المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
03/11/2007 06:00 AM GMT
أن المتلقي الذي تابع احد عشر عرضا مسرحيا على مدى ثلاثة أيام ضمن مهرجان كربلاء الوطني الأول للمسرح التجريبي الذي أقامته مؤسسة شهيد المحراب بتعاون واضح من قبل فناني ومثقفي كربلاء الفداء موشحا بشعار (ليكن مسرحنا ..زادا .. ونورا ..ونوافذ مشرعة لغد مشرق جديد ) شاهد هذا المتلقي وبما لا يقبل الشك القليل من الانتصارات والكثير من الإخفاقات في العروض التي عرضت ومثلت محافظات (بغداد والبصرة والناصرية والعمارة وكربلاء وبابل )وبحق كانت عوالم هذه الأعمال المسرحية مشفى لمرضى ممثليها. أتحفتنا في حفل الافتتاح الفنانة القديرة عواطف السلمان بمسرحيتها الملحمية لهم والآم والوطن (النهضة) لما تحويه هذه المسرحية من روعة الصورة وصدق المشاعر وانسيابية الحركة الإخراجية التي اتبعها المخرج ليقدم هذه الفنانة بشكل رشيق وجميل بعيد كل البعد عن النمطية وقريب جدا من ذائقة المتلقي الذي لامست عواطف السلمان بآلامها ولغتها وأدائها الرائع هموم المتلقي وارتقت به نحو الأداء واللغة التي يجب أن تحكم خشبة المسرح الآن. وفي الجلسة المسائية من المهرجان والتي عرضت فيها مسرحيتان الأولى لبغداد (جانب الكرخ) والتي حملت عنوان (نكتف) تأليف وإخراج (أسامة السلطان ) الذي حاول باستهلاله لمسرحيته ان يمزج مابين اللغة العامية والحركة الإخراجية (البرتشية) عبر البحث عمن غادروا بلا موعد أو أمل ليقدم الممثل الرئيسي في العمل (حميد لطيف ) لنا عبر حركات رشيقة تخيلات اختلطت فيها (الفلاش باك) بالحاضر ليسرد لنا بإيجاز وبحركات إخراجية ذات إيقاع سريع موجز عن حياة المصور الشهيد (علي كريم) الذي استشهد في انفجار كربلاء الأخير موظفا(أي مخرج العمل ) العنصر التاريخي كشاهد على غدر الإنسان لأخيه الإنسان والمتمثل بأبو البشرية أدم (عليه السلام ) الذي كان طيلة لحظات العرض رهين الأسلاك الشائكة والجالس متأملا في منتصف السلم الذي أراد أن يعبر عنه المخرج بسلم العروج للسماء,ورغم المباشرة التي وقع فيها المخرج وعدم إتقان احد الممثلين للغة العربية أثناء خطه لنعي الشهيد فبدلا من ان يكتب (ينعى العراق )كتب (تنعى العراق ) ألا أن المخرج يكفيه نجاحا هو أن يبكي جميع من كان في القاعة الذي يعرف بطلة والذي لا يعرفه كل الدموع توحدا نعيا لشهيد (لنكتف). أما العرض الثاني فكان لمعهد الفنون الجميلة والذي حمل عنوان (الليلة الأخيرة لماكبث)والتي أعدها وأخرجها شاب موهبته سبقت عمره بكثير الفنان (محمد قاسم )حيث استطاع بقدره حاذقة أن ينقل المتلقي لعالم أخر ويلامس مخيلته عبر الصورة الإخراجية للممثلين على خشبة المسرح والتي اقترب فيها من الفهم العالم للمخيلة الجمعية للمتلقي عبر استخدامه للخيوط الممتدة من جسد الشر وكأنه أراد أن يرسم صورتين الأولى نوازع (ماكبث) عبر دافع الشر الذي البسه المخرج اللون الأحمر دلالة عن الدم ودموية القتل والذي (أي الشر) حرك ووحد نوازع بطل المسرحية (ماكبث) بخيوط وحدت النوازع نحو فعل ما والمتمثل بالقتل , والصورة الأخرى أراد أن يرسم مخرج العمل صورة الشر في العالم وكيف أن هذا الشر بات يحرك أشخاص ما بمختلف الأفعال كي ينشروا القتل والدمار معبرا عن ذلك بحركة أخراجيه ذكية حينما استعمل قطعة القماش الحمراء كقطعة لحم رماها للمثلين الذين أدوا امتداد الشر في العمل ,وما يحسب لهذا العمل هو فهم أبطال العمل لثيمة المسرحية ومغادرتهم لشخصياتهم والإبحار نحو شخصيات أبطال المسرحية لاسيما ما قدمه بطل المسرحية الذي أدى دور(ماكبث) فقد عاش الدور بانفعالاته ونوازعه الداخلية .
وفي الجلسة الصباحية لليوم الثاني قدمت مسرحيتين الأولى مسرحية (الفصل الأخير)لفرقة الرسالة للتمثيل كتبها وأخرجها المخرج حيدر عبد لله ألشطري والتي كانت تتحدث عن ثلاثة سجناء في قبو عتيق ينتظرون محاكمتهم التي طال أمدها ولم تأتي فراحوا بعد استهلال طويل وغير مبرر استخدمه كاتب ومخرج العمل للدخول لثيمة عمله المسرحي الذي بدأ كعمل وفعل درامي حينما قرروا الثلاثة بمحاكمة أنفسهم بأنفسهم من بداية هذا الفعل الدرامي الذي بدء بحركة مذهلة ورشيقة أداها الممثلون وهم يحاولون المشي كرجل إلي حتى خيل للبعض أنهم كذلك وهم يتوجهون لمنصة العدالة التي أراد لها مؤلف العمل ان تكون منصة لاغبار عليها في طرح الأسئلة والحكم ,ومابين الصياد الذي اعتقل لاصطياده سمكة غريبة عن بيئته ومابين الشاعر الذي اتهم بكتابته صور مشفره ضد الحاكم في المسرحية ومابين صداهم الثالث الذي كان يمثل ذاتهم المصلوبة على جدران الانتظار الممل لنهاية ظلمة الظلمة في القبو العتيق , وفق الى حد كبير مخرج العمل في إيصال ما أراده مؤلف العمل وأبدع الممثلون بأدائهم ألا أنهم اخفقا بقضيتين الأولى الفعل وردة الفعل في الأداء وتسليم الحوارات مابين الممثلين والثانية اخفقا بشكل كبير جدا بإجادتهم للغة العربية وعدم إجادتهم للغة العربية نتج عنه انقطاع صلة المتلقي بالعمل مما ولد فوضى في مدرجات الجمهور لان الجمهور بدأ ينتقد الأخطاء اللغوية بصوت عال وهذا الإخفاق لم يتح للمتلقي التأمل في أبداع تقنية الصورة الإخراجية للعمل . أما العمل الأخر في الجلسة الصباحية لليوم الثاني فقد حمل عنوان (طريد ألازمنه ) لفرقة مسرح واسط والتي أعدها احمد طه الاسدي وعماد جاسم وأخرجها عماد جاسم أو (بابا عماد ) كما اطلق عليه من قبل الحاضرين هذا العمل الذي مثل شخصياته ثلاث ممثلون كان صرخة المخرج التي أراد لها أن تدوي لتستنكر جريمة حرق شارع المتنبي بالرغم من أن العمل بدأ بفعل درامي مثل نصفي المجتمع الرجل والمرأة وكأن المؤلف والمخرج ارادى أن يعبروا عنهما بنصفي الدنيا الرجل الذي يمثل فعل الحياة وتأريخها والمرأة التي تمثل ديمومتها وبالطبع كان هذا الفعل الدرامي والتكامل الفعلي لدوري الرجل والمرأة هو استهلال هذا العمل الذي باتت جذوته تتفاعل وثيمته تتضح أكثر تاركتا ألف سؤال