منال الشيخ: حريتي ستكتمل عندما أكون في بلدي.. أكتب وأقول ما أؤمن به |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات لم تكن العزلة التي اختارتها الكاتبة العراقية المقيمة في النرويج منال الشيخ إلا دافعاً أكبر للاستمرار بالكتابة والتجريب بمختلف فنون الكتابة، فمنذ مجموعتها السردية الأولى (انحراف التوابيت) في العام 1996 انقطعت عن الوسط الثقافي واختارت لنفسها بيئة خاصة كتبت من خلالها في الشعر والقصة وعدداً من المقالات النقدية، وأصدرت بعد ذلك (أسفار العزلة) 2008، (بالنقطة الحمراء تحت عينه اليسرى) شعر2009، (رسائل لا تصل) شعر2010، (بوابات ليل أنطاكيا) سرد2010، فضلا عن إصدارها أنطولوجيا للشعر العراقي الحديث بجزأين في الجزائر بعنوان (أمراء الرؤى).
منال الشيخ، التي حصلت على منحة الكاتب الضيف في النرويج، تعمل حالياً على إنجاز عمل روائي، مستثمرة حياتها المليئة بالكتابة والسفر. عن منجزها الإبداعي وحياتها المليئة بالتحولات كان لنا معها هذا الحوار: * التنقل بين الشعر والقصة والشروع بكتابة رواية، مباهج أدبية متعددة، لكنها يمكن أن تشتت الكاتب، فلا يتمكن من انتاج نص متميز، كيف تبررين الجمع بين عدد من فنون الكتابة؟ - أعتقد هي ليست مسألة تنقل اختياري. منذ البداية كنتُ أكتب ما أظنهُ شعراً على حد سواء مع السرد والنص القصصي. في كثير من الأحيان الرغبة الآنية للكتابة والموضوع يحددان لي شكل النص القادم. كما تعلم أن لحظات الكتابة تكون عادة غير مخطط لها ولا نعرف متى سنبدأ أو متى نتوقف. هنا أقصد بالتخطيط غير وضع برنامج زمني للكتابة. ما أعنيه أن التشتت في بداية ممارسة الكتابة وعدم تحديد هويتك لجنس الكتابة الذي تكتبهُ عامل مساعد جداً أن تنفتح على معظم الأجناس في الوقت ذاته. ومع ذلك أجد أن التخصص في الكتابة سلاح ذو حدين، فربما أحدهم يتمتع بمساحة وإبداع في جنس كتابي لن نتعرف عليه بسبب تخصصه في الكتابة وهو ما يزيد عنده التركيز على جنس كتابي واحد ويخلص له. * بعد إصدارك أكثر من مجموعة شعرية، ما التحولات التي طرأت على تجربتك في بناء القصيدة؟ - لقد طرأ الكثير ومما لم أكن أتوقعه. أصبحتُ أكثر نضجاً وفهماً لروح الكتابة نفسها. فيما مضى كان هاجس القارئ والتجريب يسيطر علي وعيي طوال الوقت مثل الكثير من المبتدئين في هذا المجال. ومشكلتنا نحن العراقيين، مع الأسف، أننا نهتم بالآخر أكثر مما نهتم بالتجربة نفسها. في البدايات، وأقولها بصراحة، كنت أسيرة محيط ضيق فرضته علي البيئة ونوعية الكتب المتوفرة والمُروج لها في سوقنا العراقي. ولا أغفل عن ذكر إسقاطات الآخر الذي طالما اعتبر نفسه المُعلم ويجب طاعتهُ. في ظني أنا كنتُ محظوظة في هذه النقطة بعض الشيء وكان توقفي عن الكتابة والتواصل لمدة عشر سنوات فرصة لأرى نفسي بوضوح أكثر وماذا أريد من الكتابة وماذا يريد مني النص. تخلصت من سطوة المحيط وفلقة المعلم ونجوت من التدجين، حتى لو كان التدجين لصالح شغلي بحسب رأي الآخرين، ولكن أن تبدأ من الصفر وبساق واحدة أفضل من أن تستعير ساقين لم تكونا يوماً لك. * سعى أغلب الشعراء، وقبلهم القصاصون لكتابة الرواية، ألا ترين أن اتجاه أغلب الكتاب للانتقال إلى الرواية سيضع الشعر والقصة في مأزق؟ - الشعر بالفعل في مأزق، بحضور الرواية أو بدونها، وهذا المأزق ليس جديداً. أتذكر أن معظم جيلي عندما كان يبدأ القراءة كنا نختار الروايات العالمية والمجاميع القصصية. كنا نستمتع بأجواء الرواية والقصص ونناقشها بعد الانتهاء من القراءة أكثر بكثير من الشعر. ربما لأن الشعر هو أكثر جنس أدبي يعنى بالذات، لذا ليس بالسهولة أن نجد أنفسنا في النصوص الشعرية. كشاعرة فإن حكمي على الشعر لن يكون كالمتلقي العادي، أحبُ دوام البحث عن الجديد والقراءة للأسماء الجديدة بغض النظر عن انتشارها وشهرتها. * هل يمكن أن نعد ما تكتبين ضمن منهج الكتابة النسوية؟ وكيف تنظرين لهذا المفهوم؟ - من خلال القراءات التي تناولت شغلي كادت كلها تجمع أن الكتابة التي اكتبها لا تندرج ضمن منهج الكتابة النسوية. تناول مفهوم هذا المنهج هو الخاطئ وليس التسمية. الرجل الكاتب يتناول المرأة وأعضاءها في نصوصه وتصل حد الإباحية وتبتعد في كثير من الأحيان عن روح الشعر، ومع ذلك تتناولها القراءات على أنها تجربة شعرية. نقطة دون تكملة الوصف تجربة شعرية ذكورية! ومن الطبيعي أن تتناول المرأة الرجل في نصوصها لأن هذه هي تجربتها والشعر أما عن موضوع أو عن تجربة، ولكن لماذا التمييز في لحظة تناول التجربة وتصنيفها تحت مسمى كتابة نسوية؟ أظنُ أننا جميعاً نتحمل مسؤولية تحديد نصوصنا. التكرار والاجترار يقتل صاحبهُ وكذا الرجل الكاتب الذي يظل يجتر نفس المادة والخامة في شعره يموت. والمرأة الكاتبة التي تحاول أن تقوقع نفسها في نفس الزاوية دون الجرأة على التجريب والتغريب تموت أيضاً. العلة في المُتناول العادل للطرفين وليس التصنيف. * إذا كان الكاتب محاصراً، لا يستطيع الانفتاح على العالم من خلال نصه، لكنك كنت محاصرة كامرأة أولا، ومن ثم بسب الأوضاع السياسية في الموصل وانتقالك لأربيل، وأخيراً انتقالك لبلد مغلق مثل النرويج.. كيف تنظرين للعالم بعين كاتب عايش كل هذا التجارب؟ - المرأة عموماً في بلداننا محاصرة ولا تملك حقوقها وحريتها التي ولدت بها بسبب من غياب القوانين التي تحفظ حق المواطن عامة وحق المرأة والطفل بشكل خاص. مدينتي الموصل من أكثر المحافظات الملتزمة اجتماعياً ودينياً والحياة فيها كانت بالنسبة لفتاة مثلي تبدأ حياتها في طريق الكتابة مسألة صعبة للغاية. أعود وأقول أنني كنتُ محظوظة مرة أخرى بأبي وأمي، فلولاهما لما استطعت أن انتزع بعض حقوقي التي هي ملكي أساساً. بفضل تشجيعهما ومؤازرتهما لي في كل أزمة كنتُ أمر بها تمكنت من الصمود والاستمرار لحد هذه اللحظة. أما تواجدي هنا في عالم متقدم فهو ليس مبتغى الحرية عندي. حريتي ستكتمل عندما أكون في بلدي وأكتب وأقول ما اؤمن به دون أن يتعرض لي أحد. ممارسة الحرية في بلاد حرة ليست حرية لأمثالنا بل تحصيل حاصل. أجد أن أحلامي لم تنسلخ بعد عن تحقيق حريتي على أرض بلدي يوماً. ولكن ما بوسعنا فعله عندما يكون صوت الرصاص أقوى من صوت الكلمة! تجبرنا الحالة أن نمارس حريتنا منقوصة. * العالم قرية صغيرة، وأنت ضمن هذه القرية في الفيسبوك والتويتر.. أين تضعين النص الالكتروني في هذه المواقع، أو كما أسماه سعيد يقطين بالنص التفاعلي؟ وهل يمكن هذا التفاعل مع القراء من إنتاج نصوص ذات تقنيات جديدة؟ - تحديد النصوص المكتوبة على المواقع الاجتماعية فقط بالنص التفاعلي يلغي هذه الصفة عن النص المكتوب في الكتب والمنابر الأخرى. اعتقد أن التفاعل مع النص يكون بين النص والمتلقي بغض النظر عن طريقة ومكان نشره. أما إن كان يقصد التعليقات والنقاش حول بعض النصوص التي تكتب وتنشر على الفيسبوك مثلاً فهذا يدخل في باب التفاعل المباشر مع النص. لا استطيع التحدث عن تجارب الآخرين إذ إني لا أعرف هل يكتبون نصوصهم مباشرة على الفيسبوك أم إنهم يختارون مقتطفات من نصوص سبق نشرها. بالنسبة لي يحدث أن تجتاحني رغبة في كتابة نص مباشر في خانة الحالة على صفحتي، وأحيان كثيرة أنشر بشكل فوري دون أية مراجعة، مثل أية كتابة عادية أو ملاحظة يومية تعودت الكتابة عنها. التقنية التي أظن أنها تختلف في هذه الحالة أن هناك في اللاوعي تصور لجمهور حاضر بالفعل سيتلقى مباشرة ما ستكتب وأيضاً هذه المساحة الصغيرة، وخاصة على التويتر، يفرض عليك أن تهذب جملتك بالتكثيف والاختزال. شخصياً تغيرت عندي قناعات كثيرة وتعلمت تقنيات كثيرة من خلال الكتابة المباشرة على المواقع الاجتماعية. عن (القدس العربي)
|