في مديح الفشل

.

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
04/09/2007 06:00 AM
GMT



ليس مستغربا ان يكون هذا الكائن الرعديد- الأنسان - فاشلا ..

لكن الفجيعة تكمن في عدم اعترافه بالفشل او بقيامه بقلب الفشل تألقا ونجاحا وفوزا وانتصارا ..

لأن لامعايير تحكم الأشياء في هذا الشرق العجيب ..

فقد وجدها الفاشلون فرصة للتغني بفشلهم ..

حتى جاء يوما جيش الشعراء الهتافين من كل صنف ، العمودي القريض والحر والمرسل وصولا الى الشعر الشعبي ...جاؤوا زرافات ووحدانا للأمبراطور مدبجين المطولات التي تتغنى بفشله المريع في صورة مجد وانتصار ...

انا حائر في توصيف هذا الفصام المرضي عندما تتحول الأيديولوجيا الى اصفاد وحديد وعقل مدجن وثلة من الحشاشين من صغار الكتبة والأميين

ويتحول الفاشل الى صنم

حكام فاشلون تقريبا من حولنا وحولكم ..

لكنهم اباطرة وسادة وسواهم عبيد وصعاليك

لاتحدثني عن رومانسيات الثورة وشعارات المراهقة السياسية

فتلك العذراء الفاتنة ، الثورة- الأنقلاب ، ستتحول بعد الفشل في الحكم الى مجرد غانية لعوب يتقادم عليها الزمن الى عجوز شمطاء ليس فيها من بهاء الماضي شيء

هذا التأكسد الأيديولوجي هو عنوان الفشل

لكن المعضلة المستشرية المتوارثة ان لاوجود لعلماء الفشل.,..لاوجود في القاموس للأسئلة المدوية من قبيل : لماذا ؟ وكيف ؟ وقع الفشل ؟

ولهذا كان المحذوف الكلامي كناية عن حذف ترمومتر الفشل السلطوي

وفشل الفاشلون في ادارة عراق هو هذا من قبل ومن بعد

ودبج المدبجون القصيد المتبجح الكاذب ..ليغالطوا الفصاحة ويحولوا الفشل الى عجمة معرفية منطمسة

فالكل مصابون بالحول المعرفي ان هم اعترفوا وسلموا بالفشل

والكل فاشلون في عرف ولاة الأمر ان صرخوا : اوقفوا ايها الناس هذا الفشل

انه ان كان عاهة مزمنة في الجسد العربي

فلأنه عاهة يسوق لها دواء الأمم من مسكنات آلام الفشل منذ عقود وحتى اليوم

وعراق اليوم والأمس ليس مختلفا

هم جميعا على الوجهة ذاتها : نسكن (بتشديد الكاف ) جبهة ونشعل اخرى ، نقمع تيارا ونؤجج آخر ، نسكت صوتا ونطلق آخر

هذا الفشل في المسؤولية الأخلاقية عنوانه : ان هنالك من يصدق ان بأمكانه وبالأحلام الطوباوية ان يقلب المعادلة او يقلب الطاولة على اللاعبين

بينما مقامرته مع فئته هي اخرى تمهيد لفشل جديد من لون جديد

الفئوية والزحف على الظهر لن يقيم ذاك الكائن الأنساني المصنوع في احسن تقويم

لن يكرم تلك الآدمية التي اكلها الفشل في ان تكون

الآدمية ديست عبر جندية هي اقرب للعبودية والأحتقار وسوق طبقة العبيد الى المحارق

والآدمية ديست ومرغت بالوحل يوم جيء بأصنام السلاطين ابتداءا من الملك العضوض وحتى الساعة

وقيل للناس : بايعوا طوعا او كرها

فكيف والبيعة لزنديق او فاشل ؟

كل هؤلاء واولئك ..كان الفشل مختبرهم ..منذ لحظة الضمير الأولى

الضمير الذي يصرخ في من شرب كأس السياسة : اين انت من الفشل ؟

الضمير الحي دفع قادة وزعماء وعمال الى العدول عن البلاط والصولجان درءا للفشل

وتحوطا من خرقة بالية سترمى عليهم وهي ارذل العمر الذي يلاحق الكل

وكذا الأمم : تفشل ..وترد الى ارذل العمر

حتى لاتعلم من بعد علم شيئا

افتحصي الأمم المتطاحنة المتصارعة قتلاها ؟

افتشعر بالفشل والخزي وهي ترى الدم والأشلاء والثكالى والأرامل وعواصف الموت تزحف في الدروب والمفازات ؟

فأما سقط البريء عابر السبيل ..وهو واحد لاغير ..فقد فشل الجاه والسلطان..وفشلت الأيديولوجيا وديس المبدأ واحتقرت حصانة الكلام

ولهذاكانت قصة حقا ..هي يوم قتل العبد الصالح ذاك الغلام وجاء بشيء نكرا

اقتلت نفسا زكية ؟

السؤال الأستنكاري من موسى للعبد الصالح

وان هو الا غلام ضال ....لم يتبين منه خير

فكيف والفشل يتربع على حصاد الحاصدين بمئات الألوف .. ياللهول ..

الحصاد المر ..الوحشية وازمنة البرابرة الذين يفتكون بالمقدس وسيذيقون الناس طعاما ذا غصة وعذابا اليما

الشيطان الأرضي الذي علم وعوله وغيلانه فنون الأبادة

بينما وعاظ الشيطان هم الذين يدبجون قصائد المديح للجندي الأمبراطوري الهمجي القادم

كمن يدبجون قصائد المديح لقتلة ابناء جلدتهم

الفشل هو الفشل

الكل يبيعونه ويهدونه

يوزعونه ويلقنونه للناس

يرضعونه للأولاد الصغار

كراهية ومقتا وحقدا وسعارا حيوانيا وضغائن همجية

ويحسبون انهم يحسنون صنعا

.......

ايها الفشل

ايها الدستور الأرضي

انت محكمة الآن..وقاضي الزمن

ترمومتر النفاق والهراء والأحلام المستعارة

انت صرخة الضمير المدوية في زمن عزت فيه الكلمات وشح فيه الأمل

انت الشاهد الأرضي / السماوي على جرم الأنسان ..

(من يفسد فيها .........ويسفك الدماء )....يالحلمك بعد علمك يارب الأنسان

انه الفشل .. الفطرة الناتئة الكامنة

الرحمة الأرضية والسماوية

لمن نظر في عيني قلبه وصرخ :

ياايها الناس ..اني وليت عليكم ..اني تسلطت عليكم ..اني قطعت الدروب عليكم ..اني وعظتكم زورا ..وافتيت باطلا ..وسننت الكلام زورا ..ودبجت البيانات كذبا ..وعقدت المؤتمرات الصحافية نفاقا ..وجعلت بعضكم يضرب رقاب بعض ..

ياأيها الناس : انا الفاشل .. الفاشل في هذا الزمان

فلتسامحني الأرض قبل السماء ...

فمن ينظر في عيني قلبه ..من؟ من؟ من ؟