بعد أن اطل علينا الممثل المزدوج الذي مثل بأن واحد دور المتنبي واحد بائعي الكتب في الشارع المحروق ظلما وعدوانا , هذا الممثل الذي ينتمي بجيله للرواد أضفى وجوده ثقل دراميا أكثر أقناعا في الأداء والحركة فبرغم (ترسانته )الجسمانية الا انه استطاع التغلب على هذه (الترسانة) بخفته الحركية معبرا من خلال ازدواجية الشخصيتين عن لسان حال المتنبي وهو يرثي نفسه وشارعه عبر أشعار منتقاة اختارها معدا العمل لإقناع المتلقي بوجود المتنبي على خشبة المسرح أضيف لها شخصية الباطن وهي شخصية احد البائعة الذي حاول ان يدس بين أشعار المتنبي معاناته ورثاءه لحرق كتبه ألا أن المعدان والمخرج ارادى لهذه الشخصية المزدوجة أن تكون قنوعة وراضية لما كتبه الله تعالى عليها وهي البلوى بشقيها طريد الأزمنة (المتنبي) والبائع الشاهد على مطاردة العصر للمتنبي(حرق شارع المتنبي) وبالرغم من النجاح الذي حققته هذه المسرحية أعدادا وإخراجا واداءا بتحويلها مسار المهرجان من العالمية للمحلية ألا أن المعضلة ذاتها تكررت لكن بأقل وطأه والمتمثلة بتألق الصورة وانتكاسة اللغة فقد وقع الممثلون بفخ اللغة في أكثر من حوار ألا أن جذوة الفعل الدرامي وتصاعد وتيرته وأحداثه نجحت لحد كبير في بقاء الاتصال المباشر مابين ذهنية المتلقي وأحداث المسرحية . وفي الجلسة المسائية لليوم الثاني قدمت فرقة المسرح الجامعي في ميسان مسرحية (ترانيم الجراح ) التي كتبها مصطفى جلال واخرجا محمد كريم ألساعدي وهي رسالة ذوي المقابر الجماعية التي حملها فنانو ميسان لجميع من حضر العرض ,تدور أحداثها الملحمية وفق منهج سردي شعري لمرحلة مظلمة من تاريخ العراق وهي فترة نظام البعث للعراق عبر أربعة شخصيات رئيسية وشخصيتين ثانوية استخدمهما المخرج كمجاميع يعبر من خلالهما عن واقع الأحداث آنذاك كي لا تنقطع صلة المتلقي بتلك الفترة أثناء حديث الشخصيات الرئيسية مستهلا مسرحيته بولادة الشر الذي طالما قدمه المخرجون بنفس الطريقة الإخراجية المعروفة وليد يولد من رحم رداء احمر يمثل الشر وهنا لحد كبير تشابهت الحركة الاستهلالية مابين هذا العمل ومسرحية(الليلة الأخيرة لماكبث) لفناني البصرة الفرق الوحيد هو أن البصرة قدمته كوليد من رحم إنسان لان هناك بطل العمل معروفا وهو (ماكبث) أما استهلالية محمد كريم ألساعدي فقد كان بطل الشر عام وغير محدد لذا كان الوليد هو من الرداء الأحمر وهنا وفق ألساعدي لحد كبير في جذب المتلقي مع أول حركة إخراجية له للتصاعد الأحداث والفعل الدرامي الذي يدور حول محاكاة الشر المتمثل بسلطة النظام المباد فبدت كأنها محاكمة لكن محاكمة من نوع أخر هي محاكمة قدم خلالها ابن المعلم الذي لجأ والده للعمل ك(حمال) في علوة الخضروات ليموت فيما بعد في المقابر الجماعية ليتعرف عليه من خلال (طبشوره) لينقل المتلقي لأجواء أخرى حينما يبدأ بسرد تاريخ والده التربوي فوفق المخرج باستغلاله لألواح خشبية تعبر عن أبواب المعتقلات لتتحول فيما