في الذكرى التاسعة عشرة لرحيله .. صحيفة المدى تستذكر غائب طعمة فرمان

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
07/09/2009 06:00 AM
GMT



اقامت المدى بيت الثقافة والفنون في شارع المتنبي حفلا استذكارياً بمناسبة مرور (19) عاماً على رحيل الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان وذلك بحضور عدد كبير من النقاد والاكاديميين والروائيين. أفتتح الحفل الناقد والباحث باسم عبد الحميد حمودي بالحديث عن ذكرياته مع الراحل فذكر انه تعرف عليه بعد قيام ثورة 14 تموز  وظل ملازماً له حتى يوم مغادرته العراق في عام 1961، وكان ينتابه اليأس والحزن لمرأى التشظي الذي اصاب الثورة. ولما وصل موسكو مغتربه الاثير على نفسه، أنفتحت قريحته الروائية بعد ان كان هنا في بغداد يكتب القصة القصيرة عبر مجاميعه (حصيد الرحى) و(مولود آخر) غير انه أجاد كتابة  الرواية في منفاه اجادة لافتة، وعبر من خلالها عن الموضوعة المحورية في مختلف اعماله الا وهي موضوعة الاغتراب

وبعد ذلك تحدث الناقد والقاص ناجح المعموري الذي بدوره شكر المدى على اتاحتها الفرصة له للحديث عن الراحل قائلاً: ان غائب طعمة فرمان سيثير الكثير من الجدل والنقاش ولكنني سأكتفي  بالحديث عن تجربة متميزة في مسيرة فرمان الروائية الحافلة، هذه التجربة تمثلت في روايته (المخاض) التي تعد  واحدة من اخطر الروايات العربية قياساً بمرحلتها وزمنها اذ تميزت بمغايرتها الفنية لمعظم اعماله الروائية، وقد تبدى من خلالها التعامل اليومي وقد تحول الى رموز ودلالات عبر استخدام الروائي لآلية المجاز الذي يحمل قدرات خاصة على تحويل يوميات المحيط الاجتماعي العام لاسيما الشعبي منه الى خلق بحساسية خاصة، علما ان غائب بدأ شاعراً، غير انه  اكتشف فيما بعد انه لم يخلق للشعر، ولكن بقيت  ملكة الشعر فاعلة لديه بنحو واضح.
وأوضح المعموري ان الحديث عن (المخاض) يعني الحديث عن شخصية كريم داود والسائق  نوري ابرز شخصيتين في احداث الرواية وقد توفرت لهما خصائص دلالية  وتعبيرية لما انطوت عليه قسماتها من ايحاءات. 
كما يمكن ان نقول ان شخصية كريم داود في (المخاض) امتداداً لشخصية سعيد في (خمسة اصوات) كليهما يغتربان، كريم داود يختار اوربا منفى وسعيد يختار القاهرة، وهما يغتربان لذات السبب السياسي. حين يعود كريم داود في عام (1961) الى بغداد ويتوجه الى الحي الذي كان يقطنه وأهله يجده مهدما بالكامل، وهنا تنبثق دلالات عدة اذ يجري ربطها مع احداث عام (1961) فيقوم كريم داود بالبحث عما غاب عنه، غرفته والحي الذي سكنه، فلا يجد من يدله عليهما، واخيراً يستأجر غرفة في بيت نوري السائق الممثل الشرعي لطبقة صغار الكسبة والحرفيين..تمسي هذه الغرفة ومحتوياتها مخزناً  للدلالات سيما السلك الكهربائي المتدلي من السقف من دون ان ينتهي بمصباح الامر الذي يمكن تأويله بأن الطاقة موجودة في تلك المرحلة ولكن من دون ان يتم استثمارها.
وبوجه عام لم يستطع غائب ان يعبر عتبة التعامل السطحي مع الاحداث لاسيما ثورة 14 تموز ذلك الحدث الكبير وهو ما يتناقض مع توجهاته الايديولوجية الشيوعية، وقد تبدى هذا الامر في عدم وعيه لآليات الصراع الدائر بين قوى الثورة ومناصريها وبين اعدائها من جهة اخرى. 
تلت ذلك مداخلة الدكتور عقيل مهدي التي تمحورت  في علاقة روايات فرمان بالمسرح حيث اشار: ان اعمال غائب طعمة فرمان توفرت على شرط اساس من ضمن ثلاثة شروط ينبغي توافرها في فنون السرد والدراما على حد سواء، فقد حفلت سردياته، بما نسميه (الدرامية) التي هي بالاضافة الى (الوصفية) و (التعبيرية) تشكل اركان نجاح اية عملية ابداعية، وعندما تعامل (قاسم محمد) مع عمل (غائب) النخلة والجيران انما كانا يقفان على ارض واحدة.
