أطوار بهجت تكتب عن ليلة وأد بغداد |
المقاله تحت باب منتخبات لم يُعرف عن الإعلامية الراحلة"أطوار بهجت"أنها تمارس الكتابة الروائية؛ غير أنها كانت تكتب الشعر في سنوات كان الحصار فيه يُطبق على الحياة العامة فأصدرت ديوانها الأول (غوايات البنفسج) وتوجهت إلى الصحافة مستفيدة من لغة الشعر وصوره الجمالية في تكوين الأثر الصحافي؛ لكنها اليوم وبعد رحيلها المأساوي المعروف تظهر روايتها الأولى والأخيرة (عزاء أبيض – ليلة وأد بغداد) وهي الرواية الأولى التي رصدت يوم سقوط بغداد وسقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس، ومن هنا تبدأ الرواية.. تنتمي اطوار بهجت إلى جيل التسعينيات المثقل بكوابيس الحصار وحصار الثقافة ذاتها التي بُرمجت على وتيرة معروفة، فكانت احد الأصوات الشعرية التي لم تجد طريقها الصحيح للوصول إلى ينابيع النشر في اكتظاظ المشهد الشعري العراقي وزحمته بأسماء كثيرة؛ فآثرت اللجوء إلى الصحافة والعمل فيها بوصفها حاضنة أولى لمحاولاتها الأدبية، وبالتالي استهواها العمل في إحدى القنوات المحلية أواخر التسعينيات. الحب والحرب
تسير رواية أطوار بهجت وفق خطين متساويين هما الحب والحرب وهذه ثيمة معروفة في الأدبيات التي تتناول موضوع الحرب بوصفه نقيضاً للحب، فعمدت الكاتبة إلى أن تشطر روايتها إلى شطرين يتناوبان في السرد في استحضار ماضيين قريبين. الأول شخصي والآخر عام. الشخصي هو علاقة حب والعام هو سقوط بغداد وما بينهما تنمو الرواية متدرجة ومكتفية بسرد وقائع آنية تلت سقوط بغداد عبر عين صحافية مراقِبة هي أطوار ذاتها التي انتقلت إلى أكثر من مكان لتسجل مشاهدات ميدانية كثيرة إلى إحدى القنوات الفضائية. يشترك الخاص والعام في تقديم صورة قاتمة وحزينة عن الاحتلال الأميركي للعراق في أول أيامه السود، فكانت الساردة الروائية تمثّل العين الكاشفة لما يحدث عبر وسيلة إعلامية مؤثرة وهي الكاميرا التلفزيونية وكانت تمارس ذاتين في ذات واحدة انشطرت في لحظة الاحتلال لهول ما كان يجري علناً، لكنها سرعان ما تلتم في ذات واحدة ساردة لترى الخاص فيها وهو الحبيب المؤجل دائماً والذي تناغيه بلوعة الفقد والجحود، فتنفرد شاعريتها في بعض الفصول القصيرة التي تكشف مقدار الفجيعة الشخصية، كما ترى العام الذي يمزق جسد الوطن وهو الاحتلال الأميركي. وفي الحالتين تسجل الساردة نكوص وطن ونكوص عاشقة. وعبر هذا المحور تمضي الرواية إلى نهايتها. معارك النجف تصور أطوار بهجت معارك جيش المهدي في مدينة النجف وتحتفل معهم في تصديهم للقوات المحتلة بلغة تسجيلية تقترب من المباشرة في كثير من اللقطات؛ فاللغة الصحافية هنا تهيمن على سردها بشكل عام وتجربتها الروائية الجديدة لم تسعفها لأن تستبطن ما ينبغي استبطانه من خلفيات سياسية ودينية وتناحرات مختلفة، فاكتفت بتسجيل المشاهد القتالية كما حصلت، مع تقديرنا أن الكاتبة كانت في ذروة الانفعال، فلحظات الاحتلال كانت قاسية ولحظات القتال كانت شرسة وسقوط الشهداء كان يُذكي فيها جذوة الكراهية للجيش الأميركي فانتمت إلى تاريخ وطني طويل، هو الذي أيقظ فيها كمية الحب في الخط الثاني من المعادلة التي أشرنا إليها، فامتزجت كليةً بأقوى لحظات الوطن وأكثرها