بعد لمدرسة ومن ثم سور للوطن ومن ثم أبواب للجيران وكأنه أراد عن يعبر من خلال هذه الألواح واستعمالاته لها عن ترابط الإنسان منذ الولادة بهذه الألواح التي ويولد فيها ومن ثم يحمل عليها لمثواه الأخير, والمتتبع لهذا العمل سيرى بعين ناقد أن الإحداث الدرامية تتصاعد وتيرتها من حوار لأخر حتى يصل للمطاف الأخير وهو العتب على الوطن ,أسرف بعتبه على الوطن حد التخمة بتكراره لمفردة (وطن) التي جعلت من ثيمة العمل مباشرة ولم تباغت الجمهور بمفاجأة معلقا كل ما ألت إلية الأوضاع في العراق على اكتاف الوطن من دون أن يحدد بشجاعة مسرحية ماهية وصورة او شكل من ظلموه ممن يقودون الوطن متناسيا هنا ان التشفير الشعري والخطابي مباح على المسرح في انتقاد أي جهة بعيدا عن الاتهام المباشر لها , لكن ما يحسب لهذا العمل هو التوظيف الذكي الذي قام به مؤلف العمل للغة العامية الأمر الذي لم يؤثر على اتصالية وتفاعل الجمهور بذكر بعض العبارات العامية وسط الحوارات الفصحى في العمل وهذا ما افتقدته كل الأعمال التي عرضت قبل وبعد هذه المسرحية فلم يوظف كتاب هذه الإعمال اللغة العامية توظيفا ذكيا من دون المساس بذائقة المتلقي أو تفاعله مع أحداث العمل المسرحي ,بقي أن نذكر أن هذا العمل وقف له الجمهور مصفقا وباكيا لما قدم من مأساة إنسانية ستظل وصمة عار بجبين من حكموا العراق بالسوط والقضبان كما ان هذا العمل قد يكون العمل الوحيد في هذا المهرجان الذي تألقت به الصورة واللغة معه ولم تسجل علية انتكاسة لغوية واحدة.
العرض الثاني من اليوم اليوم الثاني أيضا شاركت فرقة دار السينما والمسرح بوزارة الثقافة بمسرحية شعبية لا تجريبية شاهدها الجمهور البغدادي أكثر من خمس مرات تحمل عنوان كبير في المعنى والتشفير(غرفة إنعاش) أخرجها المخرج كحيل خالد أما من كتبها فهي من الأعمال الارتجالية النادرة التي يقف فيها الممثل كاتبا ومؤلفا وواعيا لسير الأحداث الدرامية بعيدا عن الإسفاف والابتذال هذا العمل الذي ينتمي للواقعية وكوميديا الموقف استطاع وبجدارة ان يكون ليس عملا مسرحية فحسب بل كان أيضا درسا جديدا في من دروس المسرح التي تخرج بك من الكلاسيكية والتقليدية في العمل المسرحي لحداثوية المسرح وأشغال زواية المسرح جميعها بأفعال درامية تنتمي للفوضى المنظمة ولا تسعى أطلاقا لتشتيت نظر المتلقي بشخوص استطاع مخرج العمل من أجراء (خلطة) كاركتية لهم فجعلهم اقرب إلى الواقع والترميز في آن واحد ساخرا بكل ما يجري بحوارات ارتجالية تشعر للوهلة الأولى أنها في داخلك لكن ثمة شيء كان يمنعها من الخروج من فمك فتربوا بهذه الحوارات لذهنية المتلقي الناقم من كل ما سخر منه ممثلو العمل , وما يشار له من قوة في هذه المسرحية هو توزيع الممثلون على المسرح وأدائهم الرائع في عملية (الفعل وردة الفعل ) وكان كل شخص منهم يعيش في عالم خاص فهم ليسوا شخصيات خيالية تقرئها ولم تراها بل هم شخصيات تراهم كل يوم وكل ساعة ألا أنهم بفعل مصالحهم