السياب يكتب عن جواد سليم: فنان يمتلك عمق الإحساس ونفاذ البصيرة والموهبة

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
15/02/2008 06:00 AM
GMT



 الشاعر بدر شاكر السياب كتب عن الرسام العراقي الكبير في مقالة بعنوان (( جواد سليم الفنان الذي يخبرنا الاشياء) وقد وقعها باسم (ابو غيلان) في جريدة الجمهورية الصادرة عام  1959. في هذه المقالة حرص السياب ان يتحدث عما فهمه من  لوحة جواد سليم التي وقف امامها مبهورا. إنها تمثل سيارة من سيارات الشحن الضخمة واقفة حيال منزل تعتليه شرفة عراقية تعلوها (الشناشيل).

يقول الشاعر( لولا هاتان العجلتان لكان من الصعب ان نعرف اننا ازاء سيارة جاءتنا في الاصل من الغرب ولسنا ازاء شيء منبثق من صميم حياتنا. اننا هنا يقول السياب امام عمليتين مهمتين تكمل احداهما الاخرى ولا تتم بدونهما بل يكاد يبدو انهما في الحقيقة عملية واحدة .فهناك بالنسبة لهذه الالة الصماء السيارات وتحويلها الى شيء يمكن الاخبار به الى جزء من انفسنا. لقد اصبحت هذه السيارة وكأنها جواد روضناه وسميناه باسمه. إنها اداة رزق، وسيلة للحياة كالنخلة مثلا وشجرة الليمون وليست محض آلة من حديد وخشب ومطاط ..) ويتوسع السياب بعد ذلك في رسم دلالات لوحة جواد سليم فيستخرج منها معاني يستخدمها في قول افكار لا تمت للوحة بصلة وان كانت هي من وحيها. ويكرس الشاعر بدر شاكر السياب في مقالته لسيرة الفنان جواد سليم وافكاره في الفن وموقفه في التراث ولاهمية هذا الجزء من المقالة ادرجه هنا نصا مختتما به هذه القراءة الوثائقية التي اردناها شهادة من شاعر كبير لاننساه في ذكرى فنان خلد كفاحه كفاح شعبنا من اجل الحرية . كتب الشاعر بدر شاكر السياب ابو غيلان في مقاله: ( في اواخر عام 1940 قطعت الحرب على جواد سليم دراسته في اكاديمية الفنون الجميلة بروما فعاد الى بغداد وعين نحاتا في مديرية الاثار القديمة العامة وقيض له خلال السنوات الثلاث التي قضاها في عمله هذا ان يطلع على روائع الفن التي تمخضت عنها الحضارات التي ازدهرت في هذا الجزء من اجزاء الوطن العربي . هذا الجزء الذي هيأت مياهه الجارية وزروعه اليانعة للموجات التي تعاقبت عليه من قلب الجزيرة العربية من بدء التاريخ مجال التعبير عن عبقريتها وموهبتها الفنية الى اقصى الحدود . وتعمق في دراسة هذا الفن الذي احس منذ الوهلة الاولى بقوة الوشائج التي تربط بينه وبين هذا الشعب العربي الذي هو واحد منه كان يمتلك ما يتميز به كل فنان اصيل عمق الاحساس ونفاذ البصيرة والموهبة وراح جواد سلم يفكر في ضرورية خلق فن ينبثق من روح هذا الشعب وطبيعته وتراثه من حاضره كله وتتصل جذوره بماضيه وفنه العريق .
وهيأت له السنوات الاربع التي قضاها في انكلترا (1946 – 1949) ليدرس النحت والرسم في السليد في جامعة لندن وعاد بعدها يحمل دبلوم شرف . ان يتفتح على العالم ليون الفن الذي ينتجه فنا ذا طابع قومي اصيل ومسايرا للحركات الفنية الحديثة في الوقت ذاته ومنذ ذلك الحين وجواد سليم مايني ينتج انتاجا فنيا يستمد طابعه الانساني من خلال الطابع القومي متوقفا على نفسه وفي كل اثر جديد مقويا الوشائج بينه وبين التراث الفني العربي ان تحقيق هذا كله ليس بالامر السهل كما يبدو فاذا كانت الصلة بيننا وبين تراثنا الادبي لم تنقطع واذا كان المتنبي وابو تمام والجاحظ وسواهم من عباقرة الشعر والنثر العربيين يتراءون لنا وكانهم قد عاشو بالامس القريب الذي لاتفصل بيننا وبينه سوى بضع ساعات فان هناك قوة عظيمة تفغر فاها بين حاضرنا الفني خاصة بالنحت والرسم وبين ماضينا فيهما وعلى ملء هذه الهوة ركز جواد سليم كل عبقريته وجهوده .
ان نظرة دقيقة الى لوحاته الرائعة مثال (صبيان ورقي والشيخ والراقصة والقيلولة والخياطة تكشف لنا ان جواد سليم فنان ذو اسلوب متميز وما اقل الرسامين الذين يتميزون باسلوب لم يقلدوا فيه واحدا او يحتطبوه من هنا وهناك ومن غابات غريبة عنا وبعد في هذه خاطرة عابرة كتبتها عن هذا الفنان الكبير الذي انتج ومازال ينتج اثارا يستحق كل اثر منها دراسة كاملة).