المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
06/08/2015 06:00 AM GMT
إن نمط المحاكاة للواقع في الرواية العراقية تتخلله الكثير من العقبات الفكرية والنفسية وذلك لعدة أسباب؛ اهمها تشظي وتشتت وغموض ذلك الواقع من جهه ،وتأثر الروائي العراقي بالمنجز الغربي واعتماده كنموذج جاهز للتطبيق من جهة أخرى مما جعل من عملية الامساك بذلك الواقع عبر موضوعة السرد أشبه بمغامرة غير محسومة النتائج فغالبا ما نجد ان الروائي العراقية حينما يحاول تمثل الواقع او محاكاته من خلال السرد يقع أسيرا أما لتمثلات خارجية بعيدة عن الواقع او تناول هذا الواقع عبر أساطير ورموز غيبية أكل الدهر عليها وشرب حيث يؤشر ذلك على عدم جدية الروائي في قدرته على استكشاف هذا الواقع من الداخل وفهم تصدعاته وتحولاته النفسية والفكرية في عمقها الاجتماع والثقافي فرغم الزيادة الحاصلة في الإنتاج الروائي في العراق اليوم ألا أننا نجدها زيادة غير ذات جدوى فكري وأدبي واضح المعالم فالتشابه والتكرار في اغلب أحداث الروايات وحتى في طريقة السرد وضعف البناء هو السمة الغالبة على الكثير من هذه الروايات مع التقدير لبعض الأعمال الروائية الناجحة والمستوفية لشروط الرواية . ان محاولة التجريب في اي عمل روائي هي محاولة تحتمل الفشل والنجاح لذلك تظل محاولة في اشتراح المختلف في السرد اكثر منه مجاورة وتكرار للسرد، ومن هذه الروايات التي مارس كاتبها التجريب والتفتيت وفق رؤية ما بعد الحداثة هي رواية ( تجميع الأسد )لوارد بدر السالم الصادرة في طبعتها الأولى سنة (2014) عن دار ثقافة للنشر والتوزيع . تدور أحداث الرواية حول لوحة هي مزيج من رموز وأرقام وحروف وتعاويذ متداخلة مع بعضها البعض لفنان تشكيلي أطلقه علية المؤلف اسم (ع الرافديني) وهي دلالة على الانتماء التاريخي والحضاري لبلد اسمه العراق تعرض هذه اللوحة في احدى معارض الدول الأجنبية والتي تعمد الكاتب من إخفاء اسم الدولة وذلك لجعل العراق عبر هذه اللوحة مركزا حضاريا وفنيا، وباقي الدول هي إطراف تدور حول أسرار وعظمة المركز (العراق)وهي إحدى مكتسبات مابعد الحداثة ،مما حول هذا المركز بما يكتنزه من خيرات وطاقات فكرية الى بؤرة للصراعات العالمية والاقليمة والتي اخرها كان الاحتلال الامريكي للعراق ،في أشارة واضحة على لعبة المركز والأطراف التي رسختها أفكار ما بعد الحداثة حتى وان كانت على مستوى المتخيل السردي فقط لا المرجعي الواقعي، ولأهمية هذا المركز وخطورة التاريخية أعاد الفنان شحن الصراعات الداخلية ،العرقية، والطائفية ،والدينية والخارجية العالم من حوله في لوحته ففي حوار مابين الخمسيني الأسمر(المواطن) والأمريكي العجوزحول اللوحة يقول الامريكي يتكشف هذا الصراع ( ستفهم لاحقا لماذا انتم في حروب مستمرة ..لماذا انتم في موت ازلي..!) . لقد شكلت هذه اللوحة انموذجا مرجعيا ،لماضي ،وحاضر، ومستقبل العراق ، أنموذج يعج بالمفارقات النفسية والفكرية التي شكلت عبر تاريخ من الصراعات،و التصدعات الاحباطات المتراكمة وعي نفسي وثقافي مسكون بالحزن والوجع والخوف مما هو اتى ولجمع كل هذه الأحداث والمفارقات في مكان وزمان واحد عمد الكاتب بجعل ذلك عبر الفن التشكيلي لأكثر اختزال ومساحة لكل تلك لإحداث من خلال الفنان الرافديني عبر تناصات واضحة مع نصب الحرية الشهير في بغداد بكل ما يشكله النصب من فضاء مفتوح على الكثير من الالغاز و الإسرار والرموز السرية حتى ان جميع من حضر لمشاهدة اللوحة يصاب بالدهشة والحيرة والتي يصفها السارد]اللوحة عبارة عن لوحات صغيرة متوزعة على مساحات كبيرة من خارطة وطن شكلها غريب .. تجريب ام تحديث؟