مختلفة لمفهوم الدين.
لكن الرفاعي يحاول في كتابه الجديد البحث عن بدايات التحديث النقدي في لاهوت المدرسة الشيعية ضمن نموذج محمد باقر الصدر في الستينيات، ومعاصره محمد حسين الطباطبائي. حيث حاول الأول الاستعانة بفلسفة العلم المعاصر لتقديم شكل لاهوتي مختلف، بنيما أخذ الثاني على عاتقه إحياء مدرسة صدر الدين الشيرازي. وتتضمن متابعة الرفاعي لهذا الحقل دعوة إلى الانفتاح على الدرس النقدي المعاصر في الغرب لتطوير الدرس الفلسفي في المعاهد الدينية وجعلها قادرة على فهم تحديات مختلفة تواجه مقولات الفكر الديني.
يقول بهذا الصدد" من المعلوم ان الفلسفة المعاصرة تتكئ بشكل أساس على معطيات العلوم الانسانية الجديدة اذ يسعى الفيلسوف في الغالب لتوظيف النتائج النظرية في علم النص مثلا في قراءة وتحليل وتفكيك النص الفلسفي ويستعين بها في تأسيس رؤى واشادة مقولات وبناء نظريات جديدة عبر اعادة تأويل التراث واستدعاء ما يزخر به من كنوز".
ويمضي قائلا انه "ينبغي التفاعل الايجابي مع منجزات العلوم الانسانية المعاصرة بعد دراستها وغربلتها واصطفاء ما هو صواب وذو صبغة انسانية عامة منها لان من مقومات اكتشاف الذات التواصل مع الآخر" .
وبعيدا عن هذه الدعوة قريبا من كتاب الرفاعي يتوقف الأخير، في الفصل الأول من الباب الأول، عند مفهوم علم الكلام وظروف نشأته ممهدا لفكرة أن علم الكلام راكد وقاصر ويعزو الأمر الى : هيمنة المنطق الأرسطي ووجود نزعة تجريدية وتفريغ علم الكلام من مضمونه الاجتماعي اضافة الى تراجع دور العقل وغلبة النقل في بنية العلم فضلا عن ان التوحيد القرآني لا يتوافق مع البنية التقليدية لعلم الكلام.
ويمضي عبد الجبار الرفاعي في الفصل الثاني داعيا الى ضرورة تحديث التفكير الكلامي من خلال تحديث المنهج وهو ما حاوله المفكر محمد باقر الصدر كما يرى المؤلف في الفصل الرابع لاسيما ان الصدر تمتع باخلاق فاضلة واخلاص للعلم يصل حد الزهد كما يوضح المؤلف بالتفصيل مستنيرا بسيرة الصدر العلمية والانسانية ومتوقفا بشكل موسع عند تجديده في علم الكلام والتفسير واصول الفقه وفقه النظرية واستثماره المناهج الغربية الحديثة التي غالبا ما يصد عنها الفقهاء الآخرون .
يقول الرفاعي بهذا الصدد " لقد انتقل الصدر بتفسير القرآن من التفسير التجزيئي الى التفسير الموضوعي التوحيدي الذي يوحد بين التجربة البشرية والقرآن ويصوغ المركب النظري القرآني حيال متطلبات الحياة المتنوعة وهو ما لم نعثر عليه في جل المحاولات التي جاءت بعد مشروع الصدر او سبقته بقليل واسمت نفسها تفسيرا موضوعيا".
اما في الباب الثاني فيتوزع جهد الباحث على عدة محاور تتصل بالدرس الفلسفي الفاعل في منظومة الحوزة العلمية الى اليوم ويتوقف في هذا الباب المكون من اربعة فصول عند تعريف الفلسفة والسفسطة وكون الفلسفة محور العلوم ثم يتوقف عند تقسيمات الفلسفة الكلاسيكية ومسائلها وتاريخها وقضايا الجدال والاختلاف التي اعتملت مباحثها.
في الفصل الثاني يقف عبد الجبار الرفاعي عند نشأة الدرس الفلسفي ومساره في الحوزة العلمية في النجف. وفي هذا الفصل يمهد الرفاعي لدور العلامة محمد حسين الطباطبائي في تحديث التفكير الفلسفي . يقول الباحث" اعتمد الطباطبائي في بحثه الفلسفي على الاسلوب البرهاني في عملية الاستدلال واجتنب ما لجأ اليه بعض الفلاسفة والباحثين في الفلسفة الاسلامية من الاستعانة بالشعر والنصوص الصوفية والعرفانية والعبارات الذوقية مثلما نلاحظ في تراث الفلسفة المشرقية بعد ابن رشد بعد التفاعل الواسع الذي حصل في مدرسة اصفهان بين المدارس الفلسفية والكلامية والعرفانية".
وفي هذا المحور يؤكد عبد الجبار الرفاعي ان ابداعات الطباطبائي "لا تقتصر على ما تقدم وانما كانت له آراء مبتكرة في غير واحدة من مسائل الفلسفة المتوارثة فمثلا نفى ان يكون ـ الاين ـ مقولة مستقلة مقابل المقولات الأخرى ففي تحليله لحقيقة هذه المقولة وجد انها تعود الى مقولة الوضع بناء على ان حصر المقولات بعشر ليس حصرا عقليا وانما هو بالاستقراء " .
وخلاصة الأمر كما يعتقد الرفاعي ان الدرس الفلسفي في الحوزة العلمية بالنجف ظل راكدا لقرون الى ان جاء الطباطبائي وحرك ما ركد منه. واسباب ركود الدرس برأيه ـ الرفاعي ـ هي ان "معظم اساتذة الفلسفة في الحوزة يعنون بالعرفان الاسلامي عناية خاصة فيعكفون على دراسة بعض المؤلفات الاساسية في هذا الحقل ".
ويضيف" نحسب انه لا يوجد من اساتذة الفلسفة او الفلاسفة في عالمنا اليوم تراكمت لديه خبرة متميزة في شرح وتوضيح وتحليل النصوص الفلسفية والعرفانية في التراث الاسلامي كالخبرة التي لدى هؤلاء الاساتذة".