وضع فؤاد التكرلي قلمه جانبا ومات

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
13/02/2008 06:00 AM
GMT



 هذه قصة ايضا ولكن الموت لا يعد نهاية فنية. التكرلي واحد من الذين قتلوا الكثير من الابطال على الورق لكن الورق ايضا هو خلود التكرلي وابطاله الذين يموتون في القصص.

ان يغادرنا احد الذين عملوا على تأجيج مشاعرنا: حبا وكرها ورغبات، هو امر لا بد من ان يؤخذ بالكثير من الشجن والاسى. شخص كهذا لابد من ان يكون على علاقة متينة بوجودنا المؤقت في الحياة؛ فوظائفنا الحيوية تعمل وفق ما ندرك من حب وجنون ومشاعر متصارعة لهذا نحن نتعلق بالخيال اكثر من أي شيء آخر ونأسف حين نعرف ان احدهم لم يعد بمقدوره الاستمرار في رواية القصص.

 التكرلي احد امهر الذين كانوا يقصون لنا القصص، ويشبعون احلامنا سرا وعلنا. التكرلي اعطانا رسما جماليا للنساء، والفقر، والاحلام. كان يحمل في طيات اوراق كتبه ذكريات الروائح الاولى: احضان امهات، وعبق ملابس، واناقة فاتنات، ودقائق اعوام يوجعنا حنيننا اليها، وموسيقى امسيات تمد قلوبنا بيقين الحلم وازليته.

التكرلي قبل ان يموت كان واحدا من اهم معالم الذكريات. رجل يصنع الكلمات لتكون عونا لنا. رجل يغامر في نشر اوجاعه ومسراته من اجل ان تكون هناك بسمة شفافة على وجه ناعس.

الذين يروون القصص هم ثراؤنا الاكبر والتكرلي كان امهرهم واكثرهم حساسية وادقهم في ملء الوسائد بريش الخيال. نحن نتوجع لان كلمة الموت تعني اننا سننتظر كثيرا حتى ننجب كائنا مثل التكرلي واننا نمضي قدما بكتب واوراق فقط.

التكرلي قبل ان يموت كان لا يعرف ان كلمة اضافية اخرى يكتبها بقلمه يمكن لها ان تهبنا صلابة اكثر. كان يأخذ وقتا من اجل ان يختلق قصة ما ولكنه لم يحسب كم اسرف في التأمل وفي التلذذ بمباهج الحواس وكم حبس او اهمل او نسي من كلمات.

هل حارب جيدا الزكام والمزاج غير الرائق؟.. هل قاوم تمرد عظام الشيخوخة؟. هل نفض عنه سكون الكسل ومشى الى القلم كما كان يفعل في السابق يوم كان لا يعرف انه سيكون التكرلي الجميل الذي لا مثيل له؟.

ليته فعل.

صعب ان يموت للعراق هذا التكرلي.