[. يؤثث المؤلف روايته عبر جدلية الفن /الواقع ، الفن ببعده الرمزي المفتوح على دلالات لا متناهية من التأويل ،والواقع المسكون بالتحولات السياسية والنفسية في العراق تتكشف هذه الجدلية مابين شخوص و أحداث الرواية التي يشارك فيها الكاتب باسم المؤلف الضمني وبين جداريه الفنان الذي لا يظهر الا في وقت متأخر من الليل للاطمئنان على لوحته وأداء طقوس مشحونة بالسحر الشبيه بالتعبد والتقديس وكأننا إمام ألاه او جسد مقدس والتي يفاجئ به المؤلف فيزداد حيرة وشك فيما يجري حوله من الرافديني في ظهوره الاول وهو يفرش سجادة الصلاة يصف ذلك المؤلف ( وقف الرافديني على طرفها ووجهه أمام اللوحة وشرع بالصلاة فعلا فيما خرج الفلبيني الى فضاء الحديقة تاركا سيده يغوص في أعماق البخور والرائحة المعطرة ) ،تأخذ هذه الجدلية طابعا تصاعديا مابين شخوص الرواية بكل انتماءاتهم الوظيفية والثقافية في الواقع ومابين ما يتم وتفكيكه واكتشافه من رموز ودلالات فنية وثقافية مهمة او سر جديد من إسرار اللوحة في تأكيد على جدلية الصراع مابين الفن /الواقع داخل هذه الملحمة الرافدينية مما يتيح للكاتب عبر شخوصة مساحة واسعة لمستويات مختلفة من القراءة و التأويل والتعدد في وجهات النظر لحل لغز اللوحة و يساعد في تكثيف النص وإثراء الأحداث حتى تجد انك أمام تحولات سردية مختلفة ومتقاطعة أحيانا وهو ما دفع الكاتب للاعتماد على التجريب في بناء عوالمها عبرة اعطاء الشخوص حرية ولو نسبية للمشاركة في بناء الأحداث ومعارضة المؤلف في تصورته . الصوت استثمر الكاتب التعددية الصوتية في الروي لإثراء النص بوجهات نظر مختلفة انعكس ذلك على فضاء السرد في الرواية في حرية سير الاحداث وهو ما يحسب للمؤلف ففي أللقاء الأول لشخوص الرواية نجد ان مفردات مثل لا ادري ،لم أتصور ،يفترض أتورط ،لا اعلم، لا اعرف والتي تكررت كثيرا في أقسام الرواية ،كلها تؤكد عل فعل المفاجئة وعدم التخطيط المسبق لسير الأحداث فتعدد الاصوات ووجهات النظر ما هو الا تعدد ثيمي دلالي اكثر منه واقعي ،الهدف منه خلق فضاء تأويلي متعدد ومختلف وفق رؤية مابعد الحداثة لذلك حاول جعل اسماء ابطاله اسماء رمزية وفق نمط عملها مثل :البروفسورة (كاترن) و،العجوز الامريكي و،الخادمة كارول و،الرجل الخمسيني الأسمر و، الناقد الفني و،الصحفي و،المؤلف . الزمن : يبدأ الخط الزمني بالانشطار الى نصفين زمن داخلي يتحكم فيه المؤلف والذي يظهر فيه خصائص سردية زمنية تعتمد الصراع والحركة والحضور والغياب اي هو زمنين واقعي تتغير فيه الأحداث ، وزمن خارجي فني متخيل يعيد فيه الفنان تذكيرنا بزمن احداث معينة لكنها ظلت مزروعة في روح الفن الرافديني ولاعادة أحياء هذه الاحداث رغم قدمها توجب وضعها ضمن سياقها التاريخي وزمن حدوثها من خلال الأرقام والتواريخ والأختام الموضوعة في اللوحة وما تخفيه من أسرار وحقائق فنية قد لا تتطابق مع الزمن الواقعي للإحداث اليوم لكنها تبعات نفسية وسياسية لها وبالتالي نحن اما ثنائية زمنية تعتمد الرسم او الفن التشكيلي زمن موازي لزمن السرد اللغة فلحظة اكتشاف السجن وأساليب التعذيب تجري ضمن وقت وزمن معين حين تتعامد الشمس فتدخل عبر فتحات في سقف المعرض لتكشف سرا مهم يطغى ويغير أحداث الرواية ( غير ان ظهيرة اليوم الثالث جاءت بها حزم الضوء النازلة من فتحات الثقوب الى مركز اللوحة ؛حيث انكشف ملامح السجن القديم ). التجريب: يبدأ التجريب في الرواية من العنوان الرئيس (تجميع الاسد ) وهو عنوان له ابعاد دلالية ونفسية وفنية طالما ارتبطت في للاوعي الجمعي للعراقيين، فالأسد له صورة رمزية خاصة شكل بنية ثقافية واجتماعية و تاريخة ارتبطت بدلالات سياسية ونفسية مثل الشجاعة والقوة والبسالة لكن سرعان ما يفاجئ المتلقي بصدمة تكوين وتجميع هذا الاسد من خلال كشف حقيقة ما جرى ويجري في لحظة التجميع وكأن الكاتب يستعيد المقولة الشهيرة (( ان الاسد هو مجموعة خراف)) والتي ترمز الى حجم التضحية والدم والتآمر على العراقيين ككبش او نذر للتجميع هذا الأسد والتي تعكس اختيار الكاتب لغلاف الرواية، سعى الكاتب من الحظه الأولى في محاولة جعل الأرقام والطلاسم هي البعد الأكثر عمقا وتعبيرا وتجريبا لما توفره هذه الرموز من ابعاد مختلفة حيث يفتتح الرواية بجدول فيه أرقام وحروف يتضح فيما بعد هي تواريخ و أحداث أليمة مرت على الميزوبوتامين وتركت اثر لا يمحى على نمط حياتها وفنهم الممزوج بالأساطير الدينية والمثلوجية وهذا ما يبرر استدعاء الكاتب الى مثلوجيا الخلق الأولى من خلال جعل الرقم (7) محور الأحداث كونه يرتبط بالمخيال الجمعي والطقوس الدينية القديمة للعراقيين متخذا من رالرقم ثيمة مركزية ينعقد حولها التجريب في الرواية ،فالشخوص وايام العرض ومكونات الجدارية من لون ،وضوء ،وارقام ،وعطور، وصور ،وحروف ، وجلد هي سبع مواد أساسية وكأن الكاتب يستعيد لحظة الخلق الأولى لا بشكلها الديني البحت بل بشكلها الفني الأسطوري و المعرفي الإيحائي الذي يسعى للتشكيك والاختلاف وكشف المضمر من الانساق وذلك لإتاحة مجالا للعب المفتوح على جميع الاحتمالات الصادمة لثورة مابعد حداثية التي تعتمد على الألعاب الفنية واللغوية والتجريب في عملية اشتغالها وبالتالي تظل العملية الإنتاجية في اي عمل فني عملية إيحاء بالحقيقي اكثر منها حقيقة ثابته لان اي محاولة للفهم الحقيقي تسقط بفعل التلقي والتأويل أكثر من كونه إحالة الى مرجعية حقيقية ثابته هي الواقع وهذا يتضح من خلال سرد الاحداث وتحولاتها التي تبدأ من لحظة اكتشاف سجن ابو غريب مرورا بالسعي لتجميع التواريخ والإعداد و الطقوس السحري المستخدمة في المعرض من مباخر وحروف وانتهاء باختفاء الوحة من الصالة العرض، يقول الاسمر المواطن الميزوبوتامي الوحيد في أشارة لما تقدم :(تعبنا من دون طائل وسنتعب ونحن نقتفي سردا لا خبرة لنا فيه ) . حاول الكاتب من التلاعب بسرد الاحداث من خلال استثماره للعبة الظهور والتخفي او التجلي والغياب التي اعتمدها الكاتب كخيار ما بعد الحداثي يعتمد الاختلاف والتعدد واللامركزية في بناء النص