العراقيون وتعلم التسويات |
. المقاله تحت باب في السياسة أذكر أن أحد الدبلوماسيين الأجانب العاملين في بغداد وصف حياتنا في العراق بأنها مثيرة وخالية من الرتابة، إذ أن دوماً من المحتمل أن يأتي الغد بغير المتوقع، بالطبع هو لا يعني كما باقي الشعوب ترقب تغييرات الطقس، إذ أشك أن يكون هناك عراقي يراقب الحالة الجوية كونه يعرف سلفاً أن الجو سيكون نفسه طيلة ستة شهور وهكذا، ولا أن مكمن الإثارة في الحياة الاجتماعية إذ أن العراقي ينطبق عليه القول «خسران من تساوى يوماه»، فهو خسارته مجسمة ومستديمة حيث تتساوى عنده ليس الأيام بل السنون، إذن يبقى المقصود حتماً هو المشهد السياسي، فمراقبة السياسة العراقية دائماً ما تتسم بحبس الأنفاس، وفي كل عقدة مفصلية، حيث يُظن انه لن ننجح باجتيازها، وانه سينفرط عقد تفاهمات السياسيين وما سيستتبعه ذلك من تداعيات إذ سيتلقف ذلك أجنحتهم المتوثبة للعنف وأيضا شارع لم يغادر بعيداً تخندقاته الفئوية وأجندات خارجية جاهزة للاختراق، إلا انه بشكل أو بآخر غالباً ما نجح العراقيون في عبور الخوانق التي تعترض مسيرتهم دون أن يسقطوا في هاوية المخاوف، بالقطع أن تحول دولة عاشت لنصف قرن في ظل أنظمة فردية ليس بالأمر اليسير ولا جعل مكونات عاشت المخاوف والتغابن لجهة الاستئثار بالامتيازات أو التهميش في الحقوق وقبولها الركون إلى قاعدة الإنصاف ومغادرة ارث مظالم الماضي والتوجس من المستقبل هو أيضا ليس بالسهل، لذلك تبقى مراقبة المشهد السياسي العراقي تمتلك إثارتها ليس للعراقيين فحسب بل لجزء مهم من العالم الذي ما انفك منشغلا به، فقانون انتخابات لا يعدو نظرياً أن يكون أكثر من آلية توضع لإجرائها، ما كان سيثير أو يرد في نشرة أخبار لو جرى في مكان آخر من المعمورة بل ولا حتى الانتخابات كانت سيعرف بها العالم أو يكترث بها من غير المختصين، ولكن مرد هذا الانشغال أقله لأسباب ثلاثة، كون أن القوة الرأس في العالم، وأعني بالطبع الولايات المتحدة، ترقب تطور البلد انتظاراً لوضعه على سكة وطريق النجاح لكي تسحب قواتها وتغادره، وثانياً أن نجاح العراق سينعكس وسيغير كثيراً في منطقته والتي هي الوحيدة التي ظلت بمجملها عصية على التحولات، في حين ثالثهما العكس، أن فشله سيقذف بحمم مشاكله ليس إلى جواره بل ستطال بشظاياها بلا تضخيم العالم كله، فالعراق هو شرق أوسط مصغر بمكوناته الطائفية والإثنية والدينية، بتقديمه لنموذج التعايش مع أقلياته أو بخلافه التنابذ، بنجاحه بتوزيع ثرواته وموارده بعدالة بين أبنائه أو فشله في ذلك، بقدرته بأن يجعل لأبناء شعبه مصلحة في أن يبقوا متحدين في بلد يستقوون به ويحتمون، بعبارة أخرى أن يكون العراق لهم مصير وليس قدر. |