كتابات الازمة : امرلي والموصل - المالكي والدستور ومعصوم واللغة |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات آمرلي والموصل : دروس النصر والهزيمة!
في التجربة السياسية العراقية هناك نوعان من الأفعال الديماغوجية ، واحدة تغطي النصر والأخرى تغطي الهزيمة . يحاول الديماغوجي في النصر أن ينسينا هزيمة أكبر مغلقا الباب خلفها ، مع محاولة سرقة النصر. وعند الهزيمة يقدم تبريرات بوجود خيانة ومؤامرة. آمرلي والموصل : الشجاعة والاستبسال إزاء الهزيمة المنكرة . الأولى نعرف أسبابها ، نعرف على وجه التحديد أن بسالة أهلها كانت مفتاح النصر، ومن دونهم ما كانت آمرلي أن تكون غير واحدة من فتوحات داعش وهزيمة للعراق الواحد. ما من قانون للنصر مجرب ومؤكد غير أن يقاوم الناس ويدافعون عن حياتهم وقيمهم ضد العدوانيين. هذا القانون تجسد في آمرلي ، أقامه الناس ، توزعوا مسؤولياته دون خوف. ولأنهم ضربوا المثل على الصمود ، بات مثلهم هو الذي يكلل رؤوس أولئك الذين كسروا الحصار عنهم. تلك هي تتمة قانون النصر ودروسه البسيطة. لكن ثمة من يريد أن يغطي هزيمة الموصل بنصر آمرلي ، يغطي بأصوات النصر المبتهجة هزائم مجموعة "الكنبر" التي سلمت الموصل دون أن تطلق رصاصة واحدة. لا أريد هنا أن أشوش على حماس الناس ، بل لأني أنا نفسي أقلق من أولئك الديماغوجيين الذين سيختفون خلف هذا النصر ، ثم ينسينا الحماس دورهم المشين. دعوني أقول بصراحة أكثر أن النصر نفسه يقلقني عندما لا يصان ولا ينمو. إن حسم معركة في سياق حرب واسعة يحتاج الى صيانة وإدامة وأسئلة تتوغل في معناه السياسي والعسكري وظروفه. كل نصر في ظروف مناخ ديماغوجي يمكن أن يسرقه سياسي سافل، عندها لن نجد في قلوبنا غير الحزن والأسى واللامبالاة وانعدام الأمل. وبالعكس أرى أن التحلي بشجاعة البحث عن الحقيقة، وعدم الاستسلام للشائعات، يسترجع مركز الحقيقة في نفوسنا. في حرب تشرين من عام 1973 كتبت مجموعة من المقالات في صفحة (آفاق- الجمهورية) جربت فيها أن أكبح الحماس لمصلحة الذكاء وإعمال العقل . أشرت في واحدة منها الى أنه في الوقت الذي تدك القنابل مواقع العدو الصهيوني، علينا إسقاط النسق الانشائي الشعري الذي لا ينتج معرفة جديدة. كنت أنتقد كتابات انشائية تتغزل بالوطن والأمة ولا تقول شيئا. في الأخرى أشرت إلى أن علينا أن نكون مستعدين لمفاجآت المعارك ومتيقظين لتطوراتها غير المتوقعة ، فكل نصر يخرج من احتمالية ناتجة عن تلاحم أو انفراط الكثير من النقاط والمماسات والمصادفات في سياق علاقات القوى وطبيعة المتحاربين وخلفياتهم . في حينها كان صخب المعركة لا يوجه الانتباه الى هذه (النغبشة) الناعمة من إنسان لا يريد أن يكون غبيا . لقد مرّت الملاحظة الأخيرة بوجه خاص مرور الكرام إلاّ من صديق نبيه سألني عنها فأجبته : انتظر وسترى. من يثق بالبطرياركيات العربية إما غبي وإما يتغابى! أنتم تعرفون كيف انتهت حرب تشرين التي ظهر أنها حرب تحريك لا تحرير. في الحقيقة أن من قرّر أفق المعركة في نهاية التحليل ، ليست الجيوش العسكرية ، بل الأنظمة السياسية. ههنا المضمون (ههنا الوردة فالنرقص هنا!) . هناك بالطبع خطوط أخرى تظهر فيها بطولات الجنود في