المقاله تحت باب منتخبات في
01/03/2008 06:00 AM GMT
يعود تاريخ أولى المسرحيات الخمس التي ينشرها يوسف العاني في كتابه «الصرير» (دار المدى) إلى 1949. ويرى أنّ هذه المسرحية التي قدمت في بغداد بإخراج خليل شوقي بعد عام على كتابتها، هي الأنموذج الأول لمسرح اللامعقول العربي. ويتذكّر أن المخرج الكبير إبراهيم جلال كتب له قائلاً: أتدري يا يوسف أنّ مسرحيتك «مجنون يتحدى القدر» هي من مسرح اللامعقول. يضيف العاني فاتحاً باباً إضافياً للنقاش بأنّ مسرحيته هي أول «مونودراما» تُقدَّم في الساحة العربية مؤكداً: «ما لدينا من وثائق، يؤكد ريادة مسرحنا العراقي في هذا المجال رغم تواضع المحاولة». يدور الحوار في المسرحية بين مجنون وبين صوت القدر اللامرئي في مستشفى المجانين المظلمة. وحين يُنار المسرح في آخر المسرحية، إذا بالمجنون وحيد وإذا بالقدر خيال لا وجود له، فيصرخ: «أردت أن أنتقم من القدر لكنّه سخر منّي». في المسرحية التالية «الصرير»، نرى استعادة لعلاقة حب بين عجوزين افترقا، وظل ما بينهما صرير باب متداعٍ يعيد سحر العلاقة الى التوهج كلما انطفأت. يخاطب «هو» الصرير في البداية: ما دمت موجوداً فأنا موجود، أنت علامة حياتي ووجودي، لكنه يفاجأ بحضور المرأة التي ظل طيفها يراوده طويلاً لتضع قطرة من الزيت على ضلفة الباب فينقطع الصرير الى الأبد. أما في «اللعبة الموجعة»، فيكتب العاني أنّ المسرحية كوميديا سوداء عن رجل أراد أن يجد صنعة تميزه عن الآخرين لكنهم كانوا يضحكون منه وعليه. يضيف: «حين عرفته في بداية الخمسينيات، لم أضحك بل بكيتُ ثم وقفت لأكون محاميه حين وقع في الشرك». في المسرحية الرابعة، يدور حوارٌ مفترض بين الممثلين والجمهور لاختيار اسم لها، فيقترحون «المحطة» ثم يتراجعون لأن هناك مسرحية للرحابنة بالاسم ذاته، ثم يقترحون «في انتظار القطار» لكنهم يتراجعون أيضاً. إذ ربما يذكِّر بمسرحية «في انتظار غودو» وهم لا يريدون أن يتهموا بالعبثية، أو بمسرحية «في انتظار اليسار» لكليفورد أوديتس وهم يخشون أن يتهموا باليسارية، ويقترحون أسماءً أخرى، حتى يتعالى الصراخ في القاعة: خلصونا، مللنا الكلام. ثم تتلاحق الأحداث بعد ذلك على رصيف محطة، حيث ينام رجلُ مواجهاً الجمهور ثم يستيقظ ليقول للمسافرين اليائسين: «القطار لم يتأخر ساعة واحدة بل ساعات، فابحثوا عن كل هذه الساعات ودعوني أنام». يشير الهامش في الخاتمة الى أنّ «الساعة» هي لوحة من مسرحية لم تنته وكتبت عام 1990. أما المسرحية الأخيرة «صديقي الذي ما زال يبتسم»، فتبدو لغتها الخطابية أقرب الى لغة مسرح الخمسينيات، مسرح التحريض والشعارات والحكايات الميلودرامية. الكتاب الصادر عن «المدى»، يضمّ مقتطفات لنقاد وكتّاب عرب تناولوا تجربة العاني. في طليعة هؤلاء، الراحل جبرا إبراهيم جبرا الذي يصف مسرح العاني: «كان له من الحس التلقائي لما هو عراقي وذا خصوصية في الحياة المحلية، ما جعله يصور بكتاباته وتمثيله بعضاً من الجوهر السحري المتمثل في الشخصية العراقية مع ثقافة شمولية جعلت منه أحد الرموز الأشد إيحاءً لجيله وللجيل الذي يترسّم الآن خطاه».
|