تحريم الخمر وشرعنة السرقة

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
04/12/2010 06:00 AM
GMT



ربما نصدق حديث رئيس مجلس محافظة بغداد الذي بثته قناة الحرة قبل أسبوع، والقاضي بأن غلق البارات والنوادي ومحلات بيع الخمور لا يحمل معنى دينيا، بحسب عبارته، لكننا نقرأ الموضوع من زاوية أخرى، خاصة وان مجالس محافظات أخرى تجاهر وبكل وضوح، بمنعها لأسباب دينية، لأننا بلاد مسلمة.

ولا تعليق على هذا،لأن نصوص (تحريم) الخمر صريحة وجاهزة لدى المشرع الإسلامي، بدلالة النص القرآني :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فاجْتَنِبُوه...) وعلى الرغم من عدم وجود نص بالتحريم القطعي، لأن الاجتناب شيء غير التحريم. ومن سلوك المسؤولين في الدولة العراقية من التيارات الدينية خاصة نفهم بأن بعض الآيات القرآنية تعمل وبقوة وفق اجتهاداتهم، أو تصوراتهم للحياة والنظام الذي يريدون، أما التي لا يرغبون بتفعيلها داخل المجتمع، والتي تتوافق مع منهج الحريات وفسحة الأمل التي تضيق كل يوم، فهي العاطلة، وأشير إلى الآية: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

ونستذكر الجدل الواسع الذي دار بين الكتل السياسية -الدينية، أثناء فترة كتابة الدستور، ونستحضر توقفهم عند المادة الخاصة بالمرأة وحريتها ودورها في المجتمع من خلال النصوص الدينية، ونقرأ ما كتب آنذاك في الصحف ووسائل الإعلام وكأن لا موضوع في القرآن غيرها، حتى جعلوا وراء ظهورهم الكثير من المفيد في النصوص، والتي لو دخلت دستورنا لأضافت المزيد من الحكمة والتعقل في تعاملنا مع بني شعبنا وجيراننا. ولا نريد أن نستعرض إغماض أعين المسؤولين العراقيين عن الكثير من شريف النص القرآني، بل ولتعطيلهم الكثير منه، لكننا نلفت نظر الناس إلى أنهم ومن خلال ما يتقاضونه من رواتب ومنح ومكافآت، إنما يشرعنون للسرقة ونهب المال العام بشكل أو بآخر. وفي القرآن والسنة وسير الأولياء الكثير من الذي يدل ويدين.

ترى لماذا لا يعمل أعضاء مجالس المحافظات على تفعيل النصوص الجنائية الواردة في القرآن، وأين هم من قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ..).

أعضاء مجلس محافظة بغداد والمجالس الأخرى والبرلمانيون مطالبون بالكشف عن أرصدتهم قبل جلوسهم على مقاعدهم، وعلى هيئة النزاهة أن تتحرى الأرصدة الجديدة للذين خرجوا من الدورات السابقة، وتترصد الذين هربوا بالأموال، كما ان على أصحاب الرواتب "الخرافية" أن يعلنوا صراحة عن مقادير رواتبهم، مقارنة برواتب أقرانهم في الدول الصناعية السبع، لا مقارنة بما يتقاضاه مسكين من الرعاية الاجتماعية قبل أن يمنعوا جيش الناقمين عليهم من تعاطي الخمور حد السكر، بهدف نسيان أفعالهم التي فاقت الخيال.

هل نذكر بالمسروق من مال الشعب العام، هل نذكر بالأموال العاملة خارج العراق، في أوربا والخليج، وهل نذكر بعدد الوزراء السارقين من الذين خرجوا من العراق والذين ما زالوا فيه؟ هل نعدد البيوت والفلل والمتاجر والشركات التابعة لهؤلاء، وهل نذكرهم بشمعة علي بن أبي طالب، أم بناقة عمر بن الخطاب التي تهلك في أرض السواد؟ هل نذكرهم بحديث عِقد فاطمة بنت النبي محمد، وأين هم من حديث أبي ذر الغفاري، الذي حدد ما يحق للمسلم امتلاكه حين سئل فقال :( حُلّة للصيف وحُلّة للشتاء وقوت يوم واحد). هل نذكر ايضا تصريح النائب عن العراقية محمد سلمان الذي أكد منح كل عضو في البرلمان مبلغ 7.5 مليون دينار لتوزيعها على ناخبيه؟

وإذا بلغ حرص أعضاء مجلس محافظة البصرة على منع الفاحشة من خلال الخمر التي تباع في الأسواق، فأين هم من ذلك كله، وأين هم من جيش العاطلين عن العمل، وهل تفضل أحدهم فطرق باب أرملة أو اقتطع بضعة دنانير من راتبه لأطفال يتامى، لم يجدوا من يمسح على رؤوسهم؟

أين هم من أطنان النفايات التي تغلق نهر العشار والخندق والخورة، وتجريف البساتين في أبي الخصيب، وهل سمع أحد في المدينة بملايينها الثلاثة عن قيام هيئة النزاهة ولجنة مكافحة الفساد المالي والإداري بمعاقبة أحد ممن تسببوا بضياع المال العام وهو كثير؟ ولماذا لم يعلن عضو في المجلس عن إدانة أحد من المسلحين (المجهولين) الذين قتلوا المئات في البصرة عام 2006-2007، وأين هم من الآية التي تقول: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب؟ ألم يسمعوا قوله تعالى: من قتل نفسا مؤمنة فكأنما قتل الناس جميعا، فيما يتمدد وبسلام آمنين في سجون الداخلية وحتى اليوم، المئات من القتلة والمجرمين، الذين قتلوا الأبرياء في وضح النهار، وقد صدرت بحقهم قرارات الإعدام التي لم ولن تنفذ؟ لم ترد في القرآن الكريم عقوبة صريحة لبائع أو شارب الخمر، بل وردت آية تقول: ولا تقربوا الصلاة وانتم سكارى، لأنه سبحانه وتعالى أرحم وألطف بنا من أنفسنا، لكن عقوبات كثيرة وردت بشأن الولاة الجائرين والقتلة واللصوص والزناة وغيرهم. اين نحن من كل ذلك؟