عبور قناة السويس ، ومثلها المعارك الأولى لاسترداد الجولان . بيد أن أية مراجعة عسكرية وسياسية للخطط والعمليات ستكشف تفاهة النظامين السوري والمصري وسمسرتهما بأرواح الجنود. أعيدوا قراءة أحداث هذه الحرب فستجدون أفضل ما في خصال الجنود والضباط الصغار إزاء أفشل الأنظمة السياسية وأكثرها مخادعة. ولعلّ حكاية دخول الجيش العراقي في المعركة وهو لا يمتلك حتى خرائط أرض المعركة ولا مواقعه فيها، يعد مثالا مزدوجا يقع ما بين البطولة المجنونة ، وعدم المسؤولية التي يتحملها نظام أراد أن يضرب المثل على روح التضامن القومي في ضرب من المنافسة السياسية (دمر نحو لواء عراقي بعد دخوله في كماشة اسرائيلية وهو بلا إرشاد.. بيد أنه خاض معركة بطولية). إن الأنظمة العربية كلها سارت عمياء بلا خرائط في قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية ، وفي الحروب لم تنجح الا في الحرب على شعبها الأعزل فوقعت في وهم أنها قادرة على الصمود أمام العدو الامبريالي والصهيوني . إنها أنظمة غير ديمقراطية، غير عادلة ، فارغة ، لا تصلح الا للصياح والجعجعة والتنصل عن واجباتها. وبسبب قسوتها وقيامها بركوب الدولة أفسدت أنساق الضبط الاجتماعي كلها ، وحولت المعارضة السياسية على صورتها القبيحة من حيث الجهل والحماقة وانعدام خرائط الطريق . ها نحن في إناء يغلي بتراكيب الماضي الفاشي وتراكيب أنظمة جاهلة بمتطلبات الحداثة والدولة الديمقراطية ، إناء ينتج ولادات مشوهة تفرّ من الحاضر الى الماضي ، ثم تسحب الماضي الى الحاضر. ها هي داعش الارهابية إذن تحيي نظام الخلافة على أساس طائفي صرف، وهاهم أولاء يسحبون اجتماع السقيفة الى الحاضر ليخوضوا معركة الطائفة. إن المشوّه يقوم بالتشويه، ويسقط صورته المرعبة على كل شيء. التسليم بالأمر الواقع: هذا ما كتبته في عمود سابق. كنت أؤشر الى أن (الأمر الواقع) بات صناعة ، وهناك من يسهمون في هذه الصناعة ، ويجعلوننا ندور في دائرتها بلا خيال وأحلام وجرأة، ولا نتخطاها حتى في لغة التحليل. بل لعلنا بسبب سياسة الأمر الواقع نأخذ على عاتقنا مهمة الهرب من الحرية. بعد سقوط الموصل المخزي بيد داعش بات للأمر الواقع أمثلة سياسية حية وكبيرة ، ثم زاد سمنة بعد اكتساح داعش لسنجار وسهل الموصل وحوض زمار وتكريت وغيرها من مناطق العراق ، بما جعلني أؤمن أن مجموعة 2003 الطائفية هي جوقة واحدة وإن اختلفت . إنهم شيعة وسنة وكرد ، صنعوا واقعا سيئا وطالبونا بالتكيف معه ، مغطين على سهوهم وتحزباتهم الى طوائفهم وليس الى بلدهم العراق. كتب الزميل المهاجر نوزت شمدين قائلا إن الموصل لم تسقط في شهر حزيران المنصرم بل أقدم من ذلك بكثير ، ثم سرد وقائع عن سيطرة الارهابيين على المدينة فيما كان الجيش يصنع حواجزتسمح للسيارات المفخخة بالعبور بينما تجعل حياة المواطنين صعبة ، وضباطه يتسلمون الرشاوي من الأهالي ومن الارهابيين. كانت "القاعدة" التي استورثتها "داعش" تأخذ خاوة عن أعمال البيع والشراء، ومن التجار والمقاولين وأصحاب المصالح والدكاكين والمزارعين بواسطة التهديد بالقتل ، بل إنها سيطرت على مقاولات الدولة تقريبا ، وكانت تنفّذها بأسماء تجار ومكاتب تجارية ومقاولين محليين استسلموا