من هو أمير الشعراء ... في برنامج أمير الشعراء

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
04/09/2007 06:00 AM
GMT



بعد أن قل المقبلون على الشعر وكثر المعرضون عنه ... وبعد إن كان للمتشاعرين والمتثاقفين دورهم الكبير في دق الآسفين بين الشعر ومتلقيه ...

وبعد أن عمل بعض المشتغلين على نقد الشعر ودراسته على التعامل بالمسطرة والفرجال يجدولون حروفه وكلماته ويملئون دراساتهم بالأسهم والجداول ويعددون الكلمات ويصنفون الأفعال وبعد أن حاولوا عبثا أن يبعثوا الروح في نصوص بائسة من خلال إدخالها في تحليلات وتأويلات ليس لها ولا لأصحابها فيها ناقة ولأجمل !!

وبعد أن أصبح عدد الشعراء المعاصرين يفوق عدد الشعراء الحقيقيين مجتمعين منذ فجر التاريخ بسبب المتاهات التي قادنا إليها المتوهمون بكونهم شعراء والذين انضجوا لديهم هذا الوهم ممن توهموا أنهم نقاد والمتوهمون بكونهم الحاكمين المتحكمين في العملية الابداعيه بمجرد جلوسهم على بعض الكراسي في بعض المؤسسات والصفحات الثقافية

البائسة .

وبعد أن أصبح نجوم الإبداع في التلفزيون هم المغنون الراقصون والمغنيات الراقصات الكاسيات العاريات فقط ... والخبر الأثير لدى الكثير من البرامج هو الذي يتحدث عن ( الألبوم الأخير ) فهو أهم إلف مرة من الاختراع الأخير أو الكتاب الأخير !!

وبعد أن أصبحت أجهزة الصوت الحديثة تتمكن من صناعة مطرب في لحظات بعد ترميم وإعادة بناء صوته النشاز ... وأجهزة التصوير الحديثة وخبراء الإخراج والمونتاج في خدمة جسمه الهزاز !!

بعد أن أصبحت النجمة التي تتزاحم على بابها الفضائيات

وتتربع بقدها المياس على نصف أغلفة المجلات كل اسبوع

هي المغنية المغناج صاحبة الساق الوهاج والصدر الرجراج !!

بعد أن أصبح الولد (الطنطه ) هو المثال الذي يفصل على شكله الشباب أشكالهم ولحاهم العجيبة الأشكال وسراويلهم لالشيء سوى لأنه مغن جديد تنافست على الترويج له عشرات القنوات التي لاندري متى تتوقف مكائنها التي تعمل على مدار الساعة لإنتاج المزيد والمزيد من المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات ... والألبومات !!

بعد أن أصبحت أجور ممثلة مصرية لمسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة لرمضان أربعة ملايين جنيه أي مايقارب المليون دولار ومكافئة شاعر أفنى نصف عمره في الشعر من مؤسسة تطبع له مجموعته الشعرية (إن وجدها ) لاتتجاوز أعطائه مئة نسخة من مجموعته يهديها للأصدقاء .. ومبلغ من المال (أن كان محظوظا جدا) لايكفي لمعيشة اسبوعين أمام خيبة عائلته التي لم تكن تعرف أن موهبة أبيهم لاتصنفه اقتصاديا إلا ضمن فصيل الحطيئة وأبي الشمقمق !!

في حين تصنف مغنية جديدة ضمن فصيل أصحاب الملايين

لأنها استلمت (20) مليون دولار عدا ونقدا ثمن عقد لإعلانات

عن أحد المشروبات الغازية المعروفة ... وهو مايعادل أكثر من خمسين مرة قيمة جائزة نوبل للآداب !!

بربكم هل حصل (ألجواهري ونزار قباني ومحمود درويش ومحمد الماغوط وسعدي يوسف ومظفر النواب وأمل دنقل ) طيلة حياتهم مجتمعين على نصف ما استطاعت أن تحصل عليه مغنية جسد معروفة خلال ستة أشهر من حفلات بعدد الأصابع وصور نصف عارية على أغلفة المجلات ؟؟

بعد كل هذا التردي والعزلة والتجاهل الذي عانى منه الشعر والشعراء تطل علينا قناة ابوظبي وعبر رعاية من دولة الإمارات لتعيد للشعر هيبته وجماهيريته ولتقدمه عبر برنامج (أمير الشعراء ) ليعود الجمهور الغفير من المشاهدين والمتابعين مجتمعين حول شاشتها يستمعون لينابيع الشعر الدافقة وهي تهدم الحواجز بينهم وبين الشعر المتألق على حناجر شعراء رائعين بعضهم نعرفه منذ زمن بعيد والبعض الآخر نتعرف عليه للوهلة الاولى على مستوى الوطن العربي

أعادوا بقصائدهم طيور الشعر لتحلق في سماء الإبداع تتأملها العيون المندهشة والآذان الصاغية ما أجملهم وما أجمل إبداعهم ( روضة حاج محمد وكريم معتوق وتميم البرغوثي وحازم التميمي وأبو شجة وياسر الأطرش وخالد السعدي وجاسم الصحيح ومحمد ولد الطالب وعلاء عبد المولى وهاجر البريكي وهدى السعدي ومحمد قرطاس والقائمة تطول وتطول بالشعراء المبدعين ) وليقدم لنا اضاءات رائعة للنصوص المقروءة تنطلق من البحث عن الشعر في كافة مفاصلها بطريقة أنصفت القصائد واضائتها وعلمت المتلقي كيف يتعامل مع القصيدة وهو يستمع إليها أو يقرأها حتى أثارت إعجاب ودهشة المتابعين للبرنامج وأقامت معهم حميمية رائعة وقناعات عاليه قدمتها لجنة التحكيم التي ضمت الأساتذة الرائعين ( د.صلاح فضل و د.عبد الملك مرتاض و د.علي بن تميم و الأستاذ نايف الرشدان و الفنان غسان مسعود )

لقد قدمت هذه الفعالية الرائدة والمتميزة بمستواها الإبداعي الرفيع تكريما للشعر وللشعراء يتناسب مع سمو الكلمة وإجلال محبيها ومتلقيها .

وأخيراً ليس المهم من سيكون الأميرمن بين الشعراء ... فكلهم رائعون وكلهم مبدعون حقيقيون وكل شاعر حقيقي لم تتح الفرصة له للاشتراك في المسابقة يشعر بالفخر والاعتزاز بإعادة الهيبة للشعر والشعراء ويتمنى لوكان بينهم .

الأمير هنا هو الشعر الشعر الذي يستعيد على أيدي الخيّرين في الإمارات عافيته واحترامه وتألقه .بارك الله بهم جميعاً فقد أنعشوا في قلوبنا شموع الشعر التي كادت تنطفيء .

نتمنى على المؤسسات والقنوات الأخرى في عموم الوطن العربي أن تحذوا حذوهم قي برامج مثل هذه تنصف الإبداع الراقي الذي يشكل الشعرفيه المحور الأول .

إن جوائز قيمة ورعاية متميزة وحفاوة كريمة قدمتها الإمارات للشعراء في المسابقة هي تكريم لجميع الشعراء العرب وللشعر ولمحبيه ودارسيه وتكريم لعموم الإبداع السامي في زمن يحتاج فيه المبدع الحقيقي إلى من يشير إليه ويمد له يدا ً نظيفة كريمة مباركه ليبقيه على الأقل صامدا ً بجبهة عالية وقامة لاتنحني خلف متراس الطيبة والجمال والإبداع .

fdlfrman@yahoo.com