قانون الروزخونية

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
21/11/2009 06:00 AM
GMT




"الروزخونية"، هم رجال دين من الدرجة الثالثة فما دون. أغلبهم ذوو تعليم متدنٍّ لا يتعدى المرحلة الابتدائية، أو المتوسطة في أفضل الأحوال، والمدرسة الدينية الأولية.. يصل عددهم الى آلاف عدة، وربما عشرات الآلاف. وهم فئة غير منتجة، لكنهم يحصلون على دخل يزيد عما يتقاضاه العمال الماهرون، بل إن بعضهم يتقاضى أضعاف ما يحصل عليه الطبيب، أو المهندس الاختصاصي.. مهنتهم الوحيدة الكلام، ولا شيء غيره، بكل ما ينطوي عليه هذا، في كثير من الأحيان، من حيلة وكذب ودجل وتلفيق ومبالغة وتضخيم وتزوير لوقائع التاريخ.. يقولون القليل من الحقيقة، والكثير من الخرافة، بنبرة حماسية أو مثيرة للأسى والحزن والشفقة. كل هذا لأجل الثأثير في جمهورهم المؤلف في الغالب من الناس البسطاء الأميين وأنصاف المتعلمين.
في السابق، كنت تتعرف إليهم من ملابسهم: الجبة والعمامة، لكن بعضهم، بخاصة ممن انضم الى الحركات السياسية الإسلامية، أخذ يرتدي القميص والبنطال والجاكيت.. بل لم يتوان أخيرا، حتى عن التمندل بربطة العنق الأنيقة بعدما كان يستبشعها، بدعوى أن مرتديها يتشبه بالنصارى (الإسلاميون المتشددون يرون أن ربطة العنق تشبه الصليب!!).
المهم أن الروزخونية، سواء كانوا بجبب وعمائم أم بقمصان وبناطيل وجاكيتات.. بربطات عنق أم من دونها، هم الذين يهيمنون على السلطة في العراق اليوم (أغلبية مقاعد البرلمان والحكومة)، وهذا بفضل الأميركيين الذين جاؤوا بهم الى السلطة والإيرانيين الذين ثبّتوهم فيها. ومع أن الكثير من هؤلاء قد تلقى تحصيلا جامعيا، البعض منهم من جامعات في الغرب، فإن عقلية الروزخون وصفاته، تلازمهم حتى وهم في قمة المسؤولية السياسية.
في كثير من المناسبات تجلت روزخونية أعضاء البرلمان العراقي (نتحدث عن الأكثرية وهم أعضاء الأحزاب الإسلامية) بأوضح ما تكون. هم يحبون المال، وقد عملوا من أجل أن تكون لهم رواتب ومخصصات مالية كبيرة، وامتيازات لا سابق لها، كقطع الأراضي، والمساكن في أحسن المناطق، والحمايات الكبيرة، وجوازات السفر، لهم ولعوائلهم، حتى بعد انقضاء ولايتهم. وهم يحبون المأكل والملبس واكتناز المال والعقارات في الخارج غالبا.. الخ.
آخر مناسبة تجلت فيها روزخونية الأكثرية من أعضاء البرلمان العراقي، هي تعديل قانون الانتخابات البرلمانية.. فلقد تجسّدت الحيلة والمكر والخداع والتلفيق في هذه المناسبة، كما لم تتجسد في مناسبات أخرى من قبل. فهم ماطلوا اكثر من ثلاث سنوات في تعديل القانون، وتركوه الى اليوم الأخير ليضعوا الناس ومفوضية الانتخابات أمام الأمر الواقع ولكي لا يتيحوا إلا خيارا وحيدا، وهو القبول بهذه الصيغة، أو الإبقاء على القانون القديم الذي ترفضه أغلبية الشعب العراقي، وهو ما اضطر المرجعية الشيعية في النجف الى مجاراة ما يريده الناس. وبينما كان العراقيون، ومعهم المرجعية، يريدون قانونا انتخابيا يكرّس نظام القائمة المفتوحة، فإن الروزخونية الذين استقتلوا للإبقاء على النظام القديم (القائمة المغلقة) الذي بفضله فقط استطاعوا أن يصبحوا أعضاء في البرلمان، مارسوا هذه المرة أحد تقاليدهم الراسخة (الاحتيال)، فأوجدوا صيغة تسمح بالترشح والانتخاب الفردي، الى جانب القائمة المغلقة، وهم بالطبع سيتقدمون الى الانتخابات بقوائم، ما يعني أنهم سيضمنون وصولهم مرة جديدة الى البرلمان.
الروزخونية ينشطون عادة في الزوايا المعتمة من المجتمع، وروزخونية البرلمان العراقي ليسوا استثناء، فهم يعولون على الفئات الأكثر جهلا وتخلفا في المجتمع العراقي. ولهذا زادوا من عدد مقاعد البرلمان، وأنقصوا من حصص الكيانات القومية والدينية الصغيرة.. وكذلك من حصة المهجرين والمهاجرين في الخارج.. هؤلاء الأخيرون يستحقون ما يزيد عن 25 مقعدا، لكن روزخونية البرلمان أعطوهم ثمانية فقط، لأنهم يعرفون أنهم لن يصوتوا لهم، فأغلبية المهجرين والمهاجرين، هم من النخبة عالية التعليم (أطباء، مهندسون، مثقفون، رجال أعمال، أرباب مهن..).
في برلمان 2010 العراقي سترجح أكثر كفة الروزخونية الذين لا خير يرتجى منهم، فلا ينتظر العراق منهم إلا المزيد من التخلف، والتجهيل، ونهب المال العام، وعدم الاستقرار، وإثارة الصراع الطائفي والقومي.
لقد احتالوا على الشعب.. ولا خيار أمام الشعب إلا تصعيد الدعوة الى مجلس الرئاسة بعدم التصديق على القانون الجديد، وردّه الى مجلس النواب لتعديل البنود التي تهضم حقوق الشعب.