تعاسة وسوداوية. لم تنشأ الرواية على حبكة معينة ولا انطوت على الكثير من التفصيلات التي يلجأ إليها العمل الروائي عادة. لكنها اكتفت بفريق تلفزيوني صغير هو الذي كان يتحرك في أحشاء الرواية عبر كاميرا التقطت شيئاً من تفصيلات الميدان الساخن. وإذا كان ذروة هذا الفريق يتضمن استشهاد أحدهم فإن الكاتبة ظلت مكتفية بالشيء القليل في عُدتها الروائية ولم تشأ الاستطراد في احتواء المشهد القتالي العام؛ فقدمت شخصيتها الرئيسية (حنان) لتقود الجانب العاطفي فيها؛ لذا كانت تلجأ إلى الذاتي فيها والمناجاة المغرمة لحبيب مؤجل ظل عصياً عليها حتى خاتمة الرواية. وهنا يتكشف ما هو مضمرٌ في الرواية، فالحبيب المؤجل كان بالمعنى الرمزي هو «الوطن» حتى وإن بدأ سلبياً في الرواية لكن الوطن برمته صار محتلاً! فظل الحبيب ينأى عنها كلما نأى الوطن تحت بساطيل الغزاة المحتلين وصار من المحتّم أن تفقد الاثنين وهو ما حصل بالنتيجة. الحب الحب في الحرب كان هذا عنواناً مضمراً للرواية لكن عناصره الأولية والرئيسية تتكشف منذ الاستهلال الروائي «مشكلتي أبداً أن الكلمات فضيحتي، ومشكلتها أنك فضيحتها الأجمل.."هكذا يتقاطر النزف الشخصي في أجمل لوعة لعاشقة وجدت أنها ستفقد كل شيء ولم تبق لها إلا الحروف والكلمات امام مد الاحتلال وتكريسه يوماً بعد يوم. فكان من الصعب فصل شخصية الراوية عن الكاتبة نفسها، ولعل هذا الاحتمال يفسره الكثير من شعرية الكاتبة نفسها وصورها البارعة في استدراج الألم والإحاطة الشاملة لعذابات عاطفية انتشرت في جسد الرواية وهو ما انسحب بالتالي إلى عاطفة أشمل وأعم في فقدان الوطن نفسه، لتكشف الرواية أهوال الاحتلال وتداعياته النفسية والاجتماعية والوطنية. من الرواية بشّر غرورك بالشوق لن أكذب لو سُئلت عن هذه الرواية.. لن أدّعي أنك لم توجد في حياتي.. وأني امرأة تجيد ابتكار الرجال كما تجيد الجراح ابتكارها.. لن أقول اني اخترعتك لأجل الأدب فقد كنت مؤمنة بأن الكون اخترع الأدب إكراماً لحروف اسمك. يا سيدي لن أكابر فطمئن نزقك. ها أنذا وعلى الملأ أعلن أني ما عشت حياتي إلا لك. أبداً أنت الحقيقة الأمر فيها وأنت الحلم الأحلى. سأعترف أمامهم بأنك مَن هجرني، وأنك من استلبني حد الكرامة وأنك من أحببته للموت وما أحبني. مشكلتي أبداً ان الكلمات فضيحتي، ومشكلتها أنك فضيحتها الأجمل. لا أدري إن كنتُ ما زلت أحبكَ، لكن لا أنكر توقي لصوتك، ولهي بعطرك، حنيني لشِعرِك. أجل، أفتقدك رغم النزيف، ليس لأني امرأة لا تقوى على الفراق، بل لأنك رجل لا يقوى الفراق عليه. رجلٌ بخيره وشره لا يمر عابراً أبداً.. أطوار بهجت • تخرجت من كلية الآداب – قسم اللغة العربية بجامعة بغداد عام 1998. • عملت في صحف ومجلات عراقية أبرزها مجلة «ألف باء"الأسبوعية. • انتقلت إلى العمل في قناة العراق كمذيعة ومقدمة برامج ثقافية. • بعد احتلال العراق عملت في قناة الجزيرة الفضائية غير أنها استقالت منها لضغوط مختلفة. • انتقلت للعمل في قناة العربية الفضائية كمراسلة. • اختطفت واغتيلت مع طاقم العمل أثناء تغطيتها أحداث تفجير مقام الإمام علي الهادي في سامراء. • وجدت جثتها صباح يوم الأربعاء الموافق 22 شباط 2006 في مدينة سامراء مسقط رأسها. |