المقاله تحت باب قصة قصيرة في
03/07/2011 06:00 AM GMT
حين هبط لوح زجاج نافذة سيارة الفورد، المضاد للرصاص، كاشفاً عن وجه الأب فيديريكو لومباردي الشاحب، تيقن أسّو بنوني أن التواضع الفاتيكاني الرحيم سيمده بعزيمة التمسك بيقين القلب، وأنهم مهما بالغوا في تأجيج إيمانه، فإن المعجزات يجب أن تقع في بغداد، وان بيجامة ليلي الحمراء المشغولة بدانتيلا بيضاء عند الصدر يحقّ لها أن تنافس رداء الحبر الأعظم يوحنا بولس الثاني، مادامت القداسة، بكل الأحوال، ليست حكراً على البابوات. كانت سيارة مبعوث الكرسي الرسولي قد وصلت إلى مقر بطريركية بابل الكلدانية في الساعة التاسعة صباحاً برفقة عشرين جندياً أمريكياً تظهر عليهم الرغبة في الاعتراف. بقي أسّو مغروساً في عمق الكراج بجمود أيقوني وهو لا يعرف إن كان عليه إظهار بهجة الترحيب، أم خجل الفعل الشنيع إلى أن قاده مترجم بزي عسكريّ إلى نافذة الفورد السوداء. لم تأذن السفارة الأمريكية بإجراء مراسيم استقبال خارجية، وآثرت أن يقتصر الحوار على طرفي الخلاف، مع السماح للقساوسة بالنظر من الشبابيك. قدّر الأب لومباردي أنه لا يجوز النزول بسمعة كنيسة مار بطرس إلى إحراج التباحث بشأن حقوق القوى الخارقة مع رجل أحمق لا يستطيع أن يموت، يدعى أسّو بنوني، لكنه تغلب على آلام معدته، وقال باستعجال، إن البابا بنديكت السادس عشر يخصه بالبركة، وأنه يسعده أن يلتقيه في ستاتو ديلا تشيات ديل فاتيكانو بشهر حزيران. * * احتاج أسّو إلى أن ينجو سبع مرات من موت مؤكد كي ينتبه إلى أعجوبة أن تنفجر السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة بالقرب منه ويستثنى وحده من الهلاك. بقي مدة شهر ينتظر، بكآبة مفرطة، أن يصحح ملاك الموت ساعته، إلاّ أن صديق طفولته المعذبة القس زكّو حبش اخبره أن الملائكة دقيقون في مسألة الوقت ولا يمزحون أبداً، ونصحه ألاّ يكبّر الموضوع إلى حين التأكد من أن الخلل ليس في الـ T.N.T، وإذا ما اعتقد بخرافة أن الأمر تنبيه لاثم يجب غسله، فأن ذلك لا يعني ألاّ يخرج من الانفجارات ولو بجرح بسيط على سبيل الذكرى. لم تكن المعجزة تظهر بسرعة لأن أسّو سرعان ما يحمل برفقة الجثث المهروسة إلى أقرب مستشفى وهو في غيبوبة النار والدمار، شبيهاً بقطعة لحم مدخّن. بلا حس ولا نفس، ومصبوغاً بخثرة الدم، وتفوح منه رائحة الـ .C4 و ما أن تلقى عليه بطانية الموتى حتى تمسّه الرجفة لينهض بعدها بصيحة الحياة، وهو بكامل جسده، ودون كدمات تذكر، فتتعالى في ردهة الطوارئ أصوات التكبيرات، والصلاة على محمد وآل محمد. صدّق به القس زكّو حبش قبل أن يصدّق أسّو نفسه. تبعه عن بعد لأيام، وشاهد بعينيه احتشاد الانفجارات في طريقه، ورافق موته وعودته إلى الحياة. حبس نفسه مدة ثلاثة أيام في غرفة عارية حتى تورّمت مفاصله من كثرة الصلاة. وعلى الموبايل بكى القس