«قشور الباذنجان» لعبد الستار ناصر ... شهادة على خراب

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
17/03/2008 06:00 AM
GMT



بشير مفتي:     
لم أكن أنتظر، وأنا أقرأ رواية العراقي عبدالستار ناصر الجديدة «قشور الباذنجان» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) أن تحفل بالرعب والخوف. تراجيديا بلد كتبت على لسان بطلها الراوي ياسر عبدالواحد ومالت للشهادة على الأوضاع وللسيرة الذاتية، أو ما يوهم بذلك، السيرة التي تؤرخ للمحنة الدامية التي يعيشها العراقيون اليوم بعدما عاشوا مرارة محن سابقة.
تبدأ الرواية من اللحظة التي يطرق فيها «شمام الدم» هكذا يلقب أحد السجانين الذين كانوا يعذبون في زمن الزعيم الأوحد باب الراوي ويطلب منه الغفران وهو مستعد من أجل نيله أن يقبل منه كل شيء حتى الذبح. الأمر الذي يعيد الراوي عشرين سنة الى الوراء عندما ألقي عليه القبض بتهمة الشيوعية وعمره 19 سنة فقط... أيام التعذيب والزنزانات وكيف انتهكت فيها أحلامه.
يبرع الراوي في التحدث عن تلك الفترة ونقل ما تعرض له هو وغيره من لحظات ألم وخطر وخوف، وكيف خرج بعدها منكسر الروح وغير قادر على الحياة بدليل أنه لم يستطع الزواج حتى وهو في الأربعين من عمره. يعيش في بيت مع أخته سلافة التي توفي زوجها في حرب العراق مع إيران والتي لم تكلل عندما توقفت بأي نصر أو مجد، وله صديق اسمه حيران يعشق أخته سلافة، ويرغب في الزواج منها وسنفهم رغبته تلك مع أنه متزوج من امرأة بديعة اسمها أنيسة أن هذه الأخيرة كانت تخونه في السر من دون أن يكشف أمرها، وتدور الرواية تقريباً بين هذه الشخصيات في محيط مجلل بالرعب، ومهيأ للقتل والذبح.
رواية عن الحال العراقية بطلها ياسر الذي يجمع حرفة النجارة وهواية القراءة، ولهذا تتضمن الرواية استشهادات أدبية ليس فقط لتزين النص، ولكن لأن الروائي يتعمد إبراز شخصية النجار القارئ، المثقف والذي كان يحلم أن يكون مثل المسيح حينما قرأ كتاباً في صباه يتحدث عن مهنة المسيح التي كانت النجارة، وأيضاً لأن الراوي يشرح حال المثقف العراقي الكاتب والشاعر الذي رضي أن يبيع ذمته في السابق للنظام ومن تغرب حفاظاً على شرف المبدع وكرامة لسانه وقلمه فيذكر منهم مثلاً فاضل العزاوي، وبيكو س...
الصداقة بين ياسر وحيران تمتحن عندما يتعرض ياسر لإغواء من طرف زوجة صديقة أنيسة ويستجيب لذلك الإغراء من دون أن يجادل نفسه كثيرا في أمر الخيانة، لقد شعر بأنه بلغ الأربعين ولم يتذوق طعم هذه الرغبات المحرمة... يفتح الروائي النار على الطائفية والنعرات القبلية والعشائرية التي أفرزتها مرحلة الاحتلال والغزو، والتي قادت كل من ياسر وحيران وأخته سلافة للهجرة لعمان وعبر طريق طويل وشاق يسرد فيه الراوي مخاطر الرحيل نحو الخلاص ورغبات الناس العميقة في التمتع مع ذلك ببعض إشراقات الحياة التي تظهر في طلب ركاب الحافلة من السائق أن يضع لهم كاظم الساهر على شريط الكاسيت كما لو أنه في عمق الخوف لا بد من الأمل، والإصرار على الحياة.
يجد ياسر نفسه أسير لحظات تمزقه أمام ذلك الرجل «شمام الدم» الذي عذبه سابقاً وطلب منه الصفح والغفران لاحقاً، وقد ترك له دفتراً احتوى على يومياته عندما كان جلاداً لا يرحم...
تنتهي الرواية من حيث بدأت من لحظة طلب الغفران غير الممكنة، إلى الغفران الممكن لكن سُحب القيامة كانت قد غطت سماء العراق، ولم يعد أحد ينتظر أملاً أو خلاصاً، كأنه الخراب الكلي.