ثلاثــــة رقــــــم طـــــينية |
المقاله تحت باب قصة قصيرة "تعاركودرفندش و درفندحش. كبش درفندش نطح كبش درفندحش. وكبش درفندحش نطح كبش درفندش" (1) و تلبية لنداء أطلاقات درفندش و درفندحش، التحمت ألأعمام، أثر هجوم على عدة محاور. في أحتدام معارك ، ظل غبارها يتصاعد ليوم بأكمله . وفي جو مكفهر و رشق ناري متواصل ، فيه .. أكتظ و تلاحم صهيل خيل مذعورة . مع هلاهل هي أقرب للصراخ. و كلاب مهلوعة ،أودعت ذيولها، تحت حماية أفخاذها الراجفة ، باحثة عن مخبأ تأوي أليه . وسط هذه الحال ، أضحت أرواح الكهول ، و الشيب و الشباب، تزهق ، هاربة من أجساد ممزقة .في حين.. تقف النسوة المفجوعات ، مؤزرات، حاسرات الرؤوس . تتخضب خدودهن المخدوشة . و تتهدل ثيابهن ، عن صدور متورمة .. من وطأة صفع يدوي قاس، وأستباحة حتمتها المصيبة . كل شيء يستدعي النحيب ، و الرجفة حد النخاع . حتى لمن لا يعرف الرحمة ، حتى المغالون و المكابرون ، بعنفوان رجولتهم ، وجدوا جميعا أجسادهم في سعير النار .فهتفوا بجزع : يا فرج اللـــه. ثم.. بعد حين حسب دهرا ، أسفرت المعركة عن الخسائر التالية : كبش درفندش، بقده و قديده.مرفقا بخسائر بشرية، تربو على الثلاثين قتيلا و جريحا. يقابله كبش درفندحش، وعشرون قتيلا و جريحا . وفي أجواء حزينة متوترة ، ختم الرجال أكل الكبشين . ثم .. جرى مراسيم الدفن و قراءة الفاتحة . وسط ترادف لم ينقطع من التجشؤ . وعرفت هذه الواقعة باسم " وقعة الخرفان". الرقـــيـم ألثاني: ــــــــــــــــــــــ عرفت هذه ألأحداث،التي تلت اشتعال اوار المعركة، بين أعمام المرحوم جـــــــدي"جحش" . و أعمام المرحومة جـــدتي " خضره" .. باسم وقعة " هايشة خضره".(2) و يؤرخ آباؤنا " الله يرحمهم و يرحم الجميع "ما تقع من أحداث على هذا النحو : قتل أو ولد، أو تزوّج ،أو ارتحل ، قبل أو بعد " سنة هايشة خضره ".أو قامت حرب" هترل (3 ) بعد سنة" هايشة خضره" . و هذه هي الحكاية ..تفضلوافباركوها و مجّدوها : أن بقرة جدّتي العنود ــ مقطوعة العرضة ــ اعتادت أن لا تقاد الى مرعاها الاّ بقياد يثبت حول قرنيها . و لكي " لا تنتف شيبات أبو خضره". أو تتعرّض لتجريح جدي، فقد عملت على عجل ــ والعجلة من الشيطان ــ فتناولت ما وصلت يدها اليه.و طوّقت قرني البقرة بعقال مترب، معاف منذ سنين .فما " هان الهوان عليه " و أستل خنجره و هوى به على عنق جدّتي ، و كذلك فعل مع البقرة . ذاك يوم.. ولا كألأيام.كان يوما أسود داميا . التحمت فيه الرجال ، تحت دثار كثيف من دخان البارود.ثم زحفت الجموع على الجموع . ما أن فرغت جعبة جدّي من آخر رصاصة ، حتى استل خنجره" الباسل "و زحف تحت غطاء من الظلام . وهناك.. اقتحم أول موقع ليحز رأس ضحيته . ثم ..انقض على موقع آخر ، وفعل ما فعله مع ألآول. ولكي يؤرخ " مبدئيته ". و رجولته التي لا تساوم ، ولا تتخاذل ، دخل مقتحما موقع ابن اخته ، وقيل ان الفتى هتف مرعوبا بخاله: ــ ابن اختك يا خالي ... غير أن" جحش "لم يأبه بذلك ، و لم يرف له جفن ، ولم ترتعش له يد وهتف : ــ أنت ابنهم . واستاصل راسه الغض، و حمله في جعبته ، مع الرأسين ألآخرين ، ودحرجهن أمام أبناء عمومته. الرقـيـم ألثالث ــــــــــــــــــــ كلّفت " قرينتي " وهي " متعلّمة "ــ ما شاء الله على التربية والتعليم ــ أن تبيع آخر مقتنياتنا، فليس من اللياقة أن أبيع حاجاتي بنفسي . فعثرت الزوجة على مشتر نموذجي،وهو جاري النازح توا الى المدينة :و يطمح أن يبدو متحضرا .فأبتاع بذلاتي و عددا من القمصان و ربطات عنق بطل موديلها . حتى أن جاري ــ ذات يوم ــ تفاقم طموحه ، و أغراه أن يفاتحني بشراء بيتي . ذات يوم نحس ، نقبت عن الربطة " الفرنسية " ، وهي هدية من صديق ، و أثيرة لدي ،اعتدت ــ يوم أن كان لدي قمصان ــ أن أرتديها في مناسبات عزيزة. فلم اعثر عليها و لذا سألت: ــ أم جنان .. هل وقعت عينك على ربطتي الفرنسية ؟ و أتضح أنها ناسية حتى شكلها : ربطة رصاصية ، طالما حدثتها عن أصلها و فصلها . ثم .. ذات يوم ــ ياله من يوم مشؤوم ــ وجدت نفسي أمعن نظري بسخط لبقرة جاري ، التي طالما سلبتني نِعمة النوم ، بخوارها المتواصل . فلاحت لي ربطة عنقي ، معقودة بقائمتها ألأمامية ، ضمن خرق مضفورة . ما الذي أفعله؟ هل يمكن لربطة عنقي ألأثيرة ، التي طوّقته بعشق و رفقة مشرفة ، أن تتعانق مع ظلف بقرة ؟ فكيف هو ألأمر ؟ هل أفعلها كما فعلها جدّي؟ آنذاك.. أبتسم لي الشيطان وقال: أفعلها . وهويت بصخرة على ظهر البقرة . وكانت حصيلة المعركة :اجهاض البقرة . كذلك اصابتها بأضرار ليست هيّنة .وأفرز الحدث انكسارا حادا بمعنويّاتي. بعد يوم عكر ، احتدم بالمفاوضات، و تهديدات جاري ، المتعكز على " تكيته "من " ألأصول و الفصول "وجدت لأول مرة ، سخف كفري بنواميس العشيرة. وحسب رؤيا جديدة ، تفتق عنها عهد جديد من المفاهيم ، فقد" خلّفت غاشية ( الثقافة)ورائي وأتيت أقبس جمرة ( أجدادي ) " . وسألت أبناء عمومتي عن حقوقي ، جراء ألأهانة التي ألمّت بربطتي . وبعد أن تأنى كبيرهم، ونفث من صدره ــ ألأثير بالحلول ــ سحابة مدلهمّة من دخان غليونه ..سألني : ــ با ينباغ3؟ قلت: ــ نعم باينباغ. قال: ــ يا صبري أفندي .. هنا لا نقيم وزناً للباينباغ . قلت : ــ ياعم .... المشكلة وما فيها ... قاطعني بكلمة هادئة : ــ من تخلّى عن كوفيته و عقاله ، لا يحق له أن ينتسب الينا . حاولت الدفاع عن موقفي ، أكثر من حاجتي لأقناعه وقلت : ــ ارجو أن تسمع أبن أخيك ... قال بفارغ الصبر :ــ أنت منذ أن طوّقت عنقك بالخرقة الملعونة ، منقطع و كافر بأهلك . قلت يائسا : ــ ياعم .. أنتم أهلي و ملاذي .وعدتي و عتادي . فلم يجب بل شرّفني بدبره ، وعدت أجرجر قدمي ، خطوة ، خطوة .مضنيا فكري من خلل لا يسع حجة واحدة : هل سعيت بخطوي الى حتفي ؟ هل اقتربت من ساعة بيع البيت ؟لأعوّض حماقتي و قلّة ذوقي مع البقرة ؟ وأني.. أشرفت على أبواب صراع مجهول ، يقتضي ، جولة قتالية ، لا تؤمن بمفاهيمي السابقة .. فاصلها ثلاثة أيام ..لحمتها و سداها:كبش درفندش ، و كبش درفندحش. والثنائي: سلالة أبطال النواميس: جحش و خضرة. وانا بحاجة الى أداة ، أشحذ سلاحي المثلوم . ولساحة قتالية " مسلفتة ".يقتل و يجرح و يؤكل فوق بلاطها ، من جانب الخصم : بقرة دبساء و ثلاثون قتيلا و جريحا . يقابله :عشرون قتيلا و جريحا من ألمع أبناء عمومتي .لتقديم رقابهم نذرا لكرامة " باينباغي العتيد ". كل ذلك ينتهي بسقف يوم و ليلة. يعبق بزفرة محببة للحم الدبساء الملساء .بكامل عظامها و شحمها . في وليمة دسماء . أقف ساعتها ، متسربلا بثوب فضفاض ، ناصع البياض ، أحبكه بحزام جلدي ،يتدلّى منه " ورور"(4). و أردد خلالهادعوة حارة لأبناء عمومتي: ــ يا أبناء العم .. ياحزام ظهري . يانور دربي .. كلوا و أشبعوا و تجشأؤا. وختاما ، فقد توصلت الى ضرورة القفز بأي أتجاه ، من فوق بؤسي و يأسي .. كرجل و حيد ، منقطع عن أسطفاف عشائري حقيقي ,الى قرار متكامل ، محبوك بخيوط " ورديّة ". لذا.. قررت .. مع سبق ألأصرار.. أن أقايض جاري و أقبل بأغراءاته . نعم .. هكــــــذا.. وأفعلها لأبناء العم.. ليلة تفوح برائحة لحم الدبساء المطبوخة جيدا. في توجه جدّي.. لعقد تحالف مصيري ، و أخاطبهم: ــ كلوا و أشربوا و تجشأوا. وحينئذ أسير على أرض صلبة ، لشراء كوفية و عقال، و مقتنيات تظهرني بالمظهر الذي يرضي أبناء العم . خطوة أخرى أعلنها .. من أجل المصالحة ألأخوية، و لنبذ ماضي المدينة ،و أزقّتها النتنة، لحاضر بملامح " مملّحة ". : وحيث أن أسم " صبري " عملة متدنية .. فأني أعلن اللاعودة اليه. وأقرر: قرارا قاطعا، و بوعي كامل .. بالطلاق منه ، طلاقا خلعيا ،لا رجعة عنه . وأعلن:اقتراني بواحد من ثلاث .. درفندش ، درفندحش ، جحش . العراق واسط 1996 درفندش:جملة من جمل ألأعثار اللفظي يستخدمها الريفيون للمزاح .( 1) )هترل: هكذا يلفظ الريفي ، آنذاك اسم هتلر 2) )جحش وخضرة: هي من أسماء صغار الحمير و انثاه. 3) 4)0 باينباغ: ربطة العنق) (5) ورور : مسدس |