.
المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
29/09/2007 06:00 AM GMT
وجدت اثناء البحث عن بعض الاوراق المهمة عددا من رسائل الغرام التي انتهت مدة صلاحيتها ولم تعد صالحة للاستعمال البشري اي فات اوانها وقد علاها الغبار والاتربة، لقد فاتني وفات تلك الرسائل القطار ، وما اسرع القطار في الفوات لقد فات قطار السعد وفات قطار العمر وفات قطار الثراء وقطار الصحة وقطار الزواج ، فيا جارة الحزن تعالي اغطيك بجفوني واصد الريح عنك بفنوني وجنوني ، ودعيني ارى دنياي في عينيك ، واريك جمال الدنيا في عيوني ( ولك ياريل لا تصرخ اخاف تفزز السمرة )، ماذا افعل بهذه الرسائل ايتها الحبيبة النائية ، ولم يبق في العمر بقية لبداية جديدة ، وقد ذويت وذوى معي حبي الاكبر ، واجتاز العمر المعبر الاخطر ، وها انا اتكئ على عمود الجسر اتفرس بالرائحين والغادين ، ابحث بين الوجوه عن وجه يشبهك ، فالانهار لم تغير مساراتها من اجل عينيك ، ولا الامطار هطلت في غير مواسمها ولم تخضر الصحاري ، غير انك كنت سرا جميلا في جبين الليل ، لم تشأ الاقدار ان تكوني رفيقة اسفاري، لا ادري ماذا فعل الزمن بك وبمحاسن وجهك الوضئ ؟ وكيف تصبحين كل صباح، أما زلت تملئين الفضاء بالصداح كالاطيار ولا تهتزين امام الاعاصير والرياح كالنخل العراقي الباسق ، فالشمس التي تنتظرينها قد لا تشرق ثانية ، اذ لا يضئ المصباح بلا زيت ابدا ، لكن اخبريني عن وجهك الجميل ، هل لازال يقف عند المداخل يترقب مجئ القوافل ، فانا الان في ارض لاماء فيها ولا سراب ولم اجد في رحلة البحث الطويلة شيئا يدوم ، وقد البسني الظمأ الطويل لباس الوقار ويأخذني بعيدا عن النار والعار والشنار ، ولم يعد الشبق القديم قرمزيا كما كان ولم يعد يسكنني ويهزني ويعذبني ، ابحث عن نهر جار ادس فيه جسدي وكأني غريق ابحث في الظلمات عن طريق. رسائلك امسح الغبار عنها اشمها اضمها ارى فيها كيف جمعنا القدر وكيف اختلطت عندنا الحواس يومها وصارت الشمس تبزغ قبل القمر ، حتى اذا سكت البلبل من نزفه ونطق الحجر ، كنت تطلعين من مخدعك بكامل زينتك تدفعين عني الارق حتى الشفق وتوسعين بضفائرك دائرة البوح وتسكبين دموعك على جرحي . لم اعد انتظرك ، لقد انتهى كل شئ وانتهت الوليمة واحالتني رهبة المطارات وبرودة المحطات الى درويش نحيل يتسكع على ابواب الصوامع والمعابد يبحث عن راحة وسكون يغرس ازهارا عند المنعطفات ويغرد مع البلابل ويتناول الاسى مع الرغيف ، فهذه جميع كتب الفلاسفة خالية من تاريخ الجميلات . نعم تعصف بي الوحدة في منفاي البارد وانا اجر خلفي سنواتي الخمسين ، واعلق احيانا قلبي الحزين على مقبض الشباك كي يتشمس، واسترق السمع لهمهمات ملونة تتراقص في الافق . لقد الفتني اليمامات والحمامات والفراشات والفتُ القطط البيضاء والازهار البرية وحزم الضوء الملونة ، احيط بالاشياء وتحيط بي الاشياء ، اكشف صدري امام العصافير لتقتات على دفئي ، فالدنيا كلها من ارض وسماء ونجوم وسهول وجبال تعرف باني اعيش وحيدا بلا حبيبة ، وابكي ولا اجد احدا ابثه شجوني ، وكل الجدران والابواب والنوافذ والستائر تدري باني اذا مشيت أمشي على اصابعي كي لا ينتبه لوجودي أحد فيشي بي الى القاضي باني امارس الحب من طرف واحد خفي ، وهنا كل شئ له قرين ، عينين خدين اثنين اثنين والقبلة لا تزهر الا اذا نامت بين شفتين ، وبقي ان اقول : انتظريني عند اشجار السرو ثانية وستصلك قصيدتي التي كتبتها بدمي في عينيك ، فانا هنا من الصباح حتى المساء ، ومن المساء حتى الصباح أقرأ اشعاري على الكراسي والوسائد والمناديل، وابيح بين قطع الاثاث اسراري ، واتنزه ليل نهار مع الشمس والقمر سوية على شاطئ النهر ، وقد أشاعوا عني ظلما باني امارس الشذوذ مع الوسائد. سأعيد الغبار على رسائل الغرام ولتمر الايام سراعا .
|