الجــــياد |
المقاله تحت باب قصة قصيرة المسافة بينى وبينها تنهبها الجياد .. تجرجرنى وراءها من رجلىَّ تلك الجياد ، فوق بلاط الشارع ، من أمام بيتنا إلى أمام بيتها .. أمام بوابة السور تفك وثاق رجلىَّ وتنطلق .. تنطلق إلى الداخل جياد الأخيلة . تجتاز عيناى حيز الياسمين البرى بين السور ونافذة غرفتها المضيئة .. تودعنى عيناى .. تنطلقان من محجريهما وراء الجياد .. تتعلقان بالنافذة . فى الصباح كنت أجرجر ورائى تلك الجياد ، كما كانت تجرجرنى فى المساء ، أجرجرها من البيت إلى المدرسة .. أمام بوابة المدرسة أحررها وأنطلق إلى حيث يقف مدرس غليظ المشفرين .. يرفع عصاه فى وجهى ويرصنى فى طابور الصباح ، ثم يعقد يديه خلف ظهره ، وقد أسلم وجهه للعَلَم . ..... الجياد كثيرًا ما كانت تفاجئنى خارجة من السبورة السوداء .. أمتطيها وأرتحل .. أرتحل من الحصة الأولى حتى السادسة ، إلى مدنٍ أخرى ليس فيها غيرى وغيرها ، وبعض السوسنات والقمر . مرةً .. ولم يكن بينى وبينها غير غلالة وردية رقيقة ، ولم يكن يقاسمنا السكون غير رفيف فراشات ملونة .. ولم يكن غير الـ....... . فاجأنى المدرس بالسؤال عن تضاريس الوطن .. حقيقة .. ومن يومها كرهت التضاريس والأسئلة ، زبقى الوطن خطًّا باهتًا بينهما . مُوجه اللغة العربية كلف نفسه عناء اختراق الأمكنة .... فاجأنى ـ هو الآخر ـ على سرير النوم : " لا بد أن تبدأ الدرس بسؤال تمهيدى لإثارة أذهان التلاميذ ... لا بد أن تشرح الدرس بطريقة الأسئلة .... لا بد أن .... " .. تلهيت عن منظره باختصار المسافة بينى وبين آخر قطعة جبن فى بيتنا , موضوعة فوق المنضدة الصغيرة بجوار السرير منذ الظهيرة . ــ هل انتهيت من تحضير دروس الغد ؟ ــ لماذا لم تتناولى قطعة الجبن ؟ ـ السهران أوْلَى . ــ ولكنكِ ترضعينَ ! ــ كُلْها أنتَ ، ودعنى أنام سألتها عن شىء بيننا .. اعتذرتْ .. اعتذرتُ أنا عن أشياء كثيرة .. فاجأتنى الجياد .
|