المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
01/02/2007 06:00 AM GMT
لاشك أن المسؤولية المهنية والقومية في الإدارة الثقافية التي يتسنمها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب تقتضي وعياً إجرائياً وتنظيمياً في التعاطي مع الإشكالات الحادثة في الفضاء الثقافي العربي وعبر قنوات وممارسات وسياقات عمل تحتكم إلى أسس النظام الداخلي للاتحاد، فضلاً عن اعتماد الشفافية والموضوعية والعلمية دونما تفريط بحقوق هدا الطرف أو ذاك.. ولا يمكن اجتراح سياسة مضادة أو إصدار قرار يخل بالاعتبارات والقيم المعنوية للعضو الفاعل والمؤسس للاتحاد دون الاستناد إلى وقائع مادية وقانونية وبحضور هذا الطرف.. هذا السياق هو المعمول والمعروف في كل نظم الدنيا! خاصة إذا أدركنا أن العمل الثقافي ليس عملاً مهنياً ونقابياً بحتاً قدر ما هو صناعة نبيلة في النظام المعرفي والفكري والإنساني وربما هو جزء فاعل في صناعة الرأي العام وفي تنمية محركات الوجدان الإنساني. ولكن ما حدث من وقائع وأحداث أقدم عليها الاتحاد العام للأدباء العرب يعدّ خروجاً عن هذه القاعدة الذهبية والأخلاقية إلى نوع من الإجراءات السياسية الاقصائية المحكومة بالنوايا القصدية وسوء القراءة القائمة على مجموعة من الاعتبارات والانحيازات التي يحكمها الشرط السياسي الحكومي والشرط الأيديولوجي فضلاً عن مجموعة العلاقات الخارجة عن روح الإبداع والجمال وقيمهما الخلاقة! إن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين العضو المؤسس في الاتحاد العربي عبر رموزه الكبيرة الجواهري والبياتي والسياب وعلي جواد الطاهر ومهدي المخزومي وغيرهم، يمثل تاريخاً يمشي على قدمين، وقد احتضن هذا البيت الثقافي الكثير من الحيوات الثقافية والتجارب والأرواح الباسلة في سعيها إلى تأسيس ثقافة إنسانية خالدة ونامية تتولد منها تجارب وأجيال جديدة يصعد فيها نسغ الحياة مجدداً وحيوياً، إلآّ أن هذا البيت قد سقط في فخاخ النمط السلطوي وقياساته ومفاهيمه القاصرة للثقافة والإبداع وأصبح العمل الثقافي جزءاً من الخطاب السياسي والتعبوي للصوت السلطوي المتورط بالحروب وصناعة القمع والقهر السياسي.. وقد كان لهذا الفضاء المعقد والملتبس دوره المعروف في نشوء ظاهرة المهاجر الثقافية للإبداع العراقي خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وفرض شكل من أشكال الطرد المنهجي لكل إبداع سام باستثناء المهرجانات المربدية الصوتية التي أصبحت ملاذاً لإنصاف المواهب العربية وإيغالاً في عملية التخريب الثقافي القومي.. وقد كانت مدن عمان ودمشق هما المعابر والجسور الأساسية إلى مغامرة الحرية، وكان للطيف الثقافي العربي في هذه المدن دوره في الاحتضان الإنساني والإبداعي لظاهرة المهاجر الثقافية، ولعل القيمين على الاتحاد العام للأدباء العرب ومنهم من أصحاب هذه المدن يدركون هذه الحقيقة ويجافون معطياتها تحت ايهامات وضواغط الشجن السياسي وربما لشجون أخرى! إن ما حدث بعد 9/4/2003 وبكل عاصفيته ودخول العراق إلى لعبة الاحتلال الامريكاني أثار الجدل حقاً! إذ فرّ المسؤولون الثقافيون المهنيون عن بيتهم وتركوه نهبا للصوص وكأنهم جزء من اللعبة السياسية القديمة دون تبرير أو دفاع! وقد تنادى مجموعة من الأدباء والكتاب وهم أعضاء في الاتحاد وليسوا طارئين عليه وأسماؤهم مدونة في الاتحاد الوطني وفي الاتحاد العربي! نعم تنادوا ليدافعوا عن مشروعهم الثقافي ومواجهة تداعيات الاحتلال وحرائق المحنة برمتها، نظموا تجمعاً في كلية الآداب أعلنوا بيانهم المندد بالاحتلال مثلما هو مندد بالروح الدكتانورية التي قادتنا إلى المحنة، واتفقوا على تنظيم تجمع للأدباء في اتحادهم العتيد لتأكيد حقيقة البقاء وحيوية استمرار النوع الثقافي، ولانتخاب هيأة تحضيرية تتبنى الحفاظ على الاتحاد وتنظيم انسيابية العمل الثقافي، وبالفعل حدث إن التقى مجموعة من الأدباء والكتاب صباح