يلتقون بهدف واحد في نهاية العمل , ما اثبت جدارة المخرج في العمل هو تحريك ممثليه في أن واحد من دون أن يقع في فخ تشتيت نظر المتلقي وهذا يؤكد انه مخرج يمتلك قدرة عالية في توجيه المتلقي وذكاءه العالي في مسك خيوط اللعبة المسرحية بخبرة إخراجية لا يستهان بها ,وبقدر ما كان العمل شعبيا واقعيا وشخوصه مألوفين للجميع بقدر ما كانت هناك ترميزات وتشفيرات مسرحية في غاية الدقة ,فلم يبتعد هذا العمل عن شعراء اليوم وارتدادهم عن الثوابت الوطنية عبر اختيار المخرج لشخصية شعرية تهريجية هو (عباس جيجان) والغور في انتكاسة المسرح العراقي من خلال الاستعانة بالنصوص المسرحية العالمية وترك ما يمر به البلد من دون تسلط الضوء عليه مسرحية من خلال ما اتخذه (ممثل ومخرج) أراد لهم مخرج العمل أن يكونوا في إحدى زوايا المسرح يبحثون في نصوص هاملت عن عمل يمثل ما يجري في العراق , كما لا لم ينسى مخرج العمل ضحايا التفجيرات والذي أراد المخرج من خلال شخصية الشاب الذي ينشغل طيلة المسرحية يجمل بشعره ويردد أغنية أجنبية وكان المخرج هنا أراد أن يقول أن العوق لا يعني نهاية الجسد وان هذا العوق هو معوق عقل لا جسد من خلال تأثره بالثقافة الغربية وفي دور (العبد الراقص) أكد المخرج هذا الرأي موجه صرخته بأن للعرب ثقافة أسمى من الغرب . ومن بين أهم الترميزات التي وفق فيها مخرج العمل لحد كبير هي شخصية (الزبال) الذي اختار له المخرج نهاية المسرح مكانا له والذي كان يقع مع أول بوادر اتفاق هذه المجموعة التي تحولت بفعل التصاعد الدرامي تشبه أعضاء مجلس النواب وفوضى جلسات مجلس النواب فكان(الزبال) يصاب بالصرع مع كل اتفاق لهذه الشخوص مما يؤدي لإلغاء الاتفاقات الوطنية ,كان المخرج ذكيا بطرحة الغير مباشر عن صراع السلطة والمكاسب تحت قبة البرلمان فنهى مسرحيته بحرق كل ما قيل من قبل(الزبال) والذي عبر عنها بحرق بغداد الذي استغله البعض ليشعل سيكارته من نار بغداد بدلا من إطفاءها. في جلسة اليوم الثالث الصباحية قدم مجلس ثقافة وفنون واسط مسرحية (أرواح سجينه ) أعداد وإخراج الفنان احمد طه الاسدي وهي مسرحية أطلق عليها مسرحية (موندراما) لكنها لم تكن كذلك لأنها تحوي على شخصية ممثل على المسرح وصوت خلف الكواليس أدى دور الممثل فيها الفنان خالد مولود السجين الذي أدى دوره بحرفيه عالية من الناحية الحركية ألا أن أدائه كان جامدا وغير مؤثر في نفسية المتلقي وكأنه لم يشعر او يتحسس النص فالممثل عندما لا يشعر بالنص يفقد أهم عنصر من عناصر أدائه هو الإحساس العالي بالحوار وفقدانه للإحساس يعني إيصال الحوارات جامدة من دون أحساس حتى أن تعابير وجهه كانت غير حاضره في أدائه بالرغم من أن النص كان نص يحمل نوعا ما مجالا لإبداع الممثل استطاع المخرج أن يرسم صورة أخراجيه في غاية الروعة لممثله معتمدا على سرير المستشفى الذي يتحول مع كل انتقاله درامية لأداة أخرى ومع أن النص مأساوي ألا أن مأساويته لم تصل للمتلقي أما بسبب