حوارمع صموئيل شمعون عن الرواية وحياته وجائزة بوكر العربية

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
26/02/2008 06:00 AM
GMT



                          الغرب علمني ألا أشكو وأندب


بدأ صموئيل شمعون (1956) حياته قاصاً. نشر بعض قصصه هنا وهناك، لكنّه لم يصدرها في كتاب. ثم كتب الشعر (أو تعلَّمه كما يحب أن يقول)، ونشر مجموعتين: الأولى بعنوان إنكليزي Old boy (1987)، والثانية بعنوان ياباني وترجمته تعني: «مطر فوق رسائل أمي»      (1995). ثم انتظر حتّى 2005 ليعلن نفسه روائياً من خلال «عراقي في باريس». الرواية، ونجاحها اللافت، يوحيان بأنّ صموئيل عثر على الصفة الأدبية التي سيواصل بها حياته من الآن فصاعداً. هو نفسه يوحي بذلك. الشعر بات في الخلف... ومشاريعه المقبلة كلها روائية.

لنبدأ من الشعر، نقول له، فيبدو كمن يحتاج إلى وقت لتذكّر الشعر:
 «كتبت الشعر لأنّي صادقت شعراء كثيرين. لقد تعلّمته تقريباً، أو لنقل تجرأت عليه بتشجيع من الشاعر التونسي خالد النجار. وكنت معجباً بشعر كاظم جهاد وسيف الرحبي اللذين التقيتهما كثيراً في باريس. ذات يوم رأيت مجلة «الكرمل»، فأرسلت قصائد لي إلى سليم بركات، وكان حينها سكرتير تحرير المجلة. ظننت أنّه سيعتبرها خزعبلات، إلا أنّه نشرها واستلمت منه رسالة مشجّعة. أدهشني ذلك لأني أعرف أنّ كثيرين كانوا يتمنّون اعترافاً كهذا من سليم. خبأت الرسالة كي لا يعتبرني الشعراء منافساً لهم، وبالتالي قد يقطعون عنّي المساعدات! كانوا يصرفون عليّ لكوني شاباً لطيفاً أو مرافقاً، أما شاعراً فكان يمكن أن أتعرض لمجاعة. العربي يتضامن معك لأنك حزين. أما إذا كنت سعيداً فهذا مصدر غيرة ونقمة. لذلك يُقال: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».

يبدو أنّ فكرة الغيرة انتقلت ــــــ بشكل علني هذه المرة ــــــ إلى ممارسة صموئيل شمعون للرواية. فرغم الحفاوة التي استُقبلت بها روايته من القراء والنقاد معاً، لم يحصل على أوراق اعتماد كاملة في نادي الروائيين:
 «للأسف، ظهرت علامات الغيرة وعدم الارتياح على بعض الكتاب العراقيين، وخصوصاً في الخارج. كان هناك احتفاء بالرواية داخل العراق. لقد صدمني رد فعل هؤلاء الذين راحوا يتساءلون باستنكار: ما سر هذا الاحتفال العربي بالرواية؟ الغريب أنّي كنت أعلم أنهم لم يقرأوها، بل عرفوا بنجاحها من الآخرين. هؤلاء لم يتحملوا وجود «سركون» آخر في الرواية بعد سركون بولص في الشعر. لكنهم قلة! فالرواية نجحت في بغداد والعالم العربي كله».

لكن لماذا نجحت الرواية؟ يجيب: «أظن أنّ القراء أحبوا روح الـ «أنتي هيرو» واللابطولة فيها. الروايات العربية مليئة بالعنتريات. أتذكر أن الشاعر أمجد ناصر الذي نشر حلقات من الرواية في التسعينيات، وشجعني على المضيّ في إنجازها، أخبرني بأن الرواية لا تشبه ما يُكتب في العالم العربي».
لكنّ بعضهم عزا نجاح الرواية إلى الصدق والجرأة فيها... أليس كذلك؟ يسارع موضحاً: «الجرأة وحدها لا تصنع روايةً جيدةً. أتصور أنّ ميلي إلى الترجمات هو سبب أساسي في نجاح الرواية. أتذكر أنّ كاظم جهاد كان يترجم كتاب «أسير عاشق» لجان جينيه، وكنت أطبع له الترجمة على الآلة الكاتبة. أحببت أسلوب جينيه. لاحقاً تعلمت الكثير من ترجمات كاظم لخوان غويتسولو ودريدا. إضافة إلى كاتب أميركي غير معروف عندنا هو جون فانتا. وقبل هؤلاء كلهم، هناك المعلّمان الكبيران فيكتور هوغو وهنري ميللر. وأنت تعرف أنّي أوردت أسميهما في الرواية كنوع من ردّ الجميل لهما».