يوم 28/4/2003 وبحضور أكثر من سبعين أديباً مثبتة أسماؤهم في السجلات الرسمية للاتحاد، جاءوا إلى بناية الاتحاد رغم الظروف الأمنية الصعبة والمعقدة في بغداد وصعوبة التنقل فيها، وانتخبوا لجنة تحضيرية وأقول((لجنة تحضيرية)) تمارس عملها في المتابعة الثقافية لحين التحضير إلى مؤتمر انتخابي وعدم الركون إلى الصمت والخواء والعطالة، لأن مواجهة تداعيات الاحتلال تحتاج إلى مواجهة ثقافية واعية تؤسس موقفاً على أساس موضوعي وواقعي، وتم إعلام السيد الأمين العام للاتحاد العربي الدكتور علي عقلة عرسان بكل هذه التفاصيل وبصورة مستمرة، فضلاً عن قيام وفد من أعضاء اللجنة التحضيرية بزيادة سوريا وإجراء حوار مباشر معه لغرض الحصول على دعم توجهات عمل اللجنة وأهمية التنسيق المتواصل معها، كما زار الوفد وبتوصية من السيد الأمين العام بيروت للأمر ذاته، وكانت النتائج ايجابية.. وأعلمهم السيد الأمين العام بأنه سيسعى لحضور وفد عراقي إلى اجتماع المكتب التنفيذي في القاهرة وكذلك المؤتمر العام في الجزائر، ولكن ما حدث بعد ذلك يؤكد طبيعة الحراك السياسي والموقف الغريب المجافي للسلوك المهني والقومي والضاغط على تغيير الكثير من التوجهات، وبالتالي قيام السيد الأمين العام بالتخلي عن مسؤولياته في مواجهة هذه الحقيقية، وكان الأحرى به أن يقولها بصراحة مبكرة لهم إنكم (أدباء تحت الاحتلال) وعليكم أن تظلوا كذلك ونحن العروبيون لا شأن لكم بذلك، اذهبوا انتم وربكم وقاتلوا الاحتلال! فأخذ بالتهرب من الاتصالات الهاتفية، وأظن أن هذا فيه الكثير من عدم اللياقة! فهو حريف مهني وعريق في المسؤوليات الإدارية ويمكنه أن يحاور مجموعة من الأدباء الشباب دون عقد أو حساسيات! فانعقد مؤتمر القاهرة بغياب العراق البلد المؤسس! وصدر قرار تعليق العضوية دون سماع رأي الأدباء العراقيين وحتى التنسيق معهم لدعمهم وإسنادهم في مواجهة محنته، وتم ترحيل هذا القرار إلى المؤتمر العام في الجزائر دون إعلام الاتحاد العراقي بذلك، أليست هذه مفارقة! ومن أجل تدراك تداعيات هذا الأمر قرر بعض أعضاء اللجنة التحضيرية الحضور إلى الجزائر لغرض إسماع الأدباء العرب وجهة نظرهم حول ما يحدث في الشارع العراقي، والحصول على الدعم المعنوي في ذلك دون تركهم لوحدهم أمام واقع الاحتلال بكل عقده وقسوته، خاصة وان الوفد الفلسطيني يتمتع بكامل حقوقه المهنية رغم أن ظروفه أكثر احتلالية من العراق، وهذه مفارقة أخرى.. وفوجىء الجميع بحضور الوفد العراقي ودخوله الفندق الذي يقيم فيه المشاركون، وكأن السيد الأمين العام قد أكد مسبقا للإعلام الثقافي العربي والجزائري بأن الوضع الثقافي والمهني في العراق قد أصبح في خبر كان! وان الأدباء العراقيين عاجزون عن الدفاع عن حقهم المهني والقومي! أحدث الحضور لغطاً كبيراً في الإعلام الجزائري وحرجاً اكبر للسيد الأمين العام الذي تحاشى أي لقاء مع الوفد العراقي الذي كان برئاسة أحد أبرز النقاد العرب الأستاذ فاضل ثامر، وكان من المفروض أن يبادر السيد الأمين العام لتفادي ذلك ودعوة الأدباء العراقيين لبيان شأنهم وهمومهم أمام الجميع، لكنه أصر على ذلك وقال بالحرف الواحد بأن العراقيين أن دخلوا القاعة سأخرج أنا منها وهذه مفارقة أخرى! ولعل ضغط الوفد العراقي وقوة حجته التي استقبلها الإعلام الجزائري بوعي ومسؤولية والجهود المباركة للأستاذ عز الدين ميهوبي حالت دون تكريس هيمنة شاملة للسيد عرسان على البيت الثقافي العربي، فجرى ما جرى، حد أن إحدى الصحف الجزائرية نشرت وبمانشيت عريض إن حضور الوفد العراقي هو الذي أعطى فرصة ليفوز ميهوبي برئاسة اتحاد الأدباء العرب! فضلاً عن أن جريدة الخبر الجزائرية قد دعت الوفد العراقي إلى دار تحريرها واستضافتهم في حوارية صحفية عكست وعي الإعلام الجزائري لحقائق الأمور، وتم خلال اللقاء كشف الكثير من الملابسات العالقة بالموضوع ! إن جهود السيد ميهوبي وأخلاقيات الجزائريين كانت بلسماً، وكان