إلى أن جفّت روحه ثم سأل أسّو: ـ ماذا فعل قلبك حتى تنزل عليك شفقة السماء؟. رد أسّو وهو يتوقف لملاقاة قدر أن تنفجر به عبوة ناسفة بعد أربعين ثانية: ـ ربما لأن لا أحد يحبني. تأثر صاحب الأرجوان الروماني الكاردينال عمانوئيل دلي أخيراً بتوسلات القس زكّو وأمر أن يعرض أسّو بنوني على مجلس الملافنة بتوصية ألا يستهان بمعجزات البسطاء لان محنة الرب زادت عن حدها. استمع المجلس، مدة ستة أيام، إلى ذكريات، وأحلام، وأعمال خير قام بها أسّو قبل أن يصل عمره إلى الأربعين. واعترف، مرغماً، بكل اشتهاءاته البصرية الآثمة، مركّزا على النمو التاريخي لشهواته التي لم يتوقع المجلس أن تكون بالمستوى الطبيعي لهفوات حبيس الصومعة. كان على الملافنة أن يواجهوا خيار التصديق بوجود رجل أعزب بلا خطيئة، أو إلقاء أسّو إلى محرقة للتأكد من أنه لا يموت، لكن الأب لويس قاشا أنقذ الموقف بأن طلب تفتيش جسد أسّو وتفريغ جيوبه بحثاً عن علامات اوخارستية. وشاءت الراحة أن تظهر على وجوه الملافنة حين عثر في محفظة نقود أسّو على صورة بحجم الطابع للبطريرك الكاردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبوني التقطت له في كنيسة الفاتيكان في يوم 19 من كانون الثاني عام 1935 بعد مرور دقائق على قيام قداسة البابا بيوس الحادي عشر بوضع القبعة الكاردينالية الحمراء على رأسه. فرح الجميع بنتيجة أن تكون بركة القديس تبوني هي سبب الخلاص من الموت، لكن أسّو، وهو يجمع محتويات محفظته، اكتشف قطعة صغيرة منسيّة من بيجامة ليلي الحمراء كان قد قصها قبل سنة كي يشتري ما يماثل قماشها يعمله كيس وسادة حتى يكثّر أحلام الحب. * * كان القس زكّو يرى أسّو كائناً يعيش دنيويته بالنيابة عنه. لم يتخيل يوماً لنفسه أكثر مما يبدو عليه صديقه، لذلك كانت معجزة عدم القدرة على الموت هي من أهون ما على القس زكّو أن يصدقه، فأسّو، منذ أن ولد، كان يبرهن، بعصمة ملائكية، انه ينمو باتجاه أن يكون معقوفاً عن العالم. عاشا نصف عمرهما جارين في قرية بالسهل الشرقي من مدينة الموصل، وحين هاجر أسّو إلى بغداد لكي يدير أربعة مطاعم للشاورمة ورثها عن أبيه تيقّن زكّو، الذي صار قساً وقتها، انه لن يعاني أبداً من حسرة القلب. كان أسّو حينها يتصرف كقانون صارم وبأرجوانية إمبراطورية. يبدو رثاً أكثر منه محسناً وشديد التقيد بالذل حتى أنه من كثرة عقابه لنفسه كان الجميع يظنه خادماً في مقر بطريركية بابل الكلدانية، بينما هو بتطوعه الأخلاقي يواسي الفقراء وينشط بهجة الإيمان. وحين كان أسّو يعود من الشوارع مذهولاً بنجاته من الانفجار، يعزّيه القس زكّو ببشارة أن تعرف ليلي يوماً قيمة هذا الحب، ويكرر له: ـ اصمد في الألم، فالعالم بحاجة إلى معجزة قلبك. انطوى أسّو بنوني على نفسه مدارياً انكساره وهو يقع يومياً لدقائق مغشياً عليه في انفجار عارض ليقوم