قله التدريبات الخاصة ببطل العمل أو أن الممثل فقد السيطرة على أحاسيسه ساعة العرض ألا أن من المؤكد أن الممثل كان رائعا في الأداء الحركي وفي تأديته للانتقالات الإخراجية المختلفة . العرض الثاني في جلسة اليوم الثالث كان لكلية الفنون الجميلة في بابل مسرحية (كريستال) أعدها وأخرجها الفنان احمد محمد عبد الأمير هو العمل المفخخ بصوره وحركات ممثليه لعب الجسد في هذا العمل أداة معبرة لنقل الأحاسيس والمدركات الفلسفية والدينية، سواء عبر القواعد أو الطرق التي تنظم الممارسات التأملية والشعائرية أو خلال قواعد العرض المسرحي لعبت الأساطير دور كبير في هذا العمل ,فالجسد انفصل فيزيائياً عن الأشكال الأخرى للوجود (وأعني بها الأشكال العاطفية والروحية والفلسفية والكوزمولوجية) فجسد الممثل كان في هذا العمل الذي اقترب لسينما المسرح كان جسد الممثل خلاق مشكلّ بنوع يشبه تركيب الآلة الموسيقية، جاعلا من جسده وسيلة لمحاكاة الواقع أو التعبير عنه. أراد معد ومخرج العمل المسرحي أن يغوص في بحار (البانتومايم) ويزاوج بينه وبين مسرح ألصوره ليخرج بعمل مسرحي يقترب من الأداء السينمائي كثيرا مستغلا الطقوس الدينية القديمة وبالأخص الطقوس الدينية الهندية لأسباب نجهلها رغم وجود طقوس عربية قديمة كان باستطاعته استغلالها بحكم قربها من المخيلة العربية لدى المتلقي ألا انه ربما استعمل هذه الطقوس لقربها من المسرح الراقص الصامت (البانتومايم) ألا انه كان عرضا جديرا بالاحترام أبدع فيه المخرج بتحريك شخوص عمله واختياره للصور التي تحمل أكثر من تأويل وصدمه للمتلقي , وأعطى هذا العمل دليلا واضحا للمقولة القائلة أن *(الثقافة هي ثقافة جسد) , شكل أداء الممثلين الذي تميز بإحساس عال لكل أجزاء الجسد ومعرفة تامة وثقه ببهاء الصورة التي تعطيها كل حركة إيمائية رافقها عرض فنتازي امتزجت به الضحكة مع الصرخة والشر مع البؤس والتشرد مع البراءة صور رمزيه مشفره تحمل الكثير من احتمالات التأويل ألا أنها كانت بحق صور مفخخة حملت معها الإبهار والخوف والضياع معا ساهم الجمال الجسماني للمثليين في تقبل حركة الجسد . أما الجلسة المسائية لليوم الثالث قد فيها عملين الأول كان لكربلاء لجماعة مسرحيون حمل عنوان (أنا والشيخ وهواك خلف الباب ) تأليف وإخراج المخرج مهدي هندو والتي كان فيها الممثلون عن بحث دائم يتسابقون على حب تم ترميزه ليشعر المتلقي في الوهلة الأولى انه حب بين عشيقين وحينما يتصاعد الفعل الدرامي يشعر المتلقي انه حب العراق وعندما تشارف النهاية يتيقن المتلقي انه حب كربلاء , هذه المسرحية التي لم يفعل التجريب فعلته عليها ألا إن الممثلون أبدعوا في الأداء والتفاعل مع الشخصيات فالفنان(جاسم أبو فياض) الذي مثل دور الشيخ عاد بنا إلى الوراء حيث رقي عمالقة المسرح العراقي بالإلقاء والأداء والتفاعل النفسي مع الدور بالرغم من أن الموسيقى لعبت دور سلبي في المسرحية ولم توظف بشكل جيد ألانه عمل يحمل شيء من