والاحداث ، نجد ذلك واضحا في تحولات السرد (الروي) داخل الرواية وفي تعددية التلقي و الترجمة لسجل الزائرين في اللوحة والذي وفق الكاتب من جعله جزء حيوي وفاعل من الرواية ثم في عملية ظهور وتجلي وغياب لإسرار اللوحة وهو مايعكس طريقة التجريب المتبعة في بناء الرواية . ففي حوار مابين كارول والمؤلف تتضح عملية التجريب عبر الية الغياب والتجلي يقول (ما اعرفه ان كل الروايات تنتهي سيدي – وهذه ستنتهي أيضا لكنها تبقى مفتوحة مثل التنور تحرق صفحاتها بنفسها ). إشكالية التوظيف للاحداث: لم يوفق الكاتب في جعل شخوص الرواية اكثر فاعلية وتاثير في بناء الاحداث رغم محاولته ذلك فرغم الاهمية التي يعطيها المؤلف لهم لكنه يعود فيقصي ادوارهم عبر اهتمامات ثانوية فالبروفسورة تعتذر عن الاستمرار رغم ان العمل الفني يتحرك في صلب اهتمامها العالمي ويقتل الامريكي العجوز خوفا من وجهت النظر المختلفة فهذا التفريغ لمحتوى الشخصيات الحقيقي اخل بطريقة التوظيف الفاعل في بناء الرواية مما اصاب الرواية بالترهل وعدم التماسك في بناء الاحداث حتى ان الرواية تفقد متعتها بسبب حشر بعض الاحداث المكررة والغير ضرورية وهذا يتضح في أقسام الرواية مثل ، الاسمر في بحر الاندنوسية ، وبستويا ، والناقد الروحاني ) واعتقد كان الهدف منها هو مد زمن الاحداث في الرواية اكثر منه إضفاء متعة وثارة وتماسك او تحفيز النص مما اخل ببناء الرواية العام . هكذا أقرأ تجميع الاسد : تطرح الرواية سؤال مركزي عن ماهية روح الميزوبتامي كما يسمه الكاتب عبر تاريخ طويل مسكون بالأسرار الفنية والسحرية والصراعات والترقب لما هو أتي السؤال الذي حير الكثير من الباحثين والمفكرين عن سر تلاحم الانسان الرافديني مع فنه وطقوسة عن قدرته للغوص عميقا في ما وراء الاشياء التي تتجلى في تجريد ونهمام واضح لانتاج رموز ودلالات سيميائية غارقة بالطقوس السحرية والدلالات المزية فهو اول من صنع الحرف والفن وسعى لفهم المستقبل وعليه فالرواية تحاول اعادة انتاج هذا الزخم الروحي والمعرفي عبر احداثها التي تسير وفق خطيين متوازيين خطا فنيا من خلال اللوحة وما تتركه من اثر فني على المتلقي وخطا واقعيا بعتبارها شاهدا حيا على للاحداث عبر لغة توثق تحولات واقع يزداد غرابة وتغريب واقع يعج بالانتكاسات والفشل الحضاري والنفسي دفع إنساننا للعودة للفن والسحر والأحلام للتعويض عن ذلك الفشل لذلك وثق الرافديني في جداريته لحظات هذا الفشل والانكسار النفسي الذي تعرض له الإنسان العراقي والذي يبدأ من لحظة سقوط بغداد وفضيحة التعذيب في سجن ابو غريب والقتل الطائفي والعرقي والتهجير القسري وكأن الرواية تعيد لنا ما نحاول التغاضي عن ذكره او نسيانه وبالتالي تغريب الوعي والحقيقة خلف جدارية هو تغيب مابعد حداثي يتمثل فيه كل الاعيب اللغة والأوهام والتشكيك في كل حدث او معرفة ممكنة فنصب الحرية يحتوي لغز وسقوط بغداد لغز ولوحة الرافديني لغز والبكاء لغز .. والعراق بكل تجلياته لغز كبير ، اذا نحن في كون ملغز لا يمكن للوعي الإنساني الفاعل فهمه الى عبر السحر والطلاسم الاولى بلا شك تعتبر هذه الرواية محاولة في تجريب المجرب ودفع نحو جعل الواقع اكثر حيرة وغموضا وتغريبا . عن "الحوار المتمدن"
|