بعدها بحياته دون إصابة تذكر. وصل الذل به إلى أن توقظه مياه الإطفاء بينما قلبه يضخ الحزن لأنه يثير حنق الشرطة، ويوتّر أعصاب الدفاع المدني. وحده القس زكّو الذي تفهم خيبة أن تكون المعجزة مهينة وفاضحة، ورجاه ألاّ يبالي مادام الأمر يتعلق بذكرى حب جميلة لها قوى عجيبة. رفض مجلس الملافنة طلبات تصحيح نتائج التحقيق ومنح بيجامة ليلي رتبة خارقة، الأمر الذي اضطر القس زكّو إلى تسجيل فيديو مدته ساعة كاملة لتفاصيل النجاة من الموت. أفزعته الحقيقة، وجعلته يشك بنفسه من شدة القسوة التي طبقها على صديق طفولته بغل متقيح وبتعطش أصيل للتعذيب، ولكنه أثبت بمرئية قاطعة أن أسّو غير قابل للاشتعال، والتكهرب والغرق، ولا تقدر السكاكين، والمسامير، والمشارط، والشظايا على جرحه، أو إحداث أي ثقب فيه مادام يحمل في جيبه قطعة من بيجامة ليلي. قال له القس زكّو وهو مخذول العقل أمام أول معجزة تصادف ورعه: ـ لقد أعفاك الرب يا أسّو.. لم تعد مشمولاً بامتحانات الخير والشر. ونصحه أن ينسى إثم انه كذب على مجلس الملافنة حين لم يخبرهم بقصته مع ليلي. وعاد ليقول له بكل إكبار، وهو ينهي استراحة أخذها بعد الساعة التي قضاها في انتهاك إنسانيته: ـ أنت الآن خلاصنا الجديد. * * لم يكف مكتب الطقوس الدينية عن توجيه الانتقادات إلى بطريركية بابل لفتورها تجاه الخوارق، وكان الكاردينال عمانوئيل دلي يعيد في كل مرة إرسال نسخة من طرد التحقيقات إلى الفاتيكان على أمل أن تتفهم روما مأزق أن تكون رحمة الرب أوسع من تعاسة الشعب. قبل وصول الأب فيديريكو لومباردي إلى بغداد بشهرين قال مدير مكتب الطقوس الدينية في الفاتيكان القس ماركو فريسينا لمجلة توتس توس إن موقع رداء البابا على الانترنت تعرض إلى الركود وأن أكثر من مئة ألف شخص سحبوا طلباتهم بشأن الحصول، على قطع من رداء أبيض يعود إلى البابا الراحل يوحنا بولس الثاني يعتقد أنها ربما تساعد على شفاء المرضى، وأن طلبات الإلغاء مستمرة في الوصول إلى البريد الالكتروني دون توقف، والسبب قيام شخص عراقي يدعى أسّو بنوني بطرح ألف قطعة من بيجامة حمراء عبر الانترنت تعود لامرأة تدعى ليلي، وأن ثمانين شخصاً من الذين تسلموا قطعاً من البيجامة بحجم 4 ملم مربع للواحدة أكدوا في شهادات مدعومة بالأدلة قدمت إلى مكتب الطقوس أنهم نجوا من الموت في انفجارات وقعت في جميع محافظات العراق، وأن كنيسة روما بصدد التحقق من هذا، وأنها تدعو المؤمنين في العالم إلى التريث ومساندة البابا الراحل في محنة معجزته. كانت تلك هي فكرة القس زكّو الذي فضّل أن يعطي المزيد من البراهين لمجلس الملافنة كي يضطروا إلى تحديث قناعاتهم والكفّ عن احتقار العصر الحديث. كان أسّو يلمّ أجنحة حزنه مثل نسر أسير. يعصره الذهول من تعاسة مصيره، وكلّما حدّثه القس زكّو عن موت الناس الذين لا يملكون حبّا كحبّه يشيح بوجهه المبلل نحو جهة هامدة. وحين كان يعود ناجياً بروحه ينهمك القس زكّو بنزع الخوف عنه ودفعه إلى الحمام قائلاً: ـ من الإثم أن تعود أنت فقط إلى بيتك. وفي يوم كثير الانفجارات جرّه القس زكّو إلى شاشة التلفزيون ممسكاً برقبته، وقال بانفعال: ـ أترى الدماء؟.