المقاله تحت باب في السياسة في
13/06/2013 06:00 AM GMT
عن الشأن السوري، لا أقرأ عادةً الكثير مما يكتبه عرب، من غير السوريين.. المزايدات ورائحة النخاسة دائماً تفوح من مثل هذه الكتابات التي اعتدناها من مقاولات الإعلام والثقافة العربية، لكني أتوقف عادةً عند كل ما يقع تحت ناظري مما يكتبه مثقفون سوريون معارضون، وبينهم أصدقاء كثر. أتوقف عند الموقف من أدونيس، شاعر سورية الحي الأكبر الذي هو واحد من ندرة من شعراء العالم الذين يشكلون ضمائر أممهم وحراس وجدانها الحي. قبل هذا وقفت، مثلما وقف الجميع، على رأي أدونيس مما يحدث في بلده سورية.. وكان أسوأ ما نعت به هذا الموقف، من قبل مثقفين وسياسيين أنه ممالئ للنظام حيناً وطائفي حيناً آخر، أو الإثنان معاً. كان غريباً أن يجري الحديث عن طائفية شاعر ومفكر مثل أدونيس.. لا يحتاج أدونيس ليتصرّف كطائفي في موقفه المعترض على شكل التغيير، كما جرى. وشخصياً أرى أنه كان محقّاً لو كان فعلاً انطلق من قلق على طائفة هو سليلها.. كان لا بد له أن يفكر بمصير أسود ينتظر هذه الطائفة كما أعلنت وعملت من أجل ذلك أطراف تكفيرية ومتشددة، وكان لا بد للمثقفين وللسياسيين المعارضين الأحرار أن يفكروا بهذا المصير، ويعملوا على ما يطمئن الطائفة وسواها، بالرغم من أن ما سيسمع في مثل هذه الظروف هو صوت الرصاص والتهديد لا رسائل الطمأنة الشفوية.لكن لا أدونيس أعلن عن مثل هذا الموقف المتعاطف حصراً مع طائفة مهدّدة، ولا عبّر عنه بصيغة ما، أية صيغة.. كما أن لا أحد، بحد أدنى من الواقعية، يستطيع التوفر على اقناع يسوِّغ زجَّ أدونيس بهذا التعاطف المحدد بطائفة والذي كان أدونيس سبّاقاً بتجاوزه إلى خوف على مستقبل شعب ودولة وبلد.أدونيس كان واضحاً في أكثر من بيان ولقاء في التعبير عن موقفه الذي يدين الدكتاتورية الحزبية في بلده والذي يطمح إلى دولة ديمقراطية.. لكنه كان واضحاً في التعبير عن إدانته لهذا النفق الذي دفعت به الفصائلُ المسلحة سوريةَ وشعبها ومستقبلهما. لقد عملت الفصائل المتطرفة على سرقة وتشويه الإرادة الحرة للسوريين.. وكان على المعارضة الحقيقية التي نعرف أن يكون موقفها أشد حزماً ورفضاً لهذه المأساة.لقد شُتم أدونيس كثيراً. وهذا موقف مألوف دائما من المعارضات العربية التي عادةً ما تتلبس بلبوس وأخلاق السلطات التي تعارضها.. فهي أيضاً، كما السلطة، تريد الناس على مقاسها، إما أن تكون معنا أو أنت ضدنا. لم يجر التفكير بقيمة أدونيس، شاعراً ومفكراً ومواطناً استثنائياً.. كان قليل من الذكاء السياسي يكفي لتصنيف أدونيس كمعارض للسلطة، لكنه يختلف مع أطراف المعارضة بشكل التغيير الذي ذهب إلى العنف والسلاح، سواء أكان ذلك الاستخدام اضطراراً أم اختياراً، مثل هذا المنطق لا ينسجم والمزاج الحاد للمعارضات العربية، إنه مزاج لا يريد أن يمضي إلا باتجاه واحد.. الآخرون، في الاتجاهات الأخرى، كلهم خونة. الشاعر لا يكون شجاعاً حين يقول للسلطة حصراً (لا).. أحياناً تحتاج الشجاعة أن تقول (لا) للسلطة ولمعارضيها على حد سواء. عندنا في العراق حدث ما هو قريب من هذا الحال مع سعدي يوسف؛وقد قضى حياته مناوئاً للدكتاتورية، لكنه أعترض على شكل التغيير.. جرى اختلاف مماثل، كان مدعاة لتداعيات كثيرة وسط جو تهييجي مشوب بالانفعال العراقي المعروف.كنت أحسب أن السوريين أكثر هدوءاً ورويةً منّا، لكن واقع الحال جمع الكوفيين والشاميين في لحظة انفعال وتشنج واحدة: خسران الصوت الثقافي الرفيع حين التفكير بكرسي السلطة.. ما ألعن السلطة.
|