أكتوبر وتفاحتها والفاصوليا |
المقاله تحت باب قصة قصيرة وقف بانتظارها قبل الظلام بساعتين. رأى العديد من حبات الكستناء التي دحرجها الهواء من جهة جامع سلطان أحمد إلى حيث يقف عند حافة الرصيف الضامر لايا صوفيا. تمنى لو أن أوراق أشجار الكستناء تتساقط هي ايضا، وتتأخر دورية تنظيف اسطنبول الليلية عن موعدها. انتبه إلى أنه وحده. كان من المبكر جدا النظر إلى جهة بحر مرمرة حيث أخطأت في المرة الوحيدة السابقة وجاءت من هناك ولكنه أراد أن يقدر طول المسافة التي استغرقتها لهفته. لم يقرر إن كان سيمد لها يده أم يحتضنها كما تقتضي تفاصيل الذكرى القديمة لكنه شاهد ثلاثة من الشرطة يتعاونون على دفع حاجز حديدي ما لبث أن تبيّن منه العلامة القاطعة بمنع المرور. لحظات وانقطعت عنه نسائم البحر. فكر أنه من الطبيعي ألا تتكرر التفاصيل نفسها فهذه ذكرى جديدة ويمكن التنازل عن طريق البحر وأوراق الخريف. كان يحب أن يكون اللقاء متطابقا مع المرة الأولى حين أتت من جهة البحر واحتضنته بعمق وسارا بعدها بتمهل نحو مطعمهما الصغير القريب من سلطان احمد. في المساء تغيب القطط عن شوارع اسطنبول. هذا أمر يتطابق مع الذكرى ولكنه لم يشعر بالارتياح التام فالوقت الآن أثقل بكثير من أي انتظار سابق. ابتسم حين تذكر انها تحب أن تبقيه منتظرا وفي حالة أبدية من الترقب. قال لنفسه بأنهم حتى لو أغلقوا الطريق فان مكان البحر يتطابق مع الذكرى. يعرف أن لديه الكثير من الوقت قبل أن تتغطى اسطنبول بالظلام وبالغيوم. ويعرف ايضا أن موعد المطر سيكون في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ويعرف أن الشوارع ستخلو تماما حين يكونان هناك يتناولان العشاء في مطعم صغير بمناضد قليلة، وقال لنفسه بأنه سيقبلها هذه المرة حين يخرجان من المطعم ويكون المطر قد بدأ، لكنه حزين لأن اسطنبول غريبة هذه المرة ويمكن لها أن تغلق طريق البحر، ويمكن لأوراق أشجار الكستناء ألا تتساقط في الخريف. شعر بالخوف رغم ان الوقت ينقصه الكثير حتى يتشابه مع الذكرى. لم يبق من أفراد الشرطة عند الحاجز من جهة البحر سوى الطويل الداكن الذي سار ببطء نحوه. هبط قلبه فهو لم يكن يحب أن يسير أحدهم في الجهة التي جاءت هي منها. استمر في انتظاره إلا أن الظلام أخذ يسرع وبدأت الغيوم تتجمع. كلما سار الشرطي خطوة تكاثف السواد أكثر وحين وصل الشرطي إليه كانت اسطنبول غارقة في الظلام وقد بدأ المطر يتساقط. تشجع وسأل الشرطي: - هل أغلقتم الطريق إلى البحر؟. نظر الشرطي اليه باستغراب وقال وهو يثبت قبعته: - لا يوجد بحر هنا. قال بخوف: - أنا أنتظر سيدة ستأتي من هذه الجهة. أشار إلى جهة الحاجز فقال الشرطي: - لا يمكن ذلك، فلا طريق هنا ولا بحر. تصلبت أطرافه وشعر بثقب في قلبه فعاد الشرطي ليقول مبتسما: - لا تحزن.. اسطنبول تتغير كثيرا.
