ابنة فهر في مأزق

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
27/05/2009 06:00 AM
GMT



احتفالات هذا العام بعيد المرأة العالمي في العراق كانت حافلة، متعددة النشاطات، وجرت في جو من الحرية. يبدو ان الاستقرار الأمني اسهم في ذلك على عكس السنوات السابقة. على الرغم من ذلك أراني غير متفائل، لساني ثقيل وانا اهنئ المرأة العراقية. إنني اخشى من ارتفاع درجة حرارة الاحتفالات في البيئة العراقية التي تسود فيها ميكانيكيا رد الفعل والعلاقات الطردية. فجميع الوقائع تشير الى أن وضع المرأة العراقية لم يتحسن بل انتكس، تراجع ولم يتقدم. لا اقول هذا بالاعتماد على مشاهداتي وتقصياتي حسب، بل ولأن ناشطات معروفات في الحقل النسوي، المحتفلات بعيدهن الرغيد الذي هيمنت عليه اجواء الحرية وعدسات الكاميرات وتوزيع الحلوى والاغاني، تأكيدا على تضافر النعيم الامني والحيوية النسائية ، هن من اعترفن بذلك.  سوف انقل لكم عينة من هذه الاعترافات: ترى ميسون الدملوجي ، النائبة ورئيسة تجمع نساء العراق، ان جميع (الانجازات) التي حصلت عليها المرأة "حبر على ورق". نوال السامرائي، وزيرة شؤون المرأة المستقيلة بشجاعة وصفت وضع المرأة في بلادنا بأنه "كارثة" وأعطت ارقاما لشرح هذه الكارثة.  وزيرة البيئة نرمين عثمان – لأنها وزيرة غير مستقيلة – تنقلت ما بين مكاسب الدستور والقوانين وفقر الواقع ثم قالت "حتى اليوم حصلنا على القليل والمتبقي كثير جدا".
بناء على جملة السيدة عثمان الاخيرة أزعم أن القليل يمكن أن يقلّ، والمتبقي يمكن أن يتكاثر. من يضمن لنا العكس؟ نضال المرأة كما تفترضه الناشطات؟ السلطة؟ الدولة؟ القوانين؟ سنقدم مثالا  بسيطا من الوقائع السياسية : في الانتخابات الاخيرة كانت القوائم المفتوحة اكثر ديمقراطية بيد انها اشعرت المرأة بضعفها مرتين : مرة في التعتيم عليها كامرأة وتمزيق صورها علنا ومرة في النتائج الانتخابية وتقاسم المغانم  الرجولية. إن ما هو غير مكتوب، المعاش، يظل اقوى من القوانين والدستور في القضايا التي يتواطأ فيها السياسيون انفسهم على غض النظر والصمت او الضحك على الذقون. 
من الفرق ما بين الواقع القانوني والواقع الاجتماعي، من الهوة ما بينهما، من الفراغ، سيظهر بعض السادة قائلين : هذا هو الواقع! ولسوف يماثلون ما بين الواقعي والحقيقي، وهي مماثلة قديمة عرفتها المانيا من ايام هيغل. ولسوف يظل القانوني لامعا والواقعي بائسا. وكلما ازداد الفرق بينهما ذهبا الى الاطراف لكي يستديرا من الجهة الخلفية التي لا ترى ويلتقيا ببعضهما البعض التقاء الظلال بالمرايا، حيث الواقع لا يعود واقعا والمثال لا يعود مثالا، حيث الاديولوجيون يفصّلون ثيابنا، حيث السلطة تنفذ قوانين فارغة، ورجال الفضيلة والاخلاق ينفذون قوانين واقع صار مثالا، حيث النفاق العادي يؤسس على قواعد الفكر وارادة الناخبين الديمقراطية!