العراقي لؤي حمزة عباس يشعرن النص القصصي |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات لندن - عدنان حسين أحمد يواصل لؤي حمزة عباس مشروعة القصصي بدأبٍ وتأنٍ واضحين. فالكتابة له أشبه بعملية الاستقطار التي تحتاج صبراً وطول أناة. وتكفي الاشارة هنا الى مجموعاته القصصية أو كتبه مثل: «على دراجة الليل»، «العبيد»، «كتاب المراحيض»، ملاعبة الخيول « اضافة الى روايته القصيرة « الفريسة « لتؤكد أن القاص لؤي حمزة يسعى الى المغايرة والاختلاف عن أقرانه وأبناء جيله من القصاصين العراقيين في الأقل. يبدأ هاجس المغايرة عند لؤي حمزة من الاشارات والتوصيفات التي تحيل الى العناوين وطرائق تسميتها، مروراً باللعبة اللغوية، وما يتخللها من تجليات شعرية مقصودة تعزز المسار السردي المفعم بالوصف، وانتهاءً بطغيان «الأنا» وحضورها الراسخ في معظم نماذجه القصصية. نأَتْ «العبيد» بنفسها عن صفة المجموعة القصصية، وارتضت أن ترتدي حُلّة « كتاب قصصي «توسيعاً للدلالة، وارضاءً لرغبة القاص في الانعتاق من أسْر التسميات الجاهزة والمُستهلَكة. كما أن طبيعة أي كتاب لا بد من أن تنطوي على وحدة عضوية تعزز تواشج النصوص، وتشير من طرف غير خفي الى تواصلها وربما انصهار بعضها في البعض الآخر. ولو تمثلنا كتاب «العبيد» لوجدناه ينطوي على بضعة متغيرات أساسية تبدأ من العنونة «كتاب قصصي» وتنتهي بالملحق الذي ضم أمكنة القصص وأزمنتها مشفوعة بعبارة «الواقع يتخيل» وهي حقاً صيغة مستفِزة تُهيئ القارئ للولوج في مخيلة الكاتب، كما تستثير مخيلة القارئ نفسه بصفته مشاركاً عضوياً في الحدث القصصي. استهل لؤي كتابه بـ «خطوة» وهي مقتبس دال ومعبِّر من قصة «العبيد» واختتمه بـ «خطوة» وهي أكثر تعبيراً، وأعمق دلالة من سابقتها، ربما لأنها تتصدى لأخطر فكرة في الكون وهي الموت، أو شكله الأكثر وحشية وهو القتل. وتضمن الكتاب صورة للوحة «أغنية حُب» للفنان دي كريكو، وثمة مربعات ومستطيلات وأسهم لا تخلو هي الأخرى من معانٍ ودلالات معبِّرة تؤكد نزوعه ورغبته الجدية في الاختلاف. إن المتتبع لتجربة لؤي حمزة القصصية والروائية يكتشف من دون عناء أن اشتراطات اللعبة اللغوية لديه بدأت تخف، كما أن الغموض الذي كان يلف قصصه السابقة انجلى بعض الشيء، غير أن عوالمه لا تزال ضبابية بسبب الاحتدام اللغوي، والولع بشعرنة القصة القصيرة، وهيمنة الأنا الساردة أو الفاعلة على مسارات النصوص التي يدبجها بعناية لغوية فائقة. في كتاب «العبيد» يمكن أن يجد القارئ ثيمات يتحدث عنها القاص، وموضوعات يريد الخوض فيها أو ملامستها، خلافاً لقصصه السابقة التي تتشظى فيها الموضوعات، وتنطمس فيها الشخصيات بسبب ضبابية السرد المشار اليه سلفاً. وعلى رغم ولع لؤي حمزة بثنائية الحلم والواقع والمزاوجة بينها الى حد التماهي إلا أن قصص كتاب «العبيد» تقول أشياء كثيرة. ففي قصتي «المباهج والآمال» و «أغنية حُب» ثمة ثيمات فنية لعب عليها القاص بدربته اللغوية المعروفة، لكنه حافظ على مسارات السرد التي تنقل هذه الأفكار بطريقة فنية آسرة. فثمة ولع واضح بفن المنمنمة واللوحة التشكيلية على رغم حضور المؤلف وطغيان وجوده في هذين النصين أو في غيرهما. إن أفضل الأمثلة في هذا الكتاب هي قصة «العبيد» التي تتوافر على معظم سمات «القص» المتعارف عليها من شخصيات، وزمان، ومكان، وحدث. فهناك الراوي، وحنا الشخ، والشيخ خزعل، والشيخ مزعل، والخادم سويّد، وهناك شخصيات أخرى تطل من خلال الصور مثل الملك فيصل الأول، وطالب النقيب، والوصي عبدالله، وهناك أمكنة توحي بأزمنتها مثل «واقعة الجمل» و «مقبرة السوالم» و «الفيلية» والبصرة. وهناك حدث رئيس ترتكز علية القصة وهو مقتل الشيخ مزعل بيد سويّد خادم الشيخ خزعل أمير عربستان، والمحرض الأول على ارتكاب هذه الجريمة. تجسد هذا الوضوح أيضاً في قصة « الرمال « التي اختار لها القاص مكانين وزمانين، الأول في البصرة «شط العرب، التنومة»، والثاني في الصحراء الليبية الكبرى إضافة الى خمسة وعشرين شخصاً ما عدا الراوي حيث يموت أحدهم في نهاية المطاف إثر نزاع وحشي دار في حوض السيارة الخلفي. وثمة تنويعات فنية على عبور شط العرب تارة، والصحراء الليبية طوراً. وقد نجح القاص في الموازنة بينهما، واستثمار النتيجة لمصلحة النص القصصي. |