.
المقاله تحت باب في السياسة في
12/01/2010 06:00 AM GMT
إن متابعة التقارير الخاصة بأوضاع المعتقلين في السجون العراقية تبين بوضوح حجم الانتهاكات بهذا الصدد. إذ هناك عشرات الدلائل على تعرض المحتجزين إلى التعذيب في هذه المواقف أو السجون. ولا تبدو هذه الجهات حريصة على إخفاء جرائمها؛ فكثيرا ما يتم إطلاق سراح هؤلاء وآثار التعذيب ظاهرة على أجسادهم، بل وفي بعض الأحيان ينقل المعذبون إلى المستشفيات ويتركون هناك. ويقف الشعور بعدم الجدوى، والخوف من الانتقام، والثقافة الخاصة بماهية الدولة، حائلا دون تقدم هؤلاء بقضايا ضد (معذبيهم)، هذا إذا افترضنا وجود إمكانية حقيقية لملاحقة ومقاضاة القائمين بالتعذيب أصلا, كما سنرى، علما بأن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم كما يفترض، ولا يمكن التغاضي عن المسؤولية الضمنية للمسؤولين غير المباشرين عنها. تعرف اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 في المادة (1) التعذيب بأنه: (أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية). وتنص المادة (2) على انه (لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب). كما إن المادة (4) تتطلب أن تكفل الدولة اعتبار كل عمل من أعمال التعذيب، جرائم بموجب قانونها الجنائي. وتفرض المادتان (12) و (13)، من الاتفاقية، على الدولة كفالة تقصي الشكاوى بشان وقوع أعمال تعذيب أو معاملة أو عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة على السواء. وتكفل المادة (14) تمتع الضحايا بحق واجب التنفيذ في التعويض عادل ومناسب. على الرغم من أن الدستور العراقي الدائم قد حرم في المادة 37 / ج ( جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية ولا عبرة لأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب ، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه، وفقا للقانون). وعلى الرغم من أن مجلس النواب قد أقر قانون الانضمام إلى اتفاقية مناهضة التعذيب هذه، وصادق عليه مجلس الرئاسة في 17/8/2008، إلا أن المشرع العراقي لم يتنبه أثناء كتابة النص الدستوري على عدم وجود مادة قانونية في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل تنسجم مع النص الدستوري، ومن هنا كان على المشرع أن يضع عبارة "وينظم ذلك بقانون" بدل عبارة "وفقا للقانون" الواردة في المادة الدستورية. والغريب أن النص الأخير للتعديلات الدستورية، لم يأخذ هذا الموضوع بنظر الاعتبار، فما زالت المادة، التي صار رقمها 54/ج بنصها القديم نفسه. إن قانون العقوبات النافذ، وتحديدا في المادتين (332) و (333)، يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بالتعذيب أو استعمل القسوة إلا أن العقوبات المنصوص عليها تبدو مخففة إلى حد بعيد، وغير رادعة بالمرة،. فالمادة (332) تنص على (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استعمل القسوة مع احد من الناس اعتمادا على وظيفته فاخل باعتباره أو شرفه أو احدث ألما ببدنه وذلك دون الإخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها القانون). وتنص المادة (333) على (يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها. ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد). وكما هو واضح فان النصوص القانونية النافذة لا تجعل "استعمال القسوة" تعذيبا، من هنا فالعقوبة مخففة جدا، أما في المادة الثانية فهي تعاقب "بالحبس أو السجن" وهذا يعني أنه هناك إمكانية للتعامل مع التعذيب بوصفه جنحة وليست جريمة، وقد جاءت العقوبات من دون أي تحديد، أي أن العقوبة تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمسة عشر عاما!!! وهذا يعني أن المادتين بصيغتيهما الحالية قابلتان للتأويل المفرط، وبالتالي هناك إمكانية للإفلات من العقوبة الرادعة. ولا يقف الأمر عند ذلك، فقانون العقوبات يتضمن نصوصا أخرى يمكن أن تكون قابلة للتأويل المفرط الذي يمكن أن يضيع معالم واقعة التعذيب نفسها. فالمادة (41) مثلا تنص على أنه (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون)، ومن هذه الأفعال ما جاء في رابعا: (أعمال العنف التي تقع على من ارتكب جناية أو جنحة مشهودة بقصد ضبطه). فهذه المادة تتيح للقائمين بضبط المتهم الإفلات من العقاب تجاه أي ممارسة عنيفة أو حاطة بالكرامة. خاصة ونحن بإزاء ممارسات منهجية وعامة تبين أن جميع الاعتقالات تترافق مع سوء المعاملة المهينة بالكرامة الإنسانية, وعادة ما تكون مصحوبة بالاعتداء البدني واللفظي. ولا يقتصر الأمر على قانون العقوبات؛ فقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 يتضمن كذلك العديد من المواد التي يمكن عدها إشكالية فيما يتعلق بجرائم التعذيب، على سبيل المثال لا الحصر فان المادة (3/1) تحدد الجرائم التي لا يجوز تحريك الدعوة الجزائية إلا بناء على شكوى من المجني عليه أو من يقوم مقامه قانونا، ومن هذه الجرائم: (التهديد أو الإيذاء )، وتأتي المادة (6) لتقرر عدم قبول الشكوى (بعد مضي ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة أو زوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى ويسقط الحق في الشكوى بموت المجني عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك). والمادة (8) لتقرر إنه (إذا اشترط القانون لتحريك الدعوى الجزائية تقديم شكوى فلا يتخذ أي إجراء ضد مرتكب الجريمة إلا بعد تقديم الشكوى ويعتبر المشتكي متنازلا عن شكواه بعد تقديمها إذا تركها دون مراجعة مدة ثلاثة أشهر دون عذر مشروع، ويصدر قاضي التحقيق قرارا برفض الشكوى وغلق الدعوى نهائيا). وهذه النصوص تخالف بشكل صريح فلسفة المادة الدستورية، واتفاقية مناهضة التعذيب. وهي تفرغ المادة الدستورية من محتواها، من هنا نكرر ضرورة إضافة فقرة "ينظم ذلك بقانون" على نص المادة الدستورية الخاصة بالتعذيب تحرزا من التأويلات المفتوحة، ومن ثم ضرورة تشريع قانون يعتمد النص الدستوري، ويهتدي بالاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب المصادق عليها من دون تأخير. قد يكون كل هذا من باب التمني، بخاصة إذا ما لاحظنا أن مجرد المصادقة على الاتفاقية تطلب ما يقرب ثلاث سنوات من عمر مجلس النواب!!! وما لاحظناه من تلكؤ في انضمام العراق إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 الذي يصنف التعذيب ضمن الجرائم ضد الإنسانية، ومن ثم تقع ضمن اختصاصاتها النظر فيها، وما لاحظناه أيضا من حرص على إنكار دعاوى التعذيب بشكل منهجي، وما لاحظناه من عدم صدور أية أحكام حقيقية في قضايا التعذيب المثبتة صورة وصوتا ( قضية المعتقلين الصدريين التي طرحت في مجلس النواب)، وما لاحظناه من إخفاء منهجي لنتائج أية لجان تحقيقيه بهذا الصدد، على فرض جديتها طبعا (واقعة ملجأ الجادرية). وأخيرا ما نعرفه عن اعتماد القضاء العراقي على الاعتراف عوضا عن الأدلة في إصدار الأحكام. ملاحظة ختامية، في خضم الصراخ القائم اليوم حول طلب تسليم "متهمين محتملين" في قضايا الإرهاب أذكر فقط أن المادة (3) من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي صادق العراق عليها تنص على انه (لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب). وسوريا دولة عضو في الاتفاقية!
|