.
المقاله تحت باب في السياسة في
29/03/2010 06:00 AM GMT
أخيرا، وبعد تسعة عشر يوما من إجراء الانتخابات، تم إعلان النتائج الأولية، وليس النهائية. وقد شهدت هذه الأيام الطويلة نسبيا إعلانات شبه يومية للنتائج الجزئية لعدد الأصوات التي حصلت عليها الكيانات السياسية، وكانت هذه النتائج سببا في تحول موقف إحدى أبرز هذه الكتل، وهي بالتحديد ائتلاف دولة القانون، من الأجواء الاحتفالية_ وربما المفرطة _ التي عكستها تصريحات أقطاب هذه القائمة، كحديث عباس البياتي حول حصول القائمة على نسبة النصف زائد واحد (راديو نوا في11/3 ) ، إلى التشكيك في عملية العد والفرز، والحديث الصاخب عن تزوير واسع النطاق لصالح القائمة العراقية. وقد شجعت هذه التصريحات والمواقف المعلنة، وتحديدا بعد طلب السيد نوري المالكي إعادة عمليات العد والفرز يدويا، على بروز محاولات تشكيك شبه جماعية للكتل الأخرى. ولم يقف الأمر عند حدود التصريحات السياسية، بل تعداه إلى محاولات الضغط عبر اجتماع لمحافظي عشر محافظات تأييدا لطلب إعادة العد والفرز يدويا، وعبر استخدام الشارع نفسه، من خلال المسيرات "الجماهيرية"، ثم اجتماع آخر لرؤساء مجالس المحافظات التسع جنوب بغداد، حذروا فيه من "إجراءات حازمة" في حالة عدم الاستجابة لهذا المطلب. ولم ينتبه أحد إلى مفارقة أن النتائج المعلنة في سبع من هذه المحافظات هي لصالح قائمة دولة القانون. ولم يفت الجميع العودة إلى "فوبيا البعث" وحديث "الانقلاب" في التحشيد لإضافة المزيد من الإثارة العاطفية على الموقف. ولعل التصريحات الأكثر إثارة، ما جاء في حديث السيد سامي العسكري لصحيفة لوس انجلوس تايمز يوم 23/3 حذر فيه من "أن العديد من الشيعة سوف يرفضون دعم الحكومة المركزية ذلك أنهم يخشون نذر عودة حزب البعث"، وأن "الشيعة في الجنوب قد هددوا بقطع النفط عن بغداد وتجميد علاقاتهم بالعاصمة، ومن انه قلق من أن الشيعة في المناطق المختلطة قد يستفزون للقتال"!!، وانه "إذا ظهر أن التصويت غير شرعي، فان شيعة الجنوب ربما يعلنون الجنوب منطقة شبه مستقلة (حكم ذاتي) ويدخرون ثروة العراق النفطية بحيث تتشظى الدولة". إن ما أضمرته رسالة السيد القائد العام للقوات المسلحة خلف عبارة "حفاظاً على الاستقرار السياسي والحيلولة دون انزلاق الوضع الأمني في البلاد وعودة العنف"، وما جاء في البيان الختامي للمحافظين العشرة في النجف، ورؤساء مجالس المحافظات التسع في البصرة، وما قاله زعماء ائتلاف دولة القانون، وما كرست له قناة آفاق الفضائية الخاصة بحزب الدعوة الإسلامية بثها طيلة الأسبوع الماضي، أعلنه السيد العسكري بصراحة متناهية يحسد عليها. والسؤال الأهم هنا هل كان ثمة تحول حقيقي في نتائج الانتخابات يستدعي هذا كله؟ وهل جاءت النتائج النهائية مفاجئة ومخالفة للتوقعات؟ بداية، لا تكشف المراجعة الدقيقة للنتائج التي أعلنتها المفوضية، عن أي تحول دراماتيكي في النتائج، بداية من أول إعلان للنتائج الجزئية، إلى إعلان النتائج النهائية. ولكن يمكن رصد تحولات محدودة في المناطق المختلطة بوجه عام, فعلى سبيل المثال أعلنت المفوضية منذ البداية أنها بدأت بفرز محطات الرصافة أولا، وهذا ما أوهم البعض بان هذه النتائج تعكس الوضع في بغداد، وهذا غير صحيح لأن محددات السلوك الانتخابي في الرصافة تختلف تماما عنها في الكرخ. أشرنا في مقال سابق إلى أن