واضاف مهدي: ان آلية التراسل بين الاجناس الابداعية، تلك الالية الفعالة في رقي تلك الاجناس بالنسبة لاي بلد، تعوزنا هنا في العراق والسبب عائد لفقدان معظم اجناسنا الابداعية احد أواكثر اركان الابداع وهي (الدرامية والوصفية والتعبيرية)... ان رواية المخاض تشكل فاصلة ليست للرواية العراقية حسب وانما ايضاً بالنسبة لخارطة الرواية العربية، وما تناوله غائب في (المخاض) هو ذاكرة  المحو.. اذ ظل كريم داود تائهاً لايجد ماضيه ولايعرف حاضره.. وقد استشهد الدكتور عقيل بمقولة الكاتب الروسي الكبير تولستوي حينما كان في زيارة الى ايطاليا اذ قال (لا استطيع كتابة سطر واحد خارج روسيا..).. ما يعني ان الكاتب مرهون الذاكرة بموطنه الاول وحياته الاولى اينما حل وارتحل. وهذا حال الكثير من الروائيين العرب والاجانب على حد سواء.
اعقب ذلك ملاحظة مقرر الجلسة الناقد باسم عبد الحميد حمودي انه كان يرغب في ما  لو توفر للجلسة ناقد سينمائي كي يلقي ضوءاً على علاقة روايات وقصص غائب بالسينما، ثم تم عرض فيلم وثائقي بعنوان (مركب غائب) من اخراج فريد شهاب وانتاج مؤسسة المدى.
إذ تحدث خلاله عدد من المهتمين بشؤون الرواية والنقد والفن، عن روايات غائب طعمة فرمان،وابداعه المتجدد فيها. فضلاً عن مجموعة صور مثلت فرمان في مختلف مراحله العمرية. ولقي الفيلم الاستحسان من قبل الحضور. 
بعدها قدم مقرر الجلسة الروائي والناقد جاسم عاصي ليقرأ مداخلته على الجمهور وقد ابتدأ حديثه بالقول: ادعو من هذا المنبر الثقافي الى اقامة حلقة دراسية لاعمال غائب وفقاً للمناهج الحديثة واقترح تكليف الباحثين والنقاد لكتابة تلك الدراسة، واضاف: سأتحدث عن ثلاثية الذاكرة والزمان والمكان، وسأبدأ برواية رواها المرحوم قاسم عبد الامير عجام اذ قال عندما وصلت الى موسكو لا اعرف اللغة، طلبت ان أصل الى بيت برهان الخطيب عبر التاكسي، وعندما نزلت في الشارع المؤدي الى بيته صادفت رجلا قصير القامة يحمل اكياسا فيها مواد غذائية، فصرخت برهان فسقطت  من يديه اكياس الطعام، وصرخ هو الاخر قاسم: وهنا فعل الذاكرة  لدى الاثنين.. تعانقا وبكيا ودخلا الى الشقة، فزكمت انف قاسم رائحة فصاح من اين لك بالباقلاء فقال جلبها لي ولداي  فسألته وكيف ستكملها فاراني كيسا من اقراص الخبز العراقي ثم  هاتف احدهم وبعد مضي فترة فاذا بالباب يطرق ويدخل غائب الى الشقة.
 وفي رسالة من غائب الى عبد الرحمن منيف يقول له: عندما اصل أي مطار عربي أتحدث مع اول واحد اقابله بلهجة أهلنا.. فكدت انسى اللهجة البغدادية، في زيارته ايام السبعينيات  بغداد اول ما توجه الى ساحة الميدان، وعلل ذلك بالقول: اريد سماع لهجتي التي طال بي الفراق عنها..
في تصريح يقول: انا في الغربة يعجبني ان اتحدث عن اجواء بغداد كنوع من الاتصال الروحي مع الوطن، وعلى الرغم من طول الزمن الذي قضاه في المنفى فأنك تحس انه يكتب معايشا لها يوميا..
غائب يشكل ظاهرة في الرواية العراقية لاسيما تناوله القاع الشعبي، ومثله مثل منير عبد الامير، وحسين ياسين، وناطق خلوصي، عبد الجليل المياح.. عام 1965 كان معلماً في الصحراء، وكنت  جالساً قرب المحطة، وسمعت ذبذبات اللاسلكي، فتذكرت انني قرأت مثل هذا الكلام، فتذكرت (جواد السحب الداكنة) لعبد الجليل المياح فمن اين أتى بذلك؟ فرجعت الى سجل المعلمين فوجدت اسمه.
 المكان العراقي يتمتع بقدرة هائلة على أبراز سمات الشخصية وسلوكها في الشارع والمحلة والمشرب وغيرها.
ليس غائب معنياً بوصف الحالة النفسية لأبطاله وعندما يحتاج ان يصل الى هذه الحالة فأنه يذهب الى الطبيعة وتقلباتها..
ادعو الى تجديد قراءة غائب طعمة لأننا سنحصل في كل قراءة على حصيلة جديدة. 
ثم عقب الناقد باسم عبد الحميد بنتف من الذاكرة لاسيما سنوات 54/ 55/56 وقد ازدهرت القصة القصيرة بنحو كبير ولم تبدأ الرواية الاعلى يد الروائي غائب طعمة، واختتم الحفل بوعد باللقاء مع مبدع عراقي آخر.