.
المقاله تحت باب في السياسة في
02/02/2009 06:00 AM GMT
ثمة انعطافة تاريخية كبرى قد حدثت مع ولادة العام 2009، إذ شهدت منطقتنا متغيرات عاتية وخطيرة، متمثلة بانحسار قضية الشرق الأوسط كله في مدينة عربية، اسمها غزة.. وإنها إستراتيجية إسرائيلية جديدة استفادت في بنائها من خلال خذلانها في لبنان.. انه بالوقت الذي نحّس بتغيير واضح في السياسة الإسرائيلية حسب متطلبات المرحلة واشتراطاتها، وانتقال إسرائيل من مجرد مسلسل الردع والاحتواء إلى موقع الهجوم، من خلال جغرافية القمع، بعد أن أزالت كل الكوابح. وهي خطط جديدة في الحرب، بعد أن كانت سابقا تستجدي العطف من كل دول العالم ومجتمعاته، أصبحت لا يهمّها العالم كله، وهي ترفض قرارا بوقف إطلاق النار.. في حين لم نلحظ أي بارقة في التغيير داخل البلدان العربية التي لم تأخذ من الماضي أية عبرة، أو الاستفادة من تجربة الماضي المتمثل بالصراع العربي الصهيوني.. لقد كانت إسرائيل قد استعدت تماما لمثل هذه الحرب، وأنها أطلقت عدة مشاريع منها اختزال الحرب في عموم المنطقة، واختيار غزة لتقوم بسحقها بعد حصار طويل.. إنها ليست ضربة استباقية، لأن الخصم لا يمكنه أن يكون مستعدا للحرب، ولكنه يبدو إلى حد الآن وهو يتحّمل كل المآسي والضربات المكثفة بروح قوية! إن إسرائيل قد منحت لنفسها الحق في استخدام كل القسوة، من دون أن يعنيها كل هذا التنديد في أرجاء العالم.. وقد قال أكثر من مسؤول إسرائيلي: إن كل الخيارات مفتوحة أمام إسرائيل عندما تشعر أن مصالحها مهددة، وأمنها مضطرب! وعليه، تعتبر حرب غزة سابقة خطيرة لم يحدث لها مثيل، ولا يعني ذلك أنها لم تتدخل فيما مضى عسكريا، كما حدث في لبنان ودول أخرى، لكنها هنا شرعنت توجهها هذا ردا على الصواريخ التي تقول بأنها تتلقاها من غزة وأطرافها! إن المأزق الحقيقي هو ما بعد غّزة.. ما الواقع الجديد الذي سينبثق بإرادة إسرائيلية إذا خرجت إسرائيل منتصرة، أو أنها تريد إكمال اللعبة إلى النهاية، ولكنها أيضا، ستكون صاحبة شروط أقوى في أية مفاوضات تخوضها.. وعليه، فان مجتمعاتنا لا يكفيها التعبير الساخط على ما يدور من جرائم وخطايا تضاف إلى سلسلة طويلة من الانحرافات.. ولكنها بحاجة إلى إعادة تشكيل جذري، ونسف الأنماط القديمة التي تربى عليها ـ ليس بما يتلاءم والدمار، بل بما يشعر إسرائيل أن هناك وحدة رأي وموقف موحد.. صحيح أنها لا تعير أهمية للمؤتمرات العربية، العادية والاستثنائية، ولكن مجرد شعورها أن الخصم، له كلمته وموقفه، فإنها تعيد التوازن من جديد! إن الحرب اليوم، لها قذارتها بسبب فقدان الأخلاق جملة وتفصيلا.. إن مجرد قتل النساء والأطفال بمثل هذه الطرائق البشعة ، يعد فقدانا لكل القيم الأصيلة، إن مجرد التخطيط لمرحلة الفوضى الخلاقة التي ستسم هذه المرحلة الصعبة. صحيح أن الساسة الأمريكان هم أول من ردد هذه «المفهوم»، ولكنه مستلهم من فكرة مايكل لايدن «التدمير البّناء»، بل وشرعت إسرائيل في توظيفه. إن ما يعنيه هذا «المفهوم» أيضا: خلق الفوضى العارمة، وتفكيك للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتسفيه وتسقيط أخلاقي وفكري للقيم المتعارضة، من خلال وسائل عسكرية ودعائية إعلامية.. إن الفلسطينيين هم بأمس الحاجة اليوم إلى التوّحد على أهداف مرحلية للخروج من مأزق الحرب، ومن ثم إلغاء مبدأ الانقسام كي يحّل بدله مبدأ التوحد.. ولقد وجدنا كم هو تعاطف العرب كشعوب ومجتمعات مع القضية الفلسطينية التي لا يمكنها بعد اليوم أن تكون ضائعة بين الفرقاء السياسيين، فهي قضية وطنية لا سياسية.. ثم أنها لا يمكن أن تكون محتكرة من قبل طرف على حساب أطراف أخرى لهم الحق في أن يقولوا ما يشاؤون، ولكن إن فعلوا شيئا، فان انعكاسات ذلك «الفعل» تعم كل المنطقة. أما العرب، فهم أولى بالقضية الفلسطينية من غيرهم، وأنهم بحاجة إلى أن ينظروا إلى القضية رؤية جديدة، تتناسب وكل جغرافية القمع والفوضى الخلاقة التي نشهد مأساتهما اليوم من خلال إسرائيل.. إن العرب مدعوون اليوم إلى أن يعيدوا النظر في كل أوراقهم التي استخدموها أسوأ استخدام.. عليهم أن يتحدوا في إطار موقف موّحد يجمعهم إزاء أنفسهم أولا، وإزاء إسرائيل ثانيا والعالم ثالثا.. إن ما يمارس اليوم من دمار وانسحاق وقتل للأبرياء لابد أن يتوقف بأي صورة من الصور.. وان الأمن والاستقرار من مسؤولية الجميع. وينبغي أيضا، الرجوع إلى مبادئ جامعة الدول العربية، فإما تطبّق بحذافيرها.. وإما تقيل نفسها، فليس من المعقول أن نلتزم بموقف من دون أي توظيف له! ومن معطيات هذه الفوضى الغريبة تدمير المؤسسات وبناها التحتية والقتل والهدم والحصار والتفجير والجوع! إن تجربة غزة، مصغّرة، لما جرى في العراق.. فمتى نجد خريطة طريق جديد في التاريخ ينتشلنا من كل المأساة؟
|