الجمالية المسرحية لكنه يبقى عملا مسرحية لم يضف شيء لتاريخ المسرح الكربلائي ولم يكن بحجم ذلك التاريخ لسوء اختيار المخرج للقصة تحديدا ولم يكن العمل بمستوى أبداع الممثلون ففي بعض الحوارات كان الابتذال وتوظيف المثل الشعبي من أبشع ماقترف مسرحيا في المهرجان ومع أن العمل لم يكن بالمستوى المطلوب مسرحيا ألانه يعد محاولة جيده تستحق الاشاده من حيث أداء الممثلين والصور الإخراجية التي قدمها المخرج . أما العرض الثاني لجلسة اليوم الثالث المسائية كانت مسرحية (أحزان تلك الجمعة )لفرقة القسم الإعلامي في مؤسسة وارث والتي أعدها الفنان محمد قاسم وأخرجها الرائد عبد الكريم خزعل والتي تتحدث عن اغتيال السيد محمد صادق الصدر (قدس) فهي مسرحية الألم التي امتزجت فيها خيوط النور مع سوط الجلاد فتناثر النجوم كشظايا دعاة لذلك النور ,تزاوج فيها الواقع من حيث المدرسة والأداء الأكاديمي من حيث الإخراج ,لم تكن مسرح شعارات وبكاء ولم تكن مسرح ندب وهتاف بل فعلت الحركة الإخراجية فعلتها للارتقاء بالمسرح الإسلامي نحو النظم والمدارس العالمية في الرؤيا الإخراجية وبذكاء استطاع مخرج العمل أن يوظف العاطفة الدينية مسرحيا وان ينهض بالعقيدة الدينية مسرحيا لغير كل ما علق في أذهان البعض بأن المسرح هو نافذة الغجر بل قال المخرج كلمته المسرح نافذة للارتقاء بثقافة الشعب ,تفاعل الممثلون مع أدوارهم بشكل رهيب وذلك نتج عن أيمانهم بعدالة قضية الأمام ذاته كانوا أذكياء في انتزاع ألدمعه الواعية من عيون الجمهور ,أبدع المخرج بصوره الإخراجية وتألق الممثلون بأدائهم بالرغم من أن المسرحي كانت تميل في اغلب المشاهد لمسرح (البانتمايم ) فكانت بحق أحزان لتلك الجمعة . ما سجل على عروض هذا المهرجان أن الأعمال جميعها تميزت برؤى أخراجيه مبهره ألا أن جميع العروض انتكست فيها اللغة العربية وغاب التوظيف الذكي للهجة العامية والموسيقى باستثناء عملين فقط من مجموع احد عشر عملا مسرحيا ومن أهم لإخفاقات التي حصلت في المهرجان هو الإرباك في الإعداد واستقبال الضيوف والعروض والارتجال في الجلسات النقدية وسوء توزيع مقرري الجلسات ,لكن ما يحسب له من نجاح وهذا الأهم هو أن مؤسسة ذات خطاب راديكالية ديني يمثل سلطة الدعاة الإسلاميين وهي مؤسسة شهيد المحراب(قدس) أن تحطم كل قيود الظلم الذي لحق بأرقى الفنون ألا وهو الفن المسرحي الذي ينظر له من قبل بعض الإسلاميين بأنه فن للغجر فقط متناسين أن لهذا الفن (المسرح) الفضل في أن تبقى واقعة ألطف في الأذهان وان تصل لغير الشيعة عبر عملية مسرحية ملحمية كبيره ألا وهي (التشابيه) الوريث الفني الفطري الذي أسس لنظرية أسلمت المسرح , كما أن هذا المهرجان الذي يعد انتقاله مهمة في الحركة المسرحية العراقية ظلم من قبل وسائل الأعلام السمعي والمرئي والمقروء ظلم كبير وأهمل حتى من قبل النقاد والدراسات النقدية وتقع تبعاته على اللجنة العليا التي لم تشكل لها لجنة إعلامية خاصة بالمهرجان .
|