للـ (الأمر الواقع) بعد أن اقتنعوا أن الجماعات الارهابية هي الدولة الحقيقية وليس جيش المالكي ولا المحافظ تاجر الخيول الحائر ما بين قادة جيش بغداد الفاسد وبين عمله التجاري . الحقيقة أن هذه المعلومات كانت معروفة حتى قبل قيام المالكي بحملاته الفاشلة هناك ، وقد كتب عنها صحفيون شبان رائعون من الموصل نشر موقع "نقاش" مقالاتهم . (أنا نفسي كتبت تقريرا بهذا الشأن في صحيفة "الناس"). فإذا كان القائد العام لا يدري بهذه الحقائق ، وإذا كان قادة الجيش في الموصل لا يدرون، برغم وجود مصادر معلومات هائلة وكتابات لم يخش أصحابها وضع أسماءهم عليها، فلم يبق غير "داعش" التي عرفت لمرتين: عن الموصل الساقطة في أحضانهم ، وعن حكومة المنطقة الخضراء الفاسدة. هذا ما يسمى بالانكشاف في الأدب السياسي ، لكن في الموصل كانت الحكومة بقواتها عارية عريا مخجلا بحيث لم تحظ باحترام السكان وثقتهم. هذا هو حدث حزيران 2014 بالتمام والكمال . عودوا الى هذه الكتابات حتى لا ننسى ونضلل أنفسنا بحقيقة شركاء داعش الموضوعيين الذين فروا من الباب لكي يعودوا من الشباك حاملين شعلة تحرير الموصل. في عام 1927 طبعت مطبعة عراقية كتيبا كتبه الشيخ نعمان الأعظمي عن سقوط بغداد بيد المغول. الأعظمي كان خطيبا لمنبر جامع ابي حنيفة النعمان ، لكنه وهو المتنور كتب يصف تحميل العلقمي مسؤولية سقوط بغداد لأنه شيعي بالفرية الطائفية ، فبغداد كانت قد سقطت من زمان. لا حظوا أن رجل دين سني أدرك مبكرا خطر بعض الاكاذيب الطائفية على مستقبل وعينا المجتمعي . بيد أن الفرية نفسها أعيدت الى الحياة في السنوات الاخيرة من حكم صدام كضرب من التأكيد على "العدو الفارسي" ، لكن المتنورين جميعا عرفوا أن النظام بات هو نفسه العدو الداخلي ، وأنه أسهم موضوعيا بإسقاط بغداد بيد الامريكان. الموصل هي الأخرى سقطت من زمان ، وموضوعيا أسهم قادة الجيش والحكومة الشبيهتان ببنطلون مرقّع مع الدواعش على اسقاطها. ثمة من يتحدث عن الحواضن كأنها بيئة طائفية خالصة تنمو فيها أشجار تثمر دواعشا. هذه فرية طائفية هي الأخرى. المالكي تحدث عن مؤامرة ضده أثناء ما كانت روحه ترفرف على الولاية الثالثة ، ولا أظنه كان معنيا بالموصل ، ولا أظنه استمع الى أصوات شريفة تتحدث عن الموصل الساقطة كثمرة ناضجة بأحضان داعش . لكن من يحاسبه؟ في غياب الدولة والقانون، وغياب قوات مسلحة تعرف واجبها الوطني ، يضطر الناس الى الاستسلام للأمر الواقع ، أي أنهم يستسلمون للطغيان والشر. ها هي صيغة الأمر الواقع عندما تعمل في الحياة ، وليس كما يصفها السياسي. إنها صناعة سياسية – اجتماعية ظاهرها لا يشبه باطنها ، تتشكل ببطء ثم تبدو كأنها هي كل الواقع. من هنا قد تنسينا مسدسات كاتمة الصوت والاغتيالات المنظمة والابتزاز وضغوط الحياة وتفاهة السياسيين والطائفيين والضعف ومن ثم الخيانة، فهذه كلها تصنع "أمرا واقعا" بطعم الاحتقار والخذلان والهزيمة . بعد نجاة زمرة "الكنبر" الفاسدة والمتخلفة، وأسوأ ما في مكاتب رئيس الوزراء والقائد العام من جهلة (أراهن أنهم سيحظون بمناصب كبيرة!)