فوبيا بغداد .. الموت على مشارف الحلم : الولادة خارج اطار الذات |
المقاله تحت باب في السياسة ما دفعني للكتابة عن الدراما التلفزيونية ( فوبيا بغداد ) هو احساس اعرفه جيدا .. و يعرفه ُ كل من اخترقه الموت ( ولكنه أخطأه سهوا ) في واقع دموي مسجى بالخسارات و الرحيل و العويل و الجثث و هذا الجحيم اليومي في العراق يحتاج الى لغة مشابهة توصل ما انقطع بين قدرة العيش على قارعات الموت و بين عدم القدرة على استيعابها احيانا , فجاءت ( فوبيا بغداد ) من على شاشة قناة الشرقية الفضائية لتعكس ذلك الحوار المناور لكل وقائع القتل المجاني و السلخ اليومي التي طالت حتى قدرة الانسان على مزاولة الحلم هناك الحكاية تبدأ من قناعة بالبقاء في بغداد و رغبة عارمة في مواجهة الموت الصاخب سرعان ما تتلاشى و تقف عند خط احمر يستوحش ثراء الفجائع و فجور الموت .. مولدة رغبة معاكسة تتجسد في الرحيل بغية مواجهة الموت و لكن بطريقة مختلفة .. و بشكل يخرج من زيف الشعارات و الاديلوجيات ليدخل عوالم مفضوحة و مجاهرة بكل مأساة العقل الباطن و هو ينفتح على رفض الواقع و في نفس الوقت الايمان بظلام محيط يكبل البصر حتى خارج اسوار الهذيان اليومي و هو يتوارث النكبات ليستعجل الرحيل نحو ولادة مؤولة تشق جدران الرحم حين يباغتها العفن , فيكون العيش خلف جدران ملوثة بالدوي تطل على شوارع انهكها احتشاد الموت هو الدافع لصراع يتنامى و يكبر بين البقاء و اللابقاء .. بين الهوية و اللاهوية ... و الأكثر من ذلك بين الانتماء و اللا انتماء و هذا النتاج الدامي الذي جسدته ( فوبيا بغداد ) يؤرخ لحالات تتوالد يوميا و تكبر ( موت مضج / عويل صامت / نحيب مستجير / أشلاء تتقاسمها مزابل البلاد / خمر للهروب / هجرة يومية / تهديد / ضياع خانق / تشظي الذات / حنين / تواشج عاطفي / غربة قاتلة / خيانة / ثكل / ترمل /اشتياق / وفاء / اقتسام المصائب / الهروب لمواجهة الحياة الجديدة ) ,, و كل هذا جاء في سياق تتداخل و تتشابك فيه هذه الحالات و تتمحور حول شخصية الدكتور هيثم الذي جسده الفنان المبدع ( حسن حسني / مخرجا و ممثلا في العمل) و لتنطلق منه الى محاكاة الذات الغارقة في كابوس يتكرر كل يومي بحدث فجائعي .. متخذة من الجانب النفسي انعكاسا لكل ما تبتغيه هذه الذات من رغبة بنسيان الالم و العذاب .. و محاولة تناسي الموت , و من خلال القناعة بأمكانية الولادة مرة اخرى لتحقيق الانتماء الى حالة مستحدثة تجسدها النجاة المباغتة لمقصلة الموت و في بقعة مليئة بالازبال الى الانطلاق محلقا بروحه بعيدا عن رخاء قديم و بداية متسخة بالنفايات و البشر و باسم اخر تتبناه ذاته و لكن دون الابتعاد عن مفردات اسمه الكاملة , كأن هذا الانفصال عن الماضي جاء جزيئا و متمسكا ببعض لا تنال منه وحشية الدم .. و هذا التخلي عن الهوية جاء في صراع بين عقل واع و عقل باطن , مشيرا الى البقاء داخل محارة الذات الأولى .. فصار البقاء في ماض خسره و لكنه يراوده بين الفينة و الفينة هو الرمز لما استحدث فيما بعد من هروب جديد لواقع اخر صار ماضيا ايضا و لكنه مرتبط هذه المرة بمعايشة لحظة زهق الروح التي تجاوزته و جعلته ينقسم بين حيوات ثلاث و صار الدفاع عن الذات المرهفة الرافضة للواقع من خلال رفض الذات كوسيلة دفاعية يواجه بها صناعة ايامه الجديدة في بلد مجاور و هي تحاول احترام انسانية هدرتها الحرب و من خلال الهروب من مواجهة الهروب بصناعة ذات اخرى تشفر ماضيها لتنسى .. و تزوال التقمص للآخر بفعل واع يقترب من الانكار الذهني المتعمد و المشخص بفقدان الذاكرة و هي تدرك جيدا مسلسل الدم و السلخ في فضاء تؤطره رغبة الولادة من جديد و في مقارنة بين حياة كريمة قادته للتلاشي و بين ولادة متسخة بالدم و الجراح و النفايات تقوده لحضن امرأة ثكلى ينتابها جنون الفقد لتحمله نحو النجاة بعيدا عن رخاء الموت .. و يكون رمزا ً للرغبة الهاربة من العدم , للصحوة من كابوس الذاكرة , و للتمرد على الذهول لحظة عناق الموت و هذا الانعتاق من الجحيم داخل بلورة مصفحة بالشظايا , يدفعه لأن يحمل اوزار حبه للوطن و يسافر, ليكونَ بذلك الناجي من الموت , الشاهد على بشاعة فاحشة و باهضة , المدون للجريمة و هو ينسل منها كحياة عليها ان تتجدد حتى تنقل شريط الرذيلة اليومية و هي تمارس بغاء الموت , و أيضا المؤسس لذاكرة تستدرج فصول الرعب و الألم و العذابات لحظة فصل الروح عن الجسد حتى و ان كان خارجا ً بكيان مثقوب أو كما يقول الفنان حسن حسني ( بذاكرة مثقوبة ) هذا العمل الدرامي الكبير ضم نخبة من المبدعين الكبار ( على مستوى التأليف و السيناريو و الحوار حامد المالكي , و على مستوى التمثيل سامي عبد الحميد / فوزية عارف / سليمة خضير / سها سالم / محسن العزاوي / جواد الشكرجي / و مجموعة كبيرة من مبدعي الدراما العراقية ) و هؤلاء حملوا وطنا ضاق بمبدعيه و لكنهم حاولوا غسل الدم عنه و حاولوا رسم طريق يمنحهم فرصة بنائه من جديد .. و بقسم يخض السماء فتبكي معنا و نحن نلامسه بأفواهنا و قلوبنا حين يتعالى الصوت ( و العراق ) فرفعوا شعار الحب لمواجهة الموت .. و ايضا شعار العراق لمواجهة العراق . |