هناك برأي صموئيل سبب آخر لنجاح باكورته الروائيّة: «إنّها تقوم على فكرة التسامح المفتقدة في أدبنا العربي. حين كتب يوسف بزي أنّ «الرواية ليس فيها تصفية حسابات». وحين وصفها عباس بيضون بأنّها «كتاب لا مثيل له في الأدب العربي»، لم يكن الحديث يجري عن عبقريتي بالطبع. أنجزت كتاباً لا أريد أن أسيء فيه إلى الناس. كتبت عن حلمي السينمائي الذي لم يتحقّق. أنا تشردت وعشت ظروفاً قاسية، ولكن هذا لم يدفعني إلى لوم الآخرين. الغرب علمني ألا أشكو وأندب».

الواقع أنّ نجاح «عراقي في باريس» تجاوز حدود العالم العربي. فبعد صدور طبعات عربية عدة منها، تُرجمت إلى الإنكليزية والسويدية، وستصدر بالفرنسية في نيسان (أبريل) المقبل. تُرى هل يؤدي هذا الرواج دوراً سلبياً في الاستمرار بكتابة الرواية؟ يجيب صاحب موقع «كيكا» الإلكتروني: «أنا أعمل حالياً على رواية جديدة بعنوان «الجندي الآشوري». وهي أيضاً سيرة ذاتية تؤرخ لتجربتي في الخدمة العسكرية. لدي تصور أني سأضع سيرتي في أربعة كتب. الثالث سيكون عن مراهقتي في بغداد، والرابع عن سنواتي في بيروت.
رغم انغماس صموئيل شمعون في الرواية، يظل في خياله حلم السينما الذي رافقه منذ طفولته. كأن كتابة الرواية تؤجل ذلك الحلم، من دون أن تلغيه. هل الرواية تعبير مبطّن، وغير معلن عن استحالة الحلم السينمائي؟ وهل الرواية مجرد ذريعة لتأجيل هذا الحلم؟ «هذا صحيح بطريقة ما. ولكن لدي إحساس دائم بأني سأحقق هذا الحلم. في انتظار ذلك، أنا سعيد لأن كتابتي فيها الكثير من السينما. أظن أني أكتب رواية عربية بتركيبة أسلوبية تمزج الهوليوودية بالبوليوودية (الهندية). لذلك يصعب على القارئ أن ينتهي من «عراقي في باريس» من دون أن تتجمع الدمعة في عينيه، كما يحدث في الأفلام».

ونسأل صموئيل إذا كانت السيرة الذاتية والأسلوب الصريح والمخيلة السينمائية في كونها مميزات إيجابية، تمنح روايته صفة تأسيسية للكتابة الرواية... كما فعل محمد شكري في «الخبز الحافي»؟ «لا أعرف ولا أدّعي ذلك. لكني أتمنى أن تضمحل البلاغة البليدة والأسلوبيات التقليدية التي تهيمن على السرد العربي. القرآن والشعر العربي شيء، والرواية شيء مختلف تماماً. أفرح حين أقرأ روايات عربية جديدة، تعتمد على مادة حياتية وأسلوب سينمائي. اللغة وحدها تتحول إلى استمناء لفظي».

