الاحتفاء بالمدن والأصدقاء والموت:عظمة أخرى لكلب القبيلة لسركون بولص |
المقاله تحت باب منتخبات محمد نجيم: جاء ديوان ''عظمة أخرى لكلب القبيلة'' في حوالي 232 صفحة من الحجم المتوسط، وقد جاءت نصوصه في ستة أبواب غير معنونة، كل باب يشتمل على عدد كبير جداً من القصائد، مما يجعل القارئ أمام ملحمة وسيمفونية حقيقية من التجارب الإنسانية التي اجتازها الشاعر متجولاً في بقاع كثيرة من العالم. عنوان الديوان وضعه الناشر، وهو حابل بالدلالات، لأنه مستمد من الخطاب الشفاهي العربي والمقصود به إلهاء الكلب حتى قضاء الحاجة، وهنا لها دلالة ''لعبة الكلب التي تمارسها دول الغرب الرأسمالي على الدول الصغيرة والشعوب المستضعفة ومن بينها الدول العربية''، حيث تشغلها بقضية تافهة عن القضايا الكبرى والأساسية، مثل قضية الأرض وقضية الوحدة وقضية الكرامة والاستقلالية والديمقراطية وغيرها. وهذه العظمة هي أيضاً الجسد الأنثوي والخمرة واللهو. وتشكل الغربة ثيمة من الثيمات الأساسية التي كتب عنها الشاعر. نقرأ في نصه ''فجوة الأزمنة المتاحة'': ''لا حدّ لهذا الهُجران، أُزاوله كأنه عادة مزمنة، أثْقل من فيل هرم يتربعُ في/ مَرْجة محصودة بلا عشبة، وفي فجوة الأزمنة المتاحة لي/ أُطل بنصف وجهي لأشْهدَ أيامي المدفوعة وراء القضبان/ تتمّرغ في طين الإِمكان مثل عصفور يتَمَرْغَلُ وسط بركة ضحلة''. ويقول في قصيدته ''ما يُحتمل أن يكون'': ''يُحتمل أن يكون أنا من يمشي طائعا أمْرا، من فوق أو تحت، جاءني لا أدري متى/ مَن جاءني، من يأمر: هذا ما لا أدريه. ولا أُعْنى بأنْ أدري. ماش، في الريح الشائكة، يُخدش الهواءُ جلدي/ هذا العالم حديقة أشواك/ يحتمل أن أكون أنا السائر، وذكرياتي على ظهري مثل خِرْج أو بُرْدُعة/ ومن حولي تاريخ أهلي يُلَمْلِمُ، تحت جنح الظلام، على عجل، كراية مهزومة''. كما يحتفي الديوان بقضية العراق: موطن الشاعر ومسقط رأسه، وما تدور فيه من رحى الحرب والقتل والدم. نقرأ في نصه ''إلى الملكوت'': ''من رُزْء إلى كارثة إلى مصيبة/ من قصيدة إلى أخرى، أعضلُ في طريقي/ إلى الملكوت: جلجامش بعد أن عادَ من زيادة إلى ''ذلك النائي''/ لا في يدي نبتة سحرية، ولا في قاع دجلة/ ثُعبان ينام راضياً بما استعاد/ من قمة إلى قاع مَشتل لأرْزاء جديدة/ أسلك هذا الزقاق المؤدي إلى سَبْخة تَلطأُ فيها أَزباد الماضي/ والحاضرُ الزافرُ في وجهي يتلظّى، مقتلا بعد آخر../ أنتَ الزاحفُ مت يوم إلى آخر/ نحو بؤْرة الطوفان، نحو الوكْر الذي/ يتخبأُ فيه صائغُ الصيغة، سيد اللعبة، الرامي النَّرد/ على لوح الخشب الملطخ بالدم، أنت الماضي من الوهم إلى الحقيقة/ وأي إلهام يمكنُ لهُ اليومَ أن يأتيني محسوباً لا بالكلمات/ محسوباً، بنبضة هناك''. نلاحظ في الديوان أن الشاعر ينبهر بفضاءات وأمكنة زارها في العالم، فنراه يؤرّخ بالقصيدة لرحلاته وعلاقاته بالزمان والمكان، فيكتب عن زيارته لمدينة صغيرة تقع بين مدينتي الدار البيضاء والجديدة، إنها مدينة أزمور التي التقى فيها بالناقد المغربي المعروف صدوق نور الدين. كما يكتب ويهدي قصائد أخرى من هذا الديوان للفنان المغربي عبد الكريم الأزهر، والروائي المغربي والعالمي محمد شكري. قصائد سركون بولص في هذا الديوان: احتفاء بالمدن والأصدقاء وهي في مجملها عبارة عن فيض من المشاعر. يحاول فيها الشاعر التخلص من ربقة الصور والمجازات ولا يستمع فيها سركون بولص إلا إلى نشيد أعماقه السرية. لغة سركون بولص في هذا الديوان لغة ممزقة ونثرية إلى أقصى الحدود، وأقرب إلى لغة الخطاب اليومي، وهي تعبر بشفافية عن تمزق داخلي يغمر الشاعر. يكتب في قصيدته ''الملاك الحجري'': ''حتى ذلك اليوم الذي لن أعود فيه/ إلى قصدير الأيام المحترقة، والفأس المرفوعة/ في يد الريح، أجمعُ نفسي، بكل خِرَق الأيام ونكباتها، تحت/ سقف هذا الملاك الحجري./ هذا الحاضر المجنح كبيْت يشبه قلبَ أبي/ عندما سحَبتْه المنية من رُسغه المقيّد إلى جناح الملاك/ في تراب الملكوت/ حتى ذلك اليوم، عندما يصعد العالم في صوتي بصهيل ألف حصان، وأرى بوابة الأرض مفتوحة أمامي/ حتى ذلك اليوم الذي لن أعودَ فيه/ مثل حصان متعب إلى نفسي، هذا الملاك الحجري:/ سمائي، وسقفي''. ديوان سركون بولص هذا ينغلُ بالمقولات التناصيّة التي تتضمن: الأسطورة والشعر وأسماء الأعلام والتاريخ والميثولوجيا والسيرة الشخصية للشاعر، هذا الشاعر القلِق على هويته، أَناه، وطنه، شعبه، وأسئلة الإنسان العميقة. |