عدنان الصائغ ضاع في (مفارقة) المرآة

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
04/11/2011 06:00 AM
GMT



في مجموعته «و..» (الكوكب/ الريس)، وهي الحادية عشرة له، لا يقدم عدنان الصائغ (1955) مزاجاً شعرياً متقارباً للقارئ الذي يجد نفسه أمام قصائد عمودية ومدوَّرة وتفعيلة ونثر. لا مشكلة في تجاور الأنواع طبعاً، لكنّ هذا التجاور مصحوبٌ بتباعد موضوعات هذه القصائد وأزمنة كتابتها. أضف إلى ذلك تعدّد الممارسات الشعرية داخل المجموعة، إذْ نجد قصائد قصيرة إلى جانب قصائد أطول، وقصائد مكتوبة على سطور كاملة بجوار قصائد منجزة بسؤال مفرد أو استعارة واحدة. المزاج الموحّد ليس قاعدة، لكنّ ما نقرأه يوحي بأنّنا أمام أكثر من ديوان واحد، وأقلّ من مختارات شعرية. القصد أن الشاعر العراقي المقيم في لندن يُربك القارئ، ويشتت فكرة التلقي لديه. التشتت نفسه يتحالف مع ممارسات شعرية ومعجمية، تسعى إلى إبهار القارئ من خلال المبالغة في استثمار تقنية «المفارقة».

المفارقات وصفة مجرّبة لمباغتة المتلقّي، بصورة مبتكرة أو قفلة مدهشة... لكنّ الإفراط في استعمالها يقضم أجزاء كبيرة من دهشتها، كما هي الحال في القصائد القصيرة، إذْ نقرأ أشياء مقنعة مثل: «أين يختبئ النسيم/ أثناء العاصفة» و«نحتمي من المطر/ ملتصقين تحت المظلة/ فيبللنا مطر»، إلى جوار أشياء عادية مثل: «عزلتي/ اكتظاظٌ داخلي» و«تكراري/ لا يكررني». في الحالتين لا ترقى هذه النصوص إلى تكوين نبرة خاصة أو حساسية شخصية، إلا إذا اعتبرنا التسرّع في بلوغ المعنى نبرةً وحساسية. الواقع أن ما نفتقده في ممارسة صاحب «سماء في خوذة» (1988) هو جرعات التأمل والبطء والفلسفة التي تكفل للشعر مكوثاً أطول في أذهاننا. الإيقاع والقافية ينجحان في تغطية ضآلة التأمل الشعري في القصائد الموزونة. في قصيدة «كأس» مثلاً، يصرفنا المذاق الغنائي المتحالف مع القافية الطربيّة عن معاينة جودة ما نقرأ: «في الحانة/ كانت بغدادُ/ خيوط دخانٍ تتصاعدُ/ من أنفاس الجُلّاس/ وأصابعُ عازفةٍ سكرى/ تتراقص بين الوتر المهموس/ وبين الكاس/ وإلى طاولتي يجلس قلبي/ ملتحفاً غصّته/ يرنو ولهاً للخصر الميّاس/ ووراء زجاج الحانة أشباحٌ تترصدني/ تُحصي حولي الأنفاس/ وأنا محتارٌ يا ربي/ أين أُدير القلب/ وأين أُدير الرأس».
ما ينجح التطريب في إخفائه داخل بعض القصائد يظهر جلياً في قصائد أخرى. أضف إلى ذلك أن صاحب «تأبط منفىً» (2001) قد تحلو له مفارقة ما، فيُميّعها بتكرار استخدامها. هذا ما نجده في قصيدة «مرآة 1»: «كل صباح/ يقف يومي، عجلاً، أمام المرآة/ يعدّل ياقته، وهو يهمُ بالخروج/ وأنا لا أزال مستلقياً على سريري/ أفكر بجدوى أن أستيقظ». الدهشة التي (قد) تصيب القارئ سرعان ما تتشتت بإصرار الشاعر على تكرار مفارقة المرآة، في خمس قصائد متتالية. في نهاية المجموعة، نقرأ قصائد تنتقد الوسائط بين المخلوق والخالق، لكن أغلبها يعاني من تفوق الفكرة على أسلوب كتابتها «ما الذي/ قد فعل الحكام/ والأولياء؟/ هل غيروا من حالنا/ هل حسّنوا من وضعنا/ هل أوقفوا مسيرة الشقاء...». المباشرة المنبعثة من هذا المقطع تنحدر أكثر في مطالبة الشاعر بتصحيح نصيب المرأة في الميراث والشهادة: «وحكمتَ لها بالنصف ميراثاً وشهادة/ هل حقاً/ يا ذا الحكمة واللطفْ/ يرضى عدلك هذا العسفْ».