السلوك الانتخابي لم ينطو على ممارسة وطنية عابرة للهويات الفرعية، وتحدثنا عن ثلاثة محددات حكمت سلوك الناخب العراقي في انتخابات المجالس المحلية 2009، وهي: العامل الإثني، والعامل المذهبي، والعامل المحلي. وأشرنا إلى ان هذه العوامل نفسها ستحدد سلوك الناخب العراقي في انتخابات 2010. وأشرنا في مقالة أخرى إلى أن المنطق الطائفي (الإثني والمذهبي) بقي حاضرا على الرغم من الحديث المعلن عن تشكيل الكتل الوطنية، وإن ما جرى حقيقة كان محض محاولة لتأطير الطائفية وليس تجاوزها، وإننا في النهاية كنا بإزاء قوائم شيعية وكردية وسنية. فائتلافا "دولة القانون" و" الوطني العراقي" فشل كلاهما في استقطاب كيانات أو أسماء "سنية" ذات حضور انتخابي فاعل، أو كيانات سياسية ليبرالية وعلمانية فاعلة، ومن ثم ظلا ائتلافين شيعيين بامتياز. ولم تفكر أصلا القوائم الكردية في محاولة كسر القاعدة الإثنية في تشكيلها، أما القائمة العراقية فلا يمكن أن تصنف في النهاية إلا بأنها ائتلاف سني، وأنها دخلت بالضرورة في قائمة التصنيف الهوياتي. وقد جاءت النتائج النهائية المعلنة لتؤكد هذه الوقائع، فالائتلافان الشيعيان لم يصلا مرة أخرى إلى حاجز النصف (في 2005 حصلا معا على 128 مقعدا فضلا عن مقعدين لـ"رساليون"، أي أقل بثمانية مقاعد عن حاجز النصف +1، وفي هذه المرة حصلا على 155 مقعدا، أي أقل بثمانية مقاعد عن حاجز النصف +1 ، طبعا من دون إضافة المقاعد التعويضية، التي كانت مكافأة منحها قانون الانتخابات للفائزين، أكثر منها مقاعد تمثيلية حقيقية) ولكن النسبة ارتفعت من 47.27% إلى 50% من المقاعد من دون التعويضية وكوتا الأقليات، فأين يكمن التزوير المفترض؟ وحصلت القائمة العراقية في 2005 على 25 مقعدا، وإذا أضفنا إليها المقاعد التي حصلت عليها التوافق 44 مقعدا، وجبهة الحوار 11 مقعدا، وجبهة المصالحة والتحرير 3 مقاعد يكون المجموع 83 مقعدا، أي ما نسبته 31.18% من المقاعد، هي نفسها تقريبا النسبة الحالية،89 مقعدا للعراقية مضافا إليها المقاعد السنية البحتة:6 مقاعد للتوافق، و4 مقاعد لوحدة العراق، المجموع هو 99 مقعدا، أي ما نسبته 31.93% من مجموع المقاعد من دون التعويضية وكوتا الأقليات، أي أننا عمليا ما زلنا في إطار النسبة نفسها. فلم تستطع القائمة العراقية أن تجمع سوى ستة مقاعد في المحافظات الوسطى والجنوبية السبع، في حين كان حصولها على ستة مقاعد في البصرة وبابل نتيجة لتحول الناخب السني من التوافق 2005 إلى العراقية 2010. في حين فشلت القائمتان الشيعيتان عن الحصول على أي مقعد في الانبار أو صلاح الدين، وحصلت على مقعد واحد في نينوى. ببساطة كانت النتائج على مستوى الأرقام قريبة جدا من نتائج انتخابات 2005 والمجالس المحلية 2009 مع وجود اختلافات بسيطة بسبب دخول بعض المتغيرات. على سبيل المثال تغيرت خريطة المقاعد في ديالى بسبب السماح للمهجرين منها بالتصويت على المحافظة نفسها. وحصلت القائمة العراقية على نسبة كبيرة من الأصوات قي كركوك بسبب تحول في سلوك الناخب الشيعي فيها بعدم التصويت لقوائمه بسبب شعوره بأن القائمة العراقية أكثر صرامة في مواجهة الأكراد. أي أننا عمليا ما زلنا في إطار سلوك انتخابي عام يستند إلى الولاءات الأولية (الاثنية والمذهبية)، والى ذلك تضاف العوامل المحلية لتفسير الخروقات التي تحصل على هذا السلوك الانتخابي العام.
|