اجعل ليلي سيدة نجاة الناس. هذا عزاء مفيد للقلب. كانا يتفرجان على مسلسل تركي مدبلج حين نهض أسّو وغاب لدقائق ليعود بعدها حاملاً بيجامة ليلي على صليب من أنابيب. كانت غير مكوية وبدانتيلا بيضاء عند الصدر. ركع القس زكّو وتمتم بصلاة من أجل راحة الذين ماتوا قبل الحبّ إلاّ أن أسو الذي صار يتكلم بلسان الربانيين ويقلّد استهانتهم بالدنيا قال له الجملة الأخيرة وسكت بعدها إلى الأبد: ـ معجزة ليلي إنني أحبها. طيّب القس زكّو خاطر أسّو: ـ إن كتب عليك أن تتعذب بحب محرّم، فالأجدى لك أن تكون قدّيساً شرعياً. * * استدعى تصميم الموقع على شبكة الانترنت الحصول على تطوع شباب آمنوا توّاً بالمستقبل، وحين لبّى أسّو طلبات المصدقين بحبه ووزع مئة قطعة من بيجامة ليلي كان مجلس الملافنة قد اكتفى بعد مشاهدة الفيديو بالقول إن أسّو بنوني رجل مؤمن وذلك قبل أسبوع من قرار الفاتيكان التبرّك برداء البابا الراحل. لم يتقبل مجلس الملافنة فكرة استغلال وجود الأب فيديريكو لومباردي ببغداد لتمرير قرار الاعتراف بقداسة بيجامة ليلي. وقال الأب لويس قاشا لمجلة توتس توس أنه لا يفكر بزج لجنة الخوارق الفاتيكانية بهذا المأزق العاطفي لأن من الطبيعي أن يصنع الحب المعجزات، لكن ليس إلى القدر الذي يهدد مهابة البابا. وأضاف موضحا: ـ إن كان علينا أن نصدّق أسّو ونؤمن بما جاءت به البيجامة، فالأمر برمته عائد إلى روح الشرق الساحرة، فهنا كل شيء ممكن حتى وان تعارض مع قوانين الطبيعة. صرامة الملافنة كانت مدعومة بالثقة، فما أن علمت بطريركية بابل الكلدانية بقدوم الاب فيديريكو لومباردي حتى استنفرت قواها وبأقصى ما يمكن من سرعة في تفتيش دفاتر نفوس الكنيسة بحثاً عن ليلي. وقامت لجنة مؤلفة من عشرين قساً بتمشيط قرى الموصل والتدقيق في سجلات الولادة والعماد والموت والهجرة، وتم إخضاع النساء للقسم بالصليب بحثاً عن دلائل حب تخص المدعو أسّو بنوني. وتلطيفاً للخيبة تم شحن 615 بيجامة نسائية حمراء مشغولة بدانتيلا بيضاء عند الصدر إلى مقر البطريركية حيث بقيت تنفث روائح الإغواء مدة أسبوع في الكراج إلى أن تمّ حرقها من قبل نساء أخوية أحباب العذراء. كان أسّو وقتها قد دخل في شهره الصامت الثاني وزهد في البحث عن سبب عدم الموت في الشوارع. أطلق لحيته ولفّ نفسه بقماش أبيض خشن وصار لا يفارق مشغل قص البيجامة إلا لانفجارات طقسية يتعرض لها كل أحد شكراً وعرفاناً لليلي. يتطلع إلى السقف مانحاً ذكرياته طوافاً سهلاً في مدار رأسه. لم يكن ذلك الصمت كامل العدم فيد أسّو ومنذ زمن بعيد كانت لا تفارق جهاز موبايل من النوع المراهق، فضلاً عن همهمات معدومة الصوت كانت تخرج من بين شفتيه ومن منخريه، وهي مناجاة طقسية يراها القس زكّو جلية التأثير حتى انه كان يقاوم بشدة رغبة الركوع التي كانت تثقل ركبتيه وكأن عظامه من حديد بينما عاطفة لثم ثوب أسّو تجلد روحه. كان ذلك يجري بأوجاع عدة. لم تكن نظرات أسو الدامعة أكثر من مرارة تبث الكآبة، بينما القس زكّو يكثر من ذكر اسم ليلي بوقار ويزيد يومياً من ابتكارات التبجيل أملا في أن يتشجع أسّو على المضي عميقاً في خرافته الوثنية. كانا يغرقان بالدموع ويرتفع نحيبهما المتوجع كلما واجهت يقظة أسّو أثم أن يعمم معجزة ليلي. كان ينهار على طاولة القص المغلّفة بقماش صوفي تركوازي اللون ويستوي في نحيبه بسمك مميت كمن قفز إلى مسبح بلا ماء. لم يكن لأحد أن ينجده، لذلك كان القس زكّو ينهار معه وتتجلى له خيبات وجدانية لا يمكن تصديق قدرتها على مقاومة المسح. كانت تلك اللحظات أهم استغلال يمكن ارتكابه بحق الصداقة، فقد كان القس زكّو يؤجّج الأوجاع ببكاء مشاكس مستذكراً كل نكبات القديسين والذود المستميت عن الحق والنور ويتوسل بأسّو أن يمنحه اليقين بوجود الأمل: ـ قل كلمتك. أطلق تعاليم حبك. هذبنا بإحساسك. قل كيف نقدر ألا نموت حقاً. لكن أسّو كان قد وصل إلى قدرة ألاّ يكون مكترثاً. كان بين وقت وآخر يخرج بمسوحه العاطفية كي يحقق نجاة طقسية من الموت انفجاراً. لقد صار وجوده بين الضحايا بشارة خلاص، فلم يعد هو الوحيد الذي يقوم من الموت، وليس له وحده تطلق التكبيرات في ردهات الطوارئ بالمستشفيات. انه يرى الآن الشعب كله ينهض من الموت ببركة ليلي. * * أرسل القس زكّو نسخة من فيديو التعذيب إلى السفير البابوي في العراق والأردن الأب جورجيو لينكوا مع رسالة قال له فيها إن إنكار الحب ليس في مصلحة القداسة البابوية، وطالبه بأن يقول شيئاً يخفف الحرج عن مجلس الملافنة، لأن عدم الاعتراف ببيجامة ليلي معناه الترفع وازدراء مشاعر شعب وثق برحمة الرب. وقال في تصريح خص به مجلة توتس توس إن على المؤمنين في كنيسة مار بطرس أن يتذكروا مريم المجدلية وكيف أن المسيح خصّها بالظهور. وقال أيضا إنه يصلي من اجل أن ينال رداء البابا الراحل المكانة المباركة التي يستحق لكن ليس على حساب رجل يحمل أعظم قلب في العالم. وتساءل: ـ إذا كانت بيجامتها تفعل كل هذا وتنقذنا من الموت فماذا يمكن أن تفعله بلوزتها أو أقلام كحلها وحمرة شفاهها؟ وأي معجزات كونية يمكن أن تقوم بها بخّة واحدة من عطرها؟! بعدها بثلاثة أيام شارك السفير البابوي في العراق والأردن الأب جورجيو لينكوا في مؤتمر بعينكاوة في أربيل عن الأدب السرياني وصرّح لمجلة توتس توس أن العراقيين يبالغون في الحب والموت، وانه شخصياً يتفهم انفعالات الورع لدى القس زكّو، لكن الأمر في النهاية ليس منافسة بين رداء البابا وبيجامة السيدة ليلي، لأن المعجزات لا تقع بإرادة بشرية، وإذا ما آمن العراقيون بأن بيجامة ليلي تنقذهم من الموت فهناك في أوربا من يعتقد أن رداء البابا يشفي من الأمراض المستعصية، وهذا الذي يجري في بغداد وروما هو بالتأكيد بسبب الحب. وأضاف: ـ أنا والأب فيديريكو لومباردي في العراق من أجل التحضير للقاء قداسة البابا بنديكت السادس عشر بالمؤمن أسّو بنوني في الفاتيكان، وأعتقد أن هذا واضح جداً ولا يستحق كل هذه الممارسات العنيفة التي جاءت في فيلم تعذيبي قصير. كانت بيجامة ليلي تقصر شيئاً فشيئاً من الأسفل وهي منشورة على الصليب الأنبوبي بجوار طاولة القص. لم يكن القس زكّو يملك تصوراً عمّا سيكون عليه حال أسّو حين يفقد البيجامة كلها ويقص الذكرى الوحيدة التي يملكها من ليلي المقدسة ويعطيها للناس. سأله: ـ لن تبقى بلا موت.. أليس كذلك؟. تطلع أسّو إلى السقف طويلاً ثم أمسك بالمقص وغرسه عميقاً في قلبه. انحنى بعدها ولثم طرف البيجامة وجلس بجوار القس زكّو الذي فهم أن أسّو بحاجة إلى فنجان قهوة. * * كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً حين عادت سيارة الفورد السوداء إلى مقر بطريركية بابل الكلدانية. هبط لوح زجاج النافذة عن وجه الأب فيديريكو لومباردي الشاحب فقابله القس زكّو بابتسامة عريضة. تفرق الجنود الأمريكان مبتعدين عن السيارة فهبت على الكراج نسائم منعشة: قال المبعوث البابوي: ـ بلّغ المؤمن أسو تحياتي. سيصل جواز سفره إلى مقر البطريركية مساء اليوم. حاول القس زكّو أن يظهر ارتخاء المهابة إلاّ أن صوته خرج خشناً: ـ لكم الشكر بالنيابة عن المعذّب بالحب أسو بنوني. تردد الأب لومباردي قليلاً ثم قال: ـ لقد قرر قداسة البابا بنديكت السادس عشر منح المؤمن أسّو لقب مونسنيور، وأن ينعم عليه بدرجة الصليب والخاتم. ـ هذه مكافأة عظيمة من قداسة الجالس على كرسي مار بطرس. ـ إنها كذلك. فصلهما الصمت، فقال القس زكّو: ـ لقد أردت أن أواسي أسّو المعذّب بالحب وافهمه أن معجزة كهذه تعني أن ليلي لم تتخل عنه. ـ أفهم موقفك. إنها إنسانية منك فلا تقلق. تساءل القس: ـ أتعاني شيئاً أيها الأب؟. ـ لا تقل لي أن بيجامة ليلي تفيد في علاج آلام المعدة. ـ هذا صحيح، هي مفيدة جداً .. يمكنك أن تجرب. اخرج القس زكّو من محفظة نقوده قطعة مربعة من نايلون سميك في وسطها نسيج أحمر وقدمها للأب لومباردي قائلاً: ـ ضعها في جيبك.. ستشعر بالراحة فوراً. ارتبك المبعوث البابوي ثم أخذ نفساً عميقاً واعتدل مركّزاً على آلامه: ـ لقد اختفت.. لم أعد أشعر بالوجع. ـ إنه الحب .. إنه الحب. عادت الدماء إلى وجه المبعوث البابوي وهو يلتفت إلى القس أسّو باهتمام قائلاً: ـ هل يمكن لي الحصول على قطعة إضافية من بيجامة ليلي. ـ بكل سرور .. بكل سرور. ـ شكراً لك. ـ تحياتي إلى قداسة البابا.
|