نترك الرواية، وننتقل إلى الحديث عن موقع «كيكا» الذي أنشأه صموئيل عام 2003 على الإنترنت. إذ يتهمه كثيرون بأنه يُدير الموقع وفق مزاجه الشخصي، وأنه لا ينشر إلا لأصحابه أو لمن يكتبون عن أصحابه؟ «هذا غير صحيح» يقول مستنكراً... ويؤكد أنه لم يكن يعرف معظم من كان ينشر لهم: «هناك شعراء يرسلون لي أعمالاً رديئة لا أنشرها، فيختلقون شائعات كهذه عني. بالنسبة إلي، المادة الجيدة تصنع صداقة مع صاحبها لا العكس. قد أنشر لبعض الأصدقاء في عمود مراجعة الكتب. وهي مقالات أنتقيها مما يُنشر في الصحف، لأني لا أستطيع أن أدفع مقابلاً مادياً لمراجعات خاصة بكيكا». لكنك لا تنشر مقالات ضد أصحابك! هنا يجيب بسرعة: «هذا لأني جبان. الحياة الثقافية العربية مليئة بالأمراض. لو نشرت شيئاً كهذا سيكون لدي أعداء كثيرون، وأنا في غنى عن ذلك».
لم يكتفِ صاحب «مطر فوق رسائل أمي» بالشعر والرواية والنشر الإلكتروني. ها هو يحتفل، مع زوجته وشريكته مارغريت أوبانك، بمرور عشرة أعوام على تأسيس مجلة «بانيبال» التي تُعنى بترجمة الأدب العربي إلى لغة شكسبير. ماذا عنها؟ يجيب: «أنجزنا الكثير على صعيد ترجمة الأدب العربي وتعريف القارئ الإنكليزي به. وأستطيع القول بثقة إن تعامل الأوساط الإنكليزية مع الأدب العربي تغيّر تماماً بعد «بانيبال». لقد تحولت المجلة إلى أرشيف للمؤلفين العرب بالإنكليزية. هناك الكثير من الأنطولوجيات التي تصدر بلغات أجنبية، تأخذ موادها من «بانيبال». عشرات الكتّاب الذين اختيروا للمشاركة في مهرجانات أوروبية بعدما نُشر لهم فيها».

أثار ترؤس صموئيل شمعون لجنة تحكيم النسخة الأولى لجائزة «بوكر» العربية ردود فعل مرحبّة وأخرى شاجبة. المرحبون رأوا أن ثمة تغييراً ما يحدث لمصلحة الأصوات والتجارب الروائية الجديدة التي لطالما أُهملت في جوائز عربية أخرى. وهي جوائز تمنح عادة للكبار والمكرّسين.
وفي هذا السياق، يرى شمعون أن اختلاف ردود الفعل أمر طبيعي، متهماً الذين يشكون بأحقيته كرئيس للجنة بالسذاجة: «هناك روايات أخرى تستحق أن تكون ضمن القائمة النهائية. هذا صحيح وطبيعي، لكن القائمة لا تتسع إلا لستّ روايات للأسف. بعضهم احتج بأني كاتب ولست ناقداً. وأنا أذكّر هؤلاء بأن رئيس لجنة بوكر لهذا العام هو وزير الدفاع البريطاني السابق مايكل بورتيللو، ومع ذلك لم يُثِر ذلك استياء أحد. المشكلة أن العرب يفكرون بطريقة تقليدية ولا يتقبلون الجديد بسهولة. على أي حال، أنا أعرف أن بعض الذين اعترضوا عليّ هم روائيون تقدموا للجائزة ولم يصلوا إلى القائمة النهائية».
في المقابل، يؤكد شمعون أن النتائج التي توصلت إليها اللجنة رمت حجراً في المياه الراكدة للمشهد الثقافي العربي، وأنها ستُحدث تغييراً في الطريقة التي تُمنح بها الجوائز الأدبية في المستقبل: «لأول مرة يتم اختبار روايات جيدة لمؤلفين موهوبين من دون النظر إلى النفوذ أو اللمعان المسبق للأسماء. بوكر العربية نقطة انطلاق صحيحة. وأنا واثق بأن هذا سيكون له تأثير إيجابي على لجان التحكيم في الجوائز العربية».
الكتّاب الستة الذين وصلوا إلى التصفية النهائيّة من «بوكر العربي»، فاز كل منهم بجائزة قيمتها ١٠ آلاف دولار. ومن بينهم سيتمّ اختيار الفائز بالجائزة الأولى... التشويق مستمرّ حتّى العاشر من آذار (مارس) المقبل.