المقاله تحت باب في السياسة في
25/08/2009 06:00 AM GMT
لقد انتهى الزمن الذي كنا نخشى فيه الفيضانات المرعبة وما تخلفه من تدمير وجوائح تفتك بالالاف . المياه التي كنا نخشاها، والتي اقمنا منظومتنا الهيدرولوجية بمقتضى ذلك ، لمجرد ان نلجمها ونحجزها درءا من غضبها، راحت تتناقص. نهرانا الباسلان التاريخيان هما الآن في حراسة مشددة من المنبع حتى حدودنا الدولية ، بعد ذلك يبدأ الاهمال والهدر والرقص على انغام العصبيات بجميع الوانها. الفرات الذي يتردد اسمه في الكتب المقدسة جرى تقطيع اوصاله بسدود ضخمة في تركيا وسوريا مستفيدين منه لاغراض الري وتوليد الكهرباء. الامبراطورية الشاهنشاهية قامت منذ الثلاثينيات من القرن الماضي بتحويل وقطع الانهر التي تصب في دجلة، والسياسة نفسها اتبعتها الجمهورية الاسلامية في سباق غريب من اجل تسييس الطبيعة وقومنتها والحاق الأذى بالعراق. والى حين ان تكتمل مشاريع تركيا على دجلة فعلينا ان نتوقع ان هذا النهر الذي يمنح بغداد القها موعود ليصبح مجرد (شاخة) متهالكة تمتلك قعقعة الاسم والماضي التليد ليس الا. إن ما اعطتنا اياه الطبيعة اخذته السياسة. اضطرارات جيراننا وتوقعاتهم وخططهم المائية، وهاجسهم الذي لا يكل لتوفير الغذاء والطاقة لشعوبهم، وهو ما نحييهم عليه، قابله عندنا سوء سلوك سياسي واخلاقي لانظير له ازاء مصالحنا وأمننا المائي والغذائي. حروب واهمال وتذكر متأخر حدث بعد أن بات الماء سلعة سياسية في تاريخ تتناثر فوقه حالات الندرة وسياسات التقتير. والآن في لحظات الضعف، في لحظات يتنمر فيها جيران العراق ويفرضون شروطهم، لا يمتلك العراقيون سياسة مائية واضحة، بل يستثيرون همم جيرانهم الاخلاقية ويتقبلون عن طيب خاطر صدقاتهم. وما همّ الجيران الذين يربحون من العراق مليارات الدولارات بتصدير اسوأ السلع عليه إذا ما اظهر سياسيونا عجزهم الفاضح في حل المشكلات السياسية والفنية لقضايا المياه، وإذا ما واصلوا سياسة الترف النفطي، وإذا ما تلهوا كعادتهم بالولائم والعزائم واللصوصية؟ ما من قانون يلزم الجيران حتى ولا القانون الدولي في غياب ارادة سياسية داخلية ، واصطفاف شعبي ووطني واسع وراء دولتهم الوطنية. بلاد ما بين النهرين هي التي انتجت جميع الاساطير المتعلقة بالمياه ، ابتداء من ظهور الخليقة على سطحها، وازدهار الحضارة بسببها، حتى دمار الحياة بجيشانها وغضبها. اليوم بعد الشحة وانعدام اليقين وعدم احترام الحياة علينا ان نكتفي بالسمعة وحدها. الاساطير تستبدل على اية حال. بل هي تبدو احيانا ضربا من اعادة ترتيب طباقية ، من قبيل : مات غرقا ومات عطشا! إن دموزي الهابط الى الارض من الموت قد يماثل آخر يهبط بطائرة ويسجل وزيرا ثم يعود بثروة من ارض النفط والقحط هذه. في الماضي كانت الالهة البابلية تنزل الى الحقول وتعاني ما يعانيه الفلاح العراقي، والآن من يستطيع ان يكذّب وزير الخصب والنماء الرسالي إذا ما ادعى أن عيناً تفجرت تحت اقدامه المباركة؟ في الحالة العراقية الحالية التي يقوم فيها الوزراء بتوزيع زوجاتهم واخواتهم واخوانهم في مناصب قيادية، ويحاول وزير التجارة العراقي الفرار من المساءلة القانونية، وتدور الشبهات حول عشرات المسؤولين، لا يبقى للعراقيين غير الاستماع الى الخطب الاخلاقية العصماء، التي تذكرهم بأن ارضهم هي مهبط الالهام الانساني الاول، وأن سلالتهم ترجع الى 5 الاف سنة، وأنهم من اخترع العجلة والكتابة والقوانين، وأنهم من طوعوا النهرين لاغراض الزراعة والسباحة وركوب الاهوال السندبادية. سيكون هذا التذكير فعالا جدا قبل وجبة تمن ومرق وفي حفل يقوده وزير الرافعات الشوكية ادامه الله!
|