في ذكرى رحيل الجواهري |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات المرأة إمتداد للرؤية الجواهري لا يجد في المرأة إلاّ تلك الشمس التي تشرق، وبدونها تموت الأشياء. هي عصب الحياة، هي روح الزمن، هي الضوء الخافت من بعيد للغارق بالحزن، والفنار لمن يطلب النجاة في البحر، هي( الحنين) للأرض. فهو الذي عاش محن الوطن وخبر مصاعب بلاده، ونادم الملوك والأمراء. يجاهد من أجل الأفضل ومستقبل واعي ولم يتوانة في خطابه الشعري أيضاً للمرأة .. ففي قصيدة " حنين" التي نظمت عام 1949يقول: (( أحنّ إلى شبح يلمح بعيني أطيافه تمرح أرى الشمس تشرق من وجهه وما بين أثوابه تجنح )). معلقاً روحه بطرف أمل، وكأنه يتخطى أقاليم الرغبة داخل لحظة لعلها تلد شيء يوقظ الهمس الثائر من حوله، إن هذا الامتداد في الرؤية يؤسس عالم الجواهري ويؤثث إرادته في عزم الأمور حيث يقول: (( كأنه بهامته منبعاً من النور، أو جمرة تجدح)). يمارس الهدم على كل أشكال الموانع ويجازف في التجاوز على مفاهيم العلاقات الداخلية، والشعر عنده ادخار وجذور يتعامل معها بسلام. علاقته منحوته بدقة لذا نجده قائلاً: (( أحن إليه بليغ الصموت معاينة عن نفسها تفصح تفايض منه كموج الخضم أو لحن ساجعة تصدح)). لا يكلف مسالك الوحدة واللغة وروحه الشفافة تجاه هذه المخلوقة التي سلبته وأعطته كل ما يمكن أن يكسبه أو يخسره بأضيق المراحل وأعمق التوالد. المرأة عنده بلدهِ الوحيد وأخص خصائصه. هي نشيد القلب والصاعد من الأنفاس.. قراره في كتابة الشعر لا يفقهه، ولكن علاقته بالمرأة واهتمامه سر يفهم معانيه كما يقول: (( كأن الدهور بأطماحها إلى خلقه مثله تطمح كأن الأمور بمقياسه تقاس فتؤخذ أو تطرح)). يعيش فهم حقيقي في تقويم العلاقات الإنسانية ووجودها عنده ليس عشوائي لا يسأل نفسه من أي ضلع خلقت لذا يوليها اهتمامه أكثر من باقي الأشياء وبحذر شديد حتى لا يسيء إليها. أنه متعصب في طرح الإطار الذي يحيطها، في نظره المرأة جوهرة لا يمكن أن تترك من دون عناية. وحدها تعرف كيف تصد ثورات غضبه إذ يقول: (( يشد جناني بعزماته ودمعي ببسماته يمسح ويبرد نفسي بأنفاسه إذا لفني عاصف يلفح )) بوعي يُقَلِّبُ أوجاعه وبعطف يلجأ إلى تعابيره. يحبك المفردة ويدلل الكلمة ويدمج أنفاس الحروف في نسق مألوف ترفع خلخلة المعاني، ويدغدغ بنيته التعبيرية بدقة لا تفسد فكر القارئ أو تخدش المتلقي. يقدم الصورة الجميلة والجليلة نلمس ذلك في هذا المقطع: (( فياليتني بعض أنفاسه لأمنح منهن ما يمنح وياليتني" ذرة" عنده لأسبح في فلك يسبح )). وفي المقطع الأخير من قصيدة " حنين" التي يبدأ به أول القصيدة: (( أحن إلى شبح يلمح بعيني أطيافه تمرح )). ينسجم الشعر وتدرك حدود البعد الإنساني الرائع في وصف الحالة الوجدانية، ويقف على ركائز ألم الحنين المرير الذي يشبه خرير الغدير في أُذن عطشان بصحراء لا يملك غير التحسس للماء ولو على أمل ضعيف يعيشه في تحقيق هذه الرغبة العنيفة، الجواهري يملك حس مرهف ووجدان عميق تجاه المرأة والشيء المعاش فكان الشعر هو الصوت الباقي من بعده، فهو لم يقلد أحد. رسم قصيدته بميزة خاصة خلد ككروان يصدح في عالم المرأة بما قدمه لها من قصائد جليلة كعروس بنقاء ثوبها الأبيض. |