، من يدري إذا كان الأمر الواقع سيمتلك برنامجا عريضا يكون بمقتضاه أن نسامح الخونة واللصوص والفارين والمتاجرين بقوت الشعب. سيقولون لنا لا تنكئوا الجراح ما دام بيتنا الوطني المشترك يحترق. ليس هذا أوان التجريح وإثباط الهمم . أجلّوا اللّوم الى حين النصر الكبير. لنكن مثل فضائية "العراقية" التي تصمت مع صمت القائد العام ، وتتحدث إذا ما تكلم. كم مرة وجدنا أنفسنا في مثل هذا الموقف في تاريخنا السياسي، وطولبنا بدفع ثمنه من سكوتنا واختناقنا بالكلمات والبكاء والغضب؟ كم مرة سمعنا من يقول "نظرا للظروف العصيبة التي يمر بها قطرنا العزيز"؟. بهذه الظرفية التي لا تنتهي ، المتمددة على الجسد العراقي، متورمة من الخلف والأمام ، جرى تدمير حياتنا وحرياتنا، وذهبوا بنا الى مئة حرب وحرب : حروب أهلية ، حروب سرية ، حروب سرسرية، تكرست فيها مشاعر المهانة والخذلان ، وصمت القبور في بلد المقابر! أقترح عليكم العودة الى الوراء لفهم ما جرى . لم يمض زمن طويل على الانتخابات النيابية ، فإذا بنتائجها تنتفخ وتتفجر تحت أقدام أولئك الذين اعتادوا أن يحفر الواحد للآخر من أجل إسقاطه. كتبت أربع مقالات قبل الانتخابات تحت عنوان (لماذا يجب أن نقلق من الانتخابات النيابية القادمة؟). كان واضحا بالنسبة لي أن عملية تسييس الطوائف وتطييف السياسة وصلت الى منتهاها بعد استخدام القوات المسلحة في الرمادي، وقيام بعض العشائر السنية تسليم زمام أمرها الى رجال الدين وأسوأ انواع الاسلاميين ، خالطة بين الملثمين والأفندية السافرة وجوههم متوهمة أن هذا يعدّ سياسة قوية ، جاعلة المطالب المشروعة تنسحب خلف الأساليب التآمرية. كان يأسهم من المالكي الذي لا يثق الا بنفسه قد جرهم الى مواقف مشبوهة. رافق ذلك أن الأوضاع السورية باضت بيوضا شريرة : بيوض ابن الاسد التي فقست عن "النصرة" ، وبيوض "النصرة" التي خرجت منها "داعش" ، بيوض الخليج التكفيرية وحواضن أموالها ، وأوهام الحاضنة المخابراتية لسوريا الاسد التي رعت انواعا من البيوض المسمومة التي غيرت انتماءاتها.. وأخيرا تلك البيوض التي احتضنها حزب الله من دون فهم أفق المعركة التي تحولت الى حرب الطوائف العابرة للحدود. لم تكن تلك انتخابات سياسية بل صراع طائفي صريح ومعلن جرى في أسوأ ظرف اقليمي، ويدار من قبل متخلفين ثقافيا وسياسيا، حصدت داعش نتائجه العسكرية، وكانت صافرة لبدء المرحلة الثانية من إعلان حرب اسلاموية على الوطن والوطنية. كان على مكة أن يعاد فتحها فلا يأمن الناس عندها الا من دخل بيت البغدادي! قال الستراتيجي الألماني كلاوتزفيتز إن الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى. ولقد كان التنافس الانتخابي أشبه بحرب بين الطوائف ، عبّرت عنه داعش عسكريا. لقد دارت داعش مع اللعبة التي أدارها المالكي من أجل التجديد لولايته وهو يرتكس بالفشل السياسي. فإذا بالفشل العسكري يظهر صارخا يتوّج كل أنواع الفشل، ويؤكد كل الانكشافات السياسية والتنظيمية للسلطة ، ولقادتها العسكريين غير المؤهلين. بعد أن انتهت الانتخابات النيابية ، بدأت أعمال الاصطفاء الطبيعي الطائفي لاختيار الأصلح. ما الأصلح والبلد في حالة نزاع؟ إنه القوي والأقوى، والأكثر حيلة، وليس الأكفأ والأشرف ، فهذا أنسب لمجتمع تحوّل الى غابة. إن طوائف مسيّسة ، ما زالت تعيد إنتاج أوهامها ، وفي ظروف تخلف ثقافي، سوف تستدعي ما يجري في عالم الحيوان عند كل مفصل تنافسي. إن الأصلح في سياق نزاعي هو من ينهي النزاع بالنصر بصرف النظر عن العدالة ، أو من يحافظ على تماسك الطائفة بواسطة الشعوذة والخرافة ونشر الأمية وتضليل الفقراء. أدعوكم لتأمل ما جرى قبل الانتخابات وما بعدها فسترون نسخا كثيرة من ذلك العالم الحيواني في الحياة اليومية الاعتيادية ، فقد ألغمت السياسات الطائفية هذه الحياة ، ودفعت الجميع الى حافة الهاوية والاقتتال اليومي والخوف والإحساس بالعجز والعزلة، مقابل توحش أكثر ، وسفالات أعمق ، وإفقار في كل شيء. لقد ضيّع المالكي فرصا هائلة معتمدا على جيش كلنا نعرف أنه يفور بالانقسامات الاجتماعية والسياسية ، وقياداته بلا تدريب سياسي وفكري ، وأكثر من هذا غير مؤهلة مهنيا. ولأنه أعاد انتاج وسائل ارهابية ، باستخدام المليشيات بشكل سري في بغداد والمناطق الغربية ، تفككت الحواضن الاجتماعية التي جرى انتزاعها من الارهابيين في الاعوام الماضية ، فتقدم الأخيرون الذين كانوا أكثر يقظة منه لكي يعيدوا الاستيلاء عليها مجددا ، ويصوروا أنفسهم مدافعا أمينا عنها وعن الطائفة : إن الطائفي يصنع طائفيا ، والوسائل الإرهابية تصنع إرهابيين. إن الميكانيكيات من فعل ورد فعل، ومن استنساخ الوسائل القذرة ، تتوالد في ظل الحرب الخفية والصريحة للطوائف التي راحت القوى الارهابية والعملاء الدوليين والاقليميين يجنون نتائجها. الآن سيغادرنا من يتحمل مسؤولية هزيمة الموصل وقبلها هزيمة بناء الدولة وهو مبرّأ من كل عيب . برأه حزبه ، وبرأته الطائفة التي أهانها إهانة بالغة ، برأه ساسة المحاصصة محتالين على المقاييس الوطنية باسم الظروف ومتطلبات المرحلة والمعركة القائمة. والحال نشهد اليوم عملية اعادة انتاج الوضعية السابقة ، من محاصصة وتوزيع المناصب ، والتصرف وفق المصالح الطائفية والحزبية مستغلة الظروف المأساوية. علينا أن نتوقع أن النظام السياسي الحالي غير المسلح ببرامج الاصلاح، ومعاقبة المقصرين، ونقد التجربة السياسية ، سيعيد انتاج نفس الشروط والقيم والعادات التي أوصلت بلدنا الى الشقاء والهزائم المذلة. هل المطلوب أن ننسى باسم قيّم تقع خارج التجربة الحيّة؟ لكن ما السياسة إذا كانت تسدّ عينيها عن رؤية التجربة الحية ولا تتفحصها؟ سيتحدثون عن المبادئ . لكن أي مبادئ هذه تكافئ اللصوص وتسيّس العدالة؟ إنها ليست سياسة بل موت الضمير الأخلاقي والوطني .. موتنا. لا نريد نصر آمرلي أن يغطي على سقوط الموصل. ثمة درسان مختلفان علينا أن نتعلم منهما باتجاه الخروج باستنتاجات صحيحة كي تخاض الحرب ضد داعش في سياق برنامج واسع أوجزه بالنقاط الآتية : إعادة بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية ، وضع قواعد قانونية تمنع بموجبه الأفكار الطائفية وتوجهاتها ، تحرير الدولة من استبداد الأحزاب والجماعات السياسية والمليشيات واعتماد الكفاءة المهنية ، نقد التجربة السياسية بلا خشية ولا تردد ، معاقبة المقصرين والفاسدين وملاحقتهم قانونيا. إن العدو الحقيقي القادر على تحويل كل نصر الى هزيمة هو الصمت والتواطؤ والطائفية وعدم احترام القانون والحياة الإنسانية!
|