أخبرته بينما هو يقشر لها التفاحة ويجلس ملامسا بفخذه اصابع قدميها، انها ستختار MBC MAX. ظهرت له دائرة داكنة في التفاحة فاعادها إلى الصحن مع حلقة قشرتها. دقق في التفاحة المتوسطة واخذ يتحسسها قبل ان يبدأ بتقشيرها. قالت له وهي مستلقية على جنبها ببجامتها الصفراء وترفع رأسها بكفها الايسر: - انه فيلم Before sunset هل تذكره؟. قال وهو يحاول الا ينقطع شريط القشرة الاحمر: - نعم..إنه عن تلك الفتاة الفرنسية وذلك الشاب الاميركي.. أنا وأنت لا نجده مملا أبدا. قالت له: - هما يشبهاننا في احاديثهما. رد وهو يحرك السكين ببطء: - جدا جدا.. انا اكثر منه اتزانا ولكنها تشبهك كثيرا. ظهرت له دائرة داكنة في نهاية التفاحة فارجعها إلى الصحن مع لولب قشرتها والتقط اخرى. قالت له: - إنهما يعيشان خارج حدود الزمان والمكان.. مثل أحاديثنا القديمة انا وانت على السكايب. مدت ذراعها إلى خارج الكنبة ومالت برأسها. لم يلمح ابتسامتها وهي تنظر اليه. رأت توتر عصب رقبته والتواء جذعه مع دورة التقشير. لم تسمع جيدا همهمته وعادت لتنظر إلى شاشة التلفزيون. تثاءبت لمرتين متتاليتين ثم وجدت انه بالفعل اكثر اتزانا من الاميركي الذي يبدو كأخرق ولا يركز في الحديث ولكن الفرنسية حساسة وعميقة وتتكلم من قلبها. قالت: - ارجح اننا كنا في السابق غبار نجوم. ضحكت قائلة بانها تكره فكرة ان تكون الارض قد خلقت قبلها. سألته: - لماذا لا تكمل تقشير التفاحات ومن سيأكل كل هذا؟. قال: - انا ابحث لك عن واحدة طازجة وبلا كدمات. قالت: - الكدمات غير مهمة مادمت قد قشرتها لي بنفسك. احفر حولها وارفعها وبعد ذلك قطعها وهكذا لن ارى الكدمات في تفاحتك. توقف ونظر اليها قائلا بتوتر: - هذا لن يجعلها طازجة في فمك. ارجع التفاحة مع السكين إلى الصحن ونظر إلى الفتاة الفرنسية الشقراء وهي تضحك وقال: - انا غير ناجح في شراء التفاح يا لولو. اغمضت عينيها وقالت بارتخاء: - لا احب ان تقول هذا عن نفسك. انت ناجح في التقشير.
سألته في مسجها: ترن نحكي؟ - هلو حياتي.. لماذا خرجت من القاعة؟ - توقعت انك تريد ان تسألني عن شيء. - كلمتك قبل ربع ساعة وانت اجبت عن كل الاسئلة التي احتاجها. عودي الى المحاضرة.. أريدك ان تطمئني فانا طبخت اعظم فاصوليا خضراء في العالم. - هل ساعدتك الفاصوليا في العثور على فكرة لمقال السبت؟. - ليست الفاصوليا وإنما المحاضرة. - المحاضرة عن تشخيص التشوهات في قلب الجنين وكيفية معالجتها والجنين داخل الرحم، هل ستكتب عن تشوهات الاجنة نتيجة الحروب والاسلحة المحرمة؟ - كلا سأكتب عن رحمك - أتمزح؟.. - لا وعيونك. - معنى ذلك ان الفاصوليا لم تساعدك. انا اردت ان تعمل لذهنك تنظيفات ما بعد ولادة الفكرة. انه تمرين جيد لك.. ما هذا الصوت؟ - انه مغني الراب المجنون بيت بول واغنيته Bon Bon - امعقول انت؟ - حين تعودين أريني رحمك حب. - امجنون انت. لا تستطيع رؤيته انه بعيد.. اكتب المقال وأنت تستمع الى موسيقى هادئة. انت لم تبلغني ببول بيتBon Bon الراب لا يناسبك. يعمل لك تبديد للطاقة. لقد اقلقتني. - بجد؟.. خذي له اشعة. - لمن؟ - رحمك حياتي.. انني احبه. - هل طبخت الفاصوليا فعلا؟ - وحياتك طبختها لكن انا مشوش. - طبعا لأنك تستمع الى الراب.. انتظرني انا قادمة.. سأغادر الفندق. - لا تفعلي لولو.. اعجبني موضوع معالجة الجنين وهو داخل الرحم. اريدك ان تقصي علي القصة كلها واجلبي معك اشعة لرحمك. لن استطيع كتابة مقال السبت إلا بعد ان ارى رحمك حياة روحي. - قرب الهاتف اريد ان استمع الى Bon Bon - هل انت متأكدة من انني لا استطيع ان ارى رحمك؟.. لولو.. لولو.. - انت ترهقني هكذا. قبل اسبوع تعلقت ببنكرياسي - احبك من الخارج والداخل لولو - هل اعجبتك الأغنية؟ - انا قادمة. - لولو.. ما رأيك اقلي بيضة حتى اعمل لذهني تنظيفات ما بعد الراب.. لولو.. |