موقفهم يعكس حقيقة المسؤولية القومية، وأعلم السيد الميهوبي الوفد العراقي بأنه سيسعى جاهداً لإعادة عضوية الاتحاد إلى بيته العربي بعد إنجاز المؤتمر الانتخابي للأدباء العراقيين.. وهذا ما تم بالفعل حقاً، إذ أعلن عن المؤتمر الانتخابي يوم 25/7/2004 وحضره أكثر من ثمانمائة أديب وكاتب عراقي من بغداد دور المحافظات الذين حضروا رغم كل الظروف الأمنية الصعبة وبحضور قاض، وتم إعلام الأمانة العامة ورئاسة الاتحاد العربي، إذ أرسل السيد الميهوبي رسالة مباركة للمؤتمرين تليت عليهم، ولم ترسل الأمانة العامة أي ممثل عنها للمراقبة وتم إعلامهم بتكليف الدكتور عبد المطلب محمود الأمين العام للأدباء العراقيين السابق بهذه المسؤولية! وتم ذلك تفاديا لأي خرق مهني أو بعض التقولات التي تقلل من الحقيقة الانتخابية ونتائجها.. وجرت الانتخابات في أجواء ديمقراطية ودون تدخلات حكومية كما يحدث سابقاً! إذ تم انتخاب مجلس مركزي للأدباء العراقيين ضم مجموعة فاعلة في الثقافة العراقية والعربية، انتخبوا فيما بعد مكتباً تنفيذياً ضم أحد عشر عضواً وتم انتخاب العلامة والرائد الدكتور عناد غزوان رئيساً للاتحاد كما تم انتخاب الأستاذ الشاعر الفريد سمعان أميناً عاماً وهو من جيل المغامرة الأولى، جيل السياب والبياتي وبلند الحيدري وشارك في يوميات تأسيس أول اتحاد للأدباء العراقيين عام 1959فضلاً عن انتخاب أدباء فاعلين أسهموا في إغناء المشهد الثقافي العراقي والعربي خارج المسميات والضجيج الذي يجيد البعض صناعته بمهارة.. وأرسل الأستاذ عز الدين الميهوبي رئيس الاتحاد العام للأدباء العرب تهنئة للأدباء العراقيين بنجاح مؤتمرهم الانتخابي.. لكن الأمانة العامة كعادتها ظلت عاطلة وتشتغل على ذات النوايا وربما أصبحت جزءاً من مطبخ سياسي لا يطمأن الأدباء إلى أكلاته والى صنّاعها! لقد حفل المشهد الثقافي العراقي خلال السنة الأولى من الدورة الانتخابية بتنوع فعالياته وجدتها والانفتاح على قيم الثقافة الإنسانية النافرة عن العنف وثقافة الحرب، وتشجيع المواهب الجديدة، فضلا عن انه لم يقم بشطب أي اسم من أسماء الأدباء من قوائمه، بل أكد حرصه على تنمية وتفعيل روح الحوار والمسؤولية وتكريس قيم السلام والحرية واحترام الآخر.. وبسبب وفاة المرحوم العلامة الدكتور عناد غزوان تم إجراء انتخاب رئيس جديد للاتحاد حظي بشرفه الناقد العراقي المعروف فاضل ثامر.. إن الموقف الأخير للاتحاد العربي بالاستمرار بتعليق عضوية اتحاد الأدباء العراقيين ليس غريباً مع استمرار السياسة ذاتها، والإصرار على خطاب الإقصاء بدافع غير موضوعي وغير مهني، إذ يفترض الاستماع إلى وجهات نظر العراقيين والتعامل مع واقعهم في ضوء استحقاقاته الثقافية وليس التعكز على أوهام ونكوصات مرضية موجودة في عقول منتجيها! فضلاً عن أن التبريرات التي قدموها واهية وغير جدية ولا تستند إلى أي قراءة حقيقية ليوميات الثقافة العراقية سوى تواترات الإشاعات التي يسوقها مثقفون حكوميون سابقون فاشلون في تأسيس تاريخ إبداعي يحفظ ماء وجوههم.. إن مسؤولية الإعلام الثقافي العربي وإزاء مساحة واسعة للتغيرات التي حدثت في واقعنا الثقافي والاجتماعي والإنساني تقتضي أقصى درجات المكاشفة والشفافية والصدق في المسؤوليات وعدم تسليم الرأس واللغة والروح إلى احتلالات شتى بدءاً من احتلال الهمرات إلى احتلال الخوف والعقد والإرهاب والعقل المفخخ بالأوهام.. وعدم تسليم الذاكرة الحية إلى موات النوايا والحساسيات الباهظة الخراب، وبالتالي نكون أمام لحظة فارقة هي أشبه بالطوفان الذي لا يبقي ولا يذر، لا عاصم فيه سوى الوعي بضرورة الوجود الباسل النبيل إزاء عالم تأخذه العولمات والامركات من ياقته إلى حيث العطالة والنعاس والثرثرة، نحن أمام استحقاق الحرية، حرية الجسد واللغة والموقف، وان نتخلص من أوهامنا القديمة وعقدنا من سلطة العصاب والقدر الذهبي، لنصحو يا أصدقائي لنكون أمام احتمال الوجود حقاً.
|