قائد شرطة البصرة السابق يكشف تفاصيل انتهاكات الميليشيات والعصابات في المدينة |
المقاله تحت باب في السياسة إيران مصدر تهريب الأسلحة... واحتمال عودة العنف وارد
قال اللواء الركن عبد الجليل خلف الشويلي قائد شرطة البصرة السابق، الذي نقل الى بغداد بعد نهاية «صولة الفرسان»، ان ما كان يجري في البصرة "مسرحية أجنبية" بممثلين عراقيين، وأن إيران فتحت «جبهة حرب» على أميركا وبريطانيا هناك قبل وصول قوات هاتين الدولتين. وأشار الى وجود جهات وراء قتل النساء لمجرد القتل لزعزعة الأمن في المدينة. وأعرب الشويلي في حديث إلى «الحياة» عن خشيته من عودة الجماعات المسلحة من جديد بعد أن أفلتت أعداد كبيرة من قياداتهم من يد الحكومة أثناء «صولة الفرسان» إضافة الى سيطرتهم على ترسانة أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة تعادل تسليح فرقتين عسكريتين تخزن الآن في منطقة الأهوار. وفي ما يأتي نص الحديث: > ما أصل الحكاية في البصرة؟ - قبل استلامي قيادة شرطة البصرة بعام كلفت من رئيس الوزراء الذهاب الى هناك وتقديم تقويم مفصل عما يدور. مكثت سبعة أيام ورفعت تقريراً بيّنت فيه ان البصرة أسيرة بيد الميليشيات والأحزاب التي شكلت بدورها فرق موت خاصة بها تقتل كل من يعارض مصالحها. والحدود مع الدول الأخرى سائبة لا سيما مع إيران والنفط الخام ومشتقاته يسرق علانية، والثروة الحيوانية تهرب، وفي المقابل تصدّر هذه الدول الأسلحة وتفتح معسكرات لتدريب مجرمين على قتل العراقيين. وعلمت بوجود مثل هذه المعسكرات على مقربة من حدود العراق داخل إحدى الدول المجاورة فيما غدت الموانئ فريسة بيد الأحزاب والميليشيات وعائلات متنفذة، وكل هذا يجرى على مرأى ومسمع جميع السياسيين والحكومة المحلية. الأمور كانت من الفوضى الى حد أن «زعل» إحدى العشائر على السلطة المحلية كالمحافظ أو أي مسؤول سيؤدي الى حمل السلاح واقتحام مكتب المحافظ بالقوة والمحافظ بالمقابل يحمل سلاحه ويلبس عدة القتال ليدافع عن عرينه. ووجدت في البصرة انتشاراً لحبوب الهلوسة والمخدرات الرخيصة الثمن يتعاطاها الشباب من الطبقات الفقيرة، وفي شط العرب والمياه الإقليمية يتم تهريب الثروة السمكية ويقتل العديد من الصيادين. > كيف تسلّمت مهمة قيادة الشرطة؟ - الزيارة الثانية قبل تسلمي مهمة قيادة الشرطة منتصف عام 2007 استغرقت 14 يوماً أسفرت عن تقديم تقويم آخر للوضع رفعته الى رئيس الوزراء في تقرير من مئة صفحة وتناولت فيه ما يجري بدقة وذكرت أن الدول المجاورة مثل إيران نقلت معركتها الى البصرة وان الأمر دخل مرحلة جديدة اكثر خطورة حيث استغلت هذه الجماعات الوضع الأمني المنفلت وأخذت فعلاً في شن الهجمات وإحكام قبضتها على المدنيين وعلى الموانئ. وصارت العصابات والمافيات تعمل في البصرة علانية بفرض الإتاوات وهي مجهزة بأسلحة تفوق قوة أسلحة الشرطة والأجهزة الأمنية، وكونت قدرات مالية هائلة تقدر ببلايين الدولارات تقوم باستثمارها في إيران ودول خليجية لتكون لها مصادر تمويل ذاتية ثابتة. وفي السابع عشر من حزيران عام 2007 صدرت لي الأوامر بالذهاب الى البصرة واستلام قيادة جهاز الشرطة فيها. > ماذا كان يدور داخل هذا الجهاز؟ - عند بدء عملي وجدت أن شرطة البصرة منقسمة الى ثلاث جهات الأولى تنتمي علناً الى المافيات والميليشيات وتمارس القتل والجريمة بحسب أوامر أسيادها والثانية تأتمر بأوامر الأحزاب قلباً وقالباً تنفذ سياساتها وأجنداتها والثالثة خائفة مستكينة لا حول لها ولا قوة تخشى التصفية في حال السباحة عكس التيار السائد. أما على الساحة فكانت هناك جرائم اعتبرها مؤامرة كبيرة جداً على البلد، خصوصاً ضد النساء اللواتي مثلوا بجثثهن مثل قلع العيون والأسنان والأظافر وقطع الأعضاء والثديين أو حز الرقبة، ثم رمي الجثث في مكبّات القمامة، والمحزن أن الكل لا يعترض فالسلطة المحلية والأحزاب يلتزمان الصمت وكل الجرائم قيدت ضد مجهول وتحت يافطة جرائم شرف لكن الحقيقة غير ذلك، والدليل أن أهالي الضحايا لم يقدموا على رفع شكوى خوفاً من عصابة تدعي أنها «جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وهذه تقتل فقط فيما مارست عصابات أخرى خطف النساء واغتصابهن قبل قتلهن، ووصل استهتار هؤلاء الى خط شعارات التهديد على جدران دوائر الدولة والمراكز الأمنية وفيها أن القتل مصير المرأة التي لا ترتدي الحجاب أو التي تتبرج. > كم عدد الضحايا في المحافظة؟ - خلال الأشهر التسعة التي عملت فيها قتلت 78 امرأة وقبلها قتل عدد كبير جداً تعمدت العصابات داخل الشرطة إخفاءه وهذا العدد لا يشمل ضحايا جرائم الشرف والخلافات العائلية. > ما الإجراءات التي اتخذتموها داخل جهاز الشرطة؟ - أولى مهامي كانت تطهير الشرطة من العناصر المسيئة والمرتشية والمنتمية للأحزاب والميليشيات ووجدت دائرتيْ الجرائم والاستخبارات متهمتان بالقتل والسلب لمصلحة جهات حزبية وميليشيات فقمت بهيكلتهما على الفور وأصدرت أمراً بنقل 1000 شرطي فاسد كمرحلة أولى ثم 3000 آلاف آخرين واستدعيت 3000 آلاف شرطي موزعين لدى الأحزاب والمسؤولين الحكوميين خارج سيطرة الشرطة ووزعتهم على مراكز الشرطة بطريقة تضمن عدم تكتلهم وسحبت 250 آلية تابعة للشرطة تستخدم لدى جهات ميليشيوية وحزبية وعصابات كانوا يرتكبون الجرائم فيها بمشاركة الدولة كونها هي التي تدفع رواتبهم ووقود عجلاتهم وتسلحهم. > ماذا عن تهريب المخدرات؟ - كانت المافيات تستخدم البصرة منطقة عبور لتجارة المخدرات من أفغانستان وباكستان مروراً بإيران الى دول الخليج وأهم ممرين لها هما العمارة والبصرة وهناك مافيات عالمية تدير العمل وتتخذ من دول الخليج وإيران مقرات لها. وللبصرة حدود مع إيران بطول 280 كيلومتراً منها 188 كيلومتراً من المياه، ما يزيد في تعقيدات مهمة ضبطها في ظل الجو والظرف العام الذي يفرض نفسه على البلد، إضافة الى الفساد المستشري لدى قوات الحدود في البصرة. > خلال فترة عملك هل ضبطتم إيرانيين أو اعتقلتم أحدهم؟ - حتى وان كنا ضبطنا إيرانيين أو وجدنا إيرانيين في شوارع البصرة هل من يأتي للعمل الاستخباراتي أو العسكري يفضح نفسه في وقت تسنح له الظروف للتخفي في غياب أجهزة أمنية فعالة أو قادرة على مواجهة استخبارات دولة مستقرة ولها مؤسساتها المحترفة. > هل هناك أحزاب بعينها توفر لهم الغطاء؟ - الإيرانيون يعملون وراء أغطية حزبية وشركات عدة توفر لهم أجواء مناسبة ومريحة لدخول العراق والعمل فيه. كما ان العمل الاستخباراتي الأجنبي في البصرة لا يقتصر على إيران بل استخبارات كل دول الجوار اتخذت منها ساحة لصراعها مع الآخرين وكل له أجندته الخاصة فتجد دولاً تخشى التمدد الإيراني في البصرة وتعمل بالطريقة الإيرانية نفسها في استقطاب الميليشيات وبناء شبكة مسلحين تدافع عن مصالحها. > ما هي برأيك غاية إيران من الهيمنة على البصرة؟ - أحد أسباب مد النفوذ الإيراني الى البصرة الغنية بالنفط هو تناقص وتراجع الاحتياطي النفطي لدى إيران بحسب إحدى الدراسات النفطية التي اطلعت عليها. أضف الى ذلك أن من يفرض سيطرته على البصرة سيسيطر على أهم عقدة تربط شبه القارة الهندية بأوروبا عبر الخليج. > ما هي خريطة نفوذ الجماعات المسلحة في البصرة ؟ - العصابة التي تسمى «الرويمي» تسيطر على منطقتي الداكير والتميمية وسط البصرة وتمتلك أسلحة ثقيلة منها مدافع الهاون 120 ملم ولديها مستودعات ذخيرة كبيرة جداً وتستخدم مرفأ الداكير لتهريب الأسلحة والنفط الخام الذي يجلب بصهاريج وأيضاً المحروقات. لكن أكبر نفوذ للميليشيات يتركز في منطقتي الحيانية والقبلة جنوب المدينة ويعدان اكبر تجمعين سكانيين في المحافظة يتحصن فيهما مجرمون مثل منتصر كاظم مطير وحسن الحلفي الملقب حسن عبوة فيما توزعت بقية المجموعات المسلحة في أحياء الكزيزة والأصمعي والجمهورية والموفقية ومنطقة 5 ميل حيث «بورصة» الأسلحة المهربة الى المحافظة بما فيها كواتم الصوت وكل هذه الأحياء يضرب الفقر والبؤس فيها. > ما هو حجم السلاح الذي هربته الميليشيات والذي يمكن استخدامه في البصرة؟ - يعادل تسليح فرقتين عسكريتين أو أكثر إضافة الى معامل تصنيع العبوات الناسفة. > وحجم المطلوبين؟ - للأسف لم يتم القبض عليهم جميعاً وعددهم يتجاوز الألفين ومن تم القبض عليهم خلال وجودي بلغ عددهم 350 فقط في حين فر زعماؤهم مثل «مطير» المطلوب بقضايا قتل اعداد كبيرة من عناصر الشرطة والجيش والمطلوب الثاني «الشيخ باقر» والثالث «قاسم الوائلي» و «سيد سجاد» و «سيد ناجي» وكثيرون يعتبرون القياديين الرئيسيين لهذه الجماعات. > تداولت التقارير الصحافية تمرداً حدث في صفوف الشرطة أثناء صولة الفرسان، ووزارة الداخلية أعلنت تسريح المئات لهذا السبب؟ - أقولها بأمانة كانت لدينا مراكز شرطة وسط معاقلهم ففي الحيانية هناك ثلاثة مراكز وفي الجمهورية و5 ميل لكنها صمدت وما سقط منها بيد المسلحين استعيد خلال ساعات وحدث أن عدداً من الشرطة لم يقاتل وكان عددهم نحو 500 شرطي تم فصلهم وهؤلاء موزعون على ثلاثة مراكز ومقر قيادة شرطة النجدة. > مع هروب الأعداد الكبيرة من قيادات الميليشيات وعصابات القتل وتهريب النفط مع الكم الهائل من الأسلحة بأنواعها. ما هو تقويمك لمستقبل المدينة؟ - هؤلاء تلقوا ضربة كبيرة جداً لم يتوقعوها يوماً ما أدى الى كسر حاجز الخوف لدى الأهالي والأجهزة الأمنية التي كانت لا تجرؤ على التحرش بهم من جهة ومن نتائج «صولة الفرسان» تفتيت تنظيماتهم عدا الموجودة خارج مركز البصرة وفي دول الجوار. لكن هناك معطيات على الأرض أبرزها استمرار العصابات والميليشيات في الإعداد العسكري، لا سيما أن هناك أعداداً كبيرة منهم لا تزال في دول مجاورة مع هروب قيادات وأسلحة، وأعتقد انهم سيعمدون الى أسلوب جديد للعودة عبر إدخال عناصر من طريق هذه الدول لتنفيذ عمليات نوعية تستهدف شخصيات مهمة كنوع من الثأر وإنزال الرعب في قلوب الناس، وبالتالي عودة الهيمنة تدريجاً على المحافظة، وعليه اقترح الإبقاء على القوات الموجودة حالياً وزيادة عديدها مع وضع خطة محكمة للإمساك بالحدود. |