.
المقاله تحت باب في السياسة في
11/11/2009 06:00 AM GMT
تمرّ التجربة الفيديرالية في كل من السودان والعراق بصعوبات جمة، خصوصاً في ما يتعلق بالصناعة النفطية وتوزيع الريع النفطي، بالإضافة إلى شؤون سياسية. ولهذه الصعوبات والخلافات ما بين المركز والإقليم الفيديرالي في كلا الحالتين آثار سياسية سلبية على مستقبل البلاد وعلى الوضع الإقليمي، ناهيك عن انطباعات الرأي العام عن التجربة الفيديرالية الحديثة العهد في المنطقة العربية. في ما يتعلق بالسودان، أصدرت جمعية أهلية غير حكومية تدعى «غلوبال ويتنس» تقريراً في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي تناول مشاكل توزيع الريع النفطي بين الشمال والجنوب. وشدّد التقرير على غياب الشفافية والمصداقية في أرقام الحكومة الفيديرالية وبياناتها، وتناول ادعاءات بأن الريع النفطي لا يُوزَّع بالتساوي بين الشمال والجنوب، بحسب اتفاق عام 2005 الذي أنهى حرباً أهلية دامت نحو 22 سنة وقُتل فيها نحو مليوني سوداني. وأشار التقرير إلى غياب الوسائل اللازمة لحكومة إقليم الجنوب أو المؤسسات الأهلية السودانية للتأكد من البيانات التي تنشرها الخرطوم، ما يثير شكوكاً كثيرة. يُذكر أنه بحسب اتفاق عام 2005، ينتهي مفعول الاتفاق بعد سنتين من الآن لينتهي من ثم تقاسم الريع النفطي، ويجرى استفتاء على استقلال الجنوب. واستشهد التقرير بتناقض بين معلومات الحكومة المركزية والشركات الأجنبية العاملة في الحقول. وضرب أمثلة كثيرة على ذلك. المهم في الأمر أن استمرار انعدام الثقة وغياب الشفافية سيزيد تدريجاً الشكوك والخلافات بين الطرفين، ما يمكن ان يؤثر سلباً في نتائج الاستفتاء المقرر بعد سنتين. ونفى وزير النفط السوداني صحة المعلومات في التقرير. أما في العراق، فالوضع يختلف. لقد استطاعت القوى الكردية، المشاركة بقوة في العملية السياسية، من جعل الدستور يأخذ في الحسبان مصالح الأقاليم الفيديرالية على حساب الدولة. ينص الدستور في حال قيام خلاف بين إقليم فيديرالي والحكومة المركزية على ان تكون الأولوية لقوانين الطرف الأول. وأعطى الدستور الحق لحكومات الأقاليم بالتفاوض مباشرة مع الشركات النفطية الأجنبية وتوقيع الاتفاقات معها، حتى من دون علم الحكومة المركزية. وتسببت هذه البنود المجحفة بحقوق الدولة بإشكاليات كبيرة أمام الصناعة العراقية التي تعانيها في الوقت الحاضر. للاستمرار في توقيع العقود مع الشركات الأجنبية من دون علم بغداد، تعطّل الكتلة الكردية في البرلمان العراقي التصويت على قانون النفط والغاز الذي أحالته الحكومة إلى البرلمان في شباط (فبراير) 2006. وأدى الخلاف بين الطرفين إلى اختلاف جوهري بين بغداد وأربيل، إذ منعت بغداد أي شركة نفطية تعمل في كردستان العراق من العمل في بقية أنحاء العراق. ومن أجل مصلحة الطرفين، تفاهمت بغداد وأربيل في منتصف السنة تقريباً على استعمال خط التصدير كركوك - جيهان لتصدير النفط من كردستان العراق إلى الأسواق العالمية من خلال «مؤسسة تسويق النفط العراقية» (سومو). لقد استفادت بغداد من هذا الأمر بزيادة حجم صادرات البلد، بينما اضطرت أربيل إلى الموافقة إرضاء للشركات العاملة في أراضيها التي طالبت بالتصدير للحصول على ثمن نفطها. لكن خلافاً نشب بين الطرفين منذ اللحظة الأولى التي تم فيها التوصل إلى هذا التفاهم. فقد أصرت أربيل على ان تدفع بغداد مباشرة للشركات الأجنبية ثمن الصادرات بدلاً من إيداعها في خزينة الحكومة المركزية، وان تدفع 17 في المئة من مجمل الريع النفطي للبلاد لحكومة إقليم كردستان. وأصرت بغداد على موقفها لأنها ليست على اتصال مباشر بالشركات العاملة في إقليم كردستان وغير مطلعة على اتفاقاتها مع حكومة الإقليم. ونتج عن الخلاف ان طلبت أربيل من الشركات العاملة في الأسابيع القليلة الماضية إيقاف التصدير وتحويل النفط للاستهلاك الداخلي في إقليم كردستان. ثمة عوامل مشتركة ما بين تجربة السودان والعراق. الأول هو الصراع بين الإقليم والمركز على الريع النفطي الذي يشكّل في معظم الحالات نحو 80 - 90 في المئة من الدخل المالي الرسمي للبلاد أو للإقليم، وما يتيحه من مجال للفساد في غياب الشفافية والمساءلة، ولذلك ثمة صراع شرس عليه. العامل الثاني هو غياب الشفافية حول المعلومات او الاتفاقات، ما يثير شكوكاً كثيرة، ناهيك عن الخلافات الدستورية. العامل الثالث هو التدخلات الأجنبية العلنية والسافرة في التجربتين، لمصالح دولية وأخرى فردية/محلية، والكلام هنا عن مصالح بملايين الدولارات. وأخيراً ثمة ارتباط بين فكرة الفيديرالية في كلا البلدين بكلام على احتمال الاستقلال والانفصال، ما يثير شكوكاً أكثر وأكثر حول العلاقة بالنفط. هذه المشاكل كلها مشاكل جديدة تواجهها المنطقة اليوم، وسيواجهها في المستقبل أكثر من بلد عربي، خصوصاً عندما نشاهد الحرائق في كثير من دول المنطقة والدول المجاورة، ولذلك يُتوقع مزيد من الاضطراب والوهن الإقليمي مستقبلاً.
|