قصص قصيرة جداً |
المقاله تحت باب قصة قصيرة التفاؤل في زمن مشؤوم عصفورة في ميدان الحرب دخلت معسكر التدريب العسكري وانا مدجج بانواع الاسلحة والدروع، عُزلت عن العالم الخارجي، غيبت بين الكتل الكونكريتية والاسلاك الشائكة والخنادق الرملية... لا أسمع إلا لغة الاوامر العسكرية الصارمة. لم أكن أرغب بالدخول الى ذلك الميدان الجاف والخالي من انغام موسيقى نصير شمة وأشعار الجواهري وأقداح عديدة من القهوة البرازيلية والعديد من الاحاسيس التي اشعر ان وجودي صار مرتبط بها، غير ان مشقة الحياة اجبرتني على مغادرة ذلك العالم الجميل. لم اتخيل يوماً ان يكون لي اصدقاء داخل هذا الميدان الحربي، إلا تلك العصفورة الصغيرة التي أراها صباح كل يوم... كنت اناولها ما تيسر من الخبز لتسد رمق جوعها ولتقبل ودَ صداقتي في هذه الاجواء المريبة. مرت الايام.. وبدأت اشعر بمحبة عميقة بدأت تنمو بيني وبينها، حتى بات اسم الصبح يعبر عنها.. كنت اشعر انها تراكم تلك الاحاسيس الجميلة التي افتقر إليها الان. بدأت العصفورة تألفني اكثر فأكثر وباتت تأكل من يدي غير آبهة بمخاطر الاسلحة التي احملها.. تأكل من فمي وتحلق في السماء وتعلن عن إطلالة صباح جديد فيه بصيص امل قد يخفف الرهبة التي بداخلي.. اشعل فتيل المعركة.. من دون سابق إنذار.. ظرف طارئ حولني من معسكر التدريب الى الخطوط الاولى في ساحة الحرب أو ما يعرف بخطوط الموت. رصاص في كل مكان.. دخان واشلاء واصوات مدفعية تدك القلب.. جثث هنا وهناك.. رائحة دم استشرت في المكان وسرعان ما تحول لون الارض الى اللون الاحمر. لم أكن آبهاً للاخطار من حولي.. وإنما تركز قلقي على تلك العصفورة الصغيرة التي ابحث عن اي خيط يوصلني إليها في هذه الفوضى ابحث عن ريشة تعود إليها.. يأخذني التفكير إلى عالم آخر ابتعد بمخيلتي أكثر واتناسى جوّ الدمار من حولي.. تنبهت لصوتها بين اصوات الرصاص.. وفوجئت بأن عصفورتي تمارس دور السلام في المعركة وتنقل السنابل الى الجرحى وتعطر جثث الشهداء بباقات من الياسمين. منجز وطني بعد ان هبت بوجهها ريح عاتية، أحكمت الابواب أقفالها تجاهها، وضربت بها امواج البحار بكل قسوة، وتعاون القدر والزمن على تكوين اخطائها. حُكم عليها بقانون التحول من شابة رصينة متكاملة من اكبر عائلات المدينة، إلى انسانة منحدرة تدور حولها الشبهات. تاهت ملامحها بين أحضان الرجال وشققهم المفروشة.. انسانة فقدت رأفة وإنسانية المجتمع.. وحولت جسدها المستور المتدفق بالانوثة، الى سلعة رخيصة مستهلكة.. لا يرغب بها إلا المضطر. امرأة سخرت نفسها لخدمة رغبات متأهبة لتغرق جسدها بامطار استوائية غزيرة متراكمة. ظلت على هذه الحال على مدى سنين من شبابها المتعثر.. حتى وصلت الى مرحلة الاعتزال. دَقّ ناقوس العمر ابوابه معلناً عن اجتيازها سن الخمسين. غيرت مسار حياتها.. حاولت التخفي والهروب من الماضي.. وارتبطت بشبكة علاقات جديدة مع سادات مجتمع وسياسيات وشخصيات نسائية لها وزنها في المجتمع. وذات يوم.. سُئلت من قِبل إحدى صديقاتها الجدد عما قدمت فيما مضى من حياتها. أجابت: - لقد حققت منجزات وطنية صعبة المنال، قطف ثمارها كل سكان البلدة.. هل سبق وان عملتِ في مجال حقوق الانسان ام الطب وانقذت حياة الناس..هل ساهمت بالتصميم المعماري الجديد للمدينة.. أم ماذا؟ (هكذا سألت الصديقة الجديدة) - لا لا.. لقد عملت على الحد من جرائم الاغتصاب وحالات الشذوذ الجنسي وساهمت بتحرير اجساد قتلها الانتظار.. ومزقها الشوق. كل هذا جاء من دون تضحيات ولا خسائر سوى نفسي.. فهل يعد عملي منجزاً وطنياً حقيقياً.. ام سيظهر مستقبلاً من يتهمني بالعمالة لصالح دولة اخرى؟ سيلاحقني هذا السؤال مادمت حية! التعبير الصامت 1. رسالة لملم حروفه، متوسلاً الكلمات ان تجمع لتكون رسالة خطية تعبر عن احساسه لمن يحب ويهوى. كَتب وشَطب ومحى حروفاً وكلمات لا تُعد ولا تُحصى. مزق اوراقاً عدة وغيرها باوراقٍ معطرةٍ وملونة، باحثاً عن شتى السبل التي تمكنه من ايصال تلك المشاعر. شرد لساعات طوال ما بين الاوراق والاقلام وتلك الحروف المبعثرة حتى وردت برأسه فكرة إرسال رسالة بيضاء لا تعتمد الحروف سبيلاً لايصال افكاره. فتح صفحة بيضاء وكتب اسمه في أسفلها وأرسلها الى الحبيبة. استقبلتها بابتسامة عريضة وشوق لا يوصف، غير انها فوجئت بفضاء الرسالة. اتصلت به، وتحدثت بصوت يحمل الدمعة واليأس والتوتر.. استفهمت عن معنى الرسالة.. واسباب فراغها. اجابها بهدوء عميق: - حبيبتي.. كل ما في داخلي يكمن في هذا الفضاء الجميل.. فهو حب اوسع من كلمات الحب وشوق لا يمكن ان يحجب كتابة بضع كلمات، وقبلات لا ارغب في طبعها إلا على شفتيكِ لا على ورقة، وعطور وبساتين وزهور لا يسعها